[محمد ال داود]

... أن تتعصب ...

أن تتعصب رياضياً... ماذا يعني ذلك؟ ... دعنا نتأمل. لن أتحدث في طرح علمي صرف عن التعصب في تنوعه واختلافه, ولن أخوض في النظريات النفسية التي تحاول فهمه وتحليله وعلاجه, بل سأكون في مجال يجمع بين السهولة والعمق في طرق هذا الموضوع من زوايا مترابطة.

التعصب يمثل عملية عاطفية فكرية غاية في التعقيد والترسب تمر بمراحل عدة: تبدأ بالتعلق, وتمر بعدم الاتزان, وتنتهي بالسقوط. ويحتمل أن يكون التعصب كحالة مصنوعاً أو مطبوعاً- أي أنه موجود في الفرد كسجية وطبع.

فقد يسلك الفرد منزلق التعصب فيهوي فيه إلى رتبة "متشنج", دون وعي منه أو بوعي سطحي, تعبيراً عن حب ناد, ثم لا يلبث أن يشرع في ضرب جرس المزايدة والمغالاة في حب ذلك النادي عند كل شاردة و واردة في نقاش أمور ناديه, رغبة منه في إقصاء الآخر, والشعور بالتميز فهو في نهاية الأمر, حسب ظنه, أكثر علماً وفهماً, و أعظم حباً, وأحق تباعاً في التحدث عن النادي. فمن كانت هذه حاله مع من يشاركه الميول فكيف سيكون حاله مع من يناوئه فيه.

إن هذا المنزلق الخطر, في تصوري, يأخذ بصاحبه في درك من الأسباب والآثار, والأحوال, تتفاقم من سيء إلى أسوء. فمن مزايدة ومغالاة إلى إقصاء ورغبة في تميز مغشوش, ومن العقل إلى العاطفة, فمن الجهل إلى الخوف, ومنه إلى ضيق عجيب في التفكير, فالعنف والعداء لمخالفيه, بل وحتى للناصحين أصحاب العقول المتزنة, والرؤى الجلية ممن هم على ميوله.

والمعضلة هاهنا لا تتوقف بل في انحدار وتفاقم, فالمتعصب غارق في النرجسية, طائف بالأنا, لاهث في حلقة من الضرر والضرار, غائب عن واقعه, سادر في ظلمة جهله, أبعد ما يكون عن الواقع وتفهمه, لايقبل الحقيقة فضلاً أن يتقبل الرأي الآخر, قد سلم لعاطفته الدفة, وخنق عقله بنياط قلبه ولفه, فلا حقاً أبصر ولا باطلاً أنكر, و لا حرية له إلا في التجاوز تعدياً وتعميماً.

وليس أخطر من ذات التعصب سوى صناعته وإشاعته في الوسط الرياضي, صناعة لها وسائل وأذرع تقوم على ممارسة التجهيل والتسفيه والإرجاف بحجب وقلب الحقائق والوقائع تارة إلى التقول والتلفيق تارة أخرى, في نهج فج, يعتمد على العبث بعواطف المشجعين بتحفيزهم وتحزيبهم مع أو ضد شخص أو جهة وإدخالهم في مزايدات وهرطقات لا طائل منها لهم, وكل ذلك باسم النادي والشعار, والحقيقة أن المتعصبين بتعصبهم يتم استخدامهم واستغلالهم على يد صانع هذا التعصب, في تجاهل تام للمقاصد العليا للرياضة, من أجل مكاسب آنية شخصية, أو خاصة بحته, تحوم, دون حصر, إما على شهرة مزيفة, وسمعة كاذبة, أو تشكيل جبهة ضغط جماهيرية, أو من أجل الكسب المادي. و لا أجد مثالاً أفضل على الكسب المادي وخدمة الأهداف الشخصية من تلك "المطوية" الجوفاء في غالبها, والتي تسمى بهتاناً وتجاوزاً على ما فيها من تجاوز صحيفة رياضية.

ورغم وجود التعصب في كل نادي إلا أني أجزم بأن الهلال أقل الأندية من حيث نسبة المتعصبين ولله الحمد. كما أكاد أجزم أن نسبة المتعصبين الهلالية القليلة هذه أكثرها إنما خرج في مواجهة ذاك التعصب المضاد. وحتى لا تلتبس الأمور, أستطيع القول بأن ثمة فرق شاسع بين متعصب هلالي ومتعصب غير هلالي. نعم حتى في هذه... لماذا؟ ذلك أن المتعصب الهلالي في معظم طرحه لا يخرج عن المنطق السليم والبديهي, أما غيره فصاحب منطق أعوج في جل طرحة وأنظر حواليك فالأمثلة كثير. فالهلاليون والقلة المتعصبة منهم لم تنعدم عندهم المعايير ولم ينسوا أس انطلاقهم في حب الهلال وتشجيعه, ولم يقعوا في فوضى الأولويات فمازال الأساس هو الأساس: الإمتاع والإطراب, الفن والمهارات, البطولات, المنجزات, الإدارات, خدمة الكيان لا الأشخاص وهم رجال كالجبال... وهلم جراً من هذه المنطلقات الجميلة للمشجع الهلالي. وكشف البطولات الأخير على سبيل المثال كشف عن( 200 ) بطولة للهلال في سبع مواسم سمان دون بلبلة وإزعاج فهذا هو المعتاد مع تواجد مقبول في الإعلام لا أراه يوازي حجم المنجز الهلالي الضخم. ولو قارنا هذا المنجز العملاق على سبيل المثال وجعلناه في مقابل (6 ) منجزات للنادي الجار في سبع مواسم من الإزعاج الحاضر في كل شيء لسبب أو بدون سبب ودون أن أنسى في هذه المقارنة قول الشاعر:

ألم ترى أن السيف ينقص قدره ..... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

فما عسانا نقول في متعصب هلالي الأساس والمنطلقات والمعايير في جلها عنده سليمة, والأولويات عنده منضبطة, فمنطقه يعتمد على المنجزات, وصحته في مأمن البطولات وأعصابه في كنف التتويج, ومتعصب ليس له حظ من هذا كله, فأي الفريقين أحق بالعقل والمنطق... يا ساتر.

وكما ترون فالهلال دائماً في كفة, والآخرون في كفة, حتى ولو في التعصب, إن خيراً فأكثر وإن شراً فأقل. وعلى الرغم من أني أمج التعصب في كل حالاته فإني أنصح كل متعصب بهجر التعصب فإن كان ولابد من التعصب... فليتعصب للهلال!!.

محمد آل داود