
22/01/2011, 03:26 PM
|
كاتب مفكر بالمجلس العام | | تاريخ التسجيل: 22/11/2005 المكان: في زمنٍ حياديّ
مشاركات: 1,847
| |
هل أسامح؟ طرحت السؤال التالي في صفحتي على الفيس بوك:
إذا عمل شخص قريب منك عملاً أغضبك وكانت فيه خيبة أملِ كبيرة لك، فما هي ردة فعلك الطبيعية عليه؟ هل تواجهه؟ هل تسرّها في نفسك؟ ما هي ردة الفعل المناسبة منك لهذه الخيبة من هذا الصديق؟
فانهالت عليّ الإجابات الجميلة عن السؤال من المشاركي، وقد تراوحت الإجابات، بين السكوت التام، وكتم ما يجري في النفس، وبين المواجهة العنيفة مع من يقوم بعمل مغضب. (الإجابات مجموعة في هذه التدوينة – اضغط هنا)
الأكيد أن أصحاب الإجابات يتغيّرون مع الزمن، وهذه سمة جعلها الله في الإنسان، إذ جعله قابلاً (في حالات كثيرة) لتطوير ذاته، ولتغير تصرفاته وحتى شخصيته، أكان هذا التغيير للأحسن أو للأسوأ.
بالنسبة لي شخصيا، فقدْ كنتُ في السابق ميّالاً إلى كتم الغضب كتمًا تامًّا عمّن أغضبني، وهذا ما يعرف في علم الاجتماع بـ (التجنّب)، والتجنّب جميلٌ في ظاهره، إذ أنه يؤدي إلى المحافظة على الأصدقاء، وحتى في حالة عدم المحافظة عليهم، يؤدي ذلك إلى ترك سيرة طيّبة بعد الانقطاع، إذ تجدُ الأصدقاء لدى مقابلتهم لمن هم أقوياءُ في ردة الفعل، “رحم الله أيام فلان، فقد كانَ لا يغضب ولا يشره على أحد”. لكنْ ما الذي يحدث في هذه الحالة؟ تُنكت في القلب نكتة سوداء من الحقد على المخطئ، نكتةٌ لم تمحَ لأنها لم تخرج، وتليها النكتة تلوَ النكتة، تلوَ النكتة، حتى يضيق القلب ذرعًا بأخطاء الغير، ليصبح الشخص غير متزنٍ في تصرفاته، مما يؤدي به إلى الانفجار، فيصبح كل خطأ ممن هم حوله “قشة” قصمت ظهر البعير وتقصمه وتقصمه.
ولكن هل الحل هو الدخول في نزاعات مباشرة وصراعات على كل خطأ نقابله من الأشخاص؟ إن الشخص الذي يعمل بهذا يخسرُ أصدقائه بسرعة، إذ يتذمّر من حولَه من كثرة تذمّره.
إذًا نحن الآن بين مشكلتين: كسب الناس وملء القلب بالغيظ الرهيب، أو خسارة الناس من خلال تفريغ الطاقة السلبية في النفس فورَ حصولها. لكن أليس هنالك حلّ وسط؟
لفت انتباهي في بعض التعليقات، التركيز على التمييز بين الأحداث بناء مستوى العلاقة بين الصديقين، وكذلك مستوى المشكلة، وكذلك التفريق بين قضيتين: تصرّف يثير الغضب وتصرّف يسبب خيبة كبيرة. هذا أمر مهم، مهم التمييز بين الأصدقاء المختلفين، وبين تصرّفاتهم، وبين نواياهم. الأصدقاء:
الذي يجعل كل أصحابه في مرتبة واحدة، يرهق نفس بعلو توقعاته وآماله، إذ يفترض منهم جميعا أن يولوه نفس التقدير، وهو ما لا يستطيعه البشر، وهنا نستحضر خيرَ البشر كلهم صلى الله عليه وسلم الذي جعل من أصحابه أبا بكرٍ بمنزلة دون غيره من الناس، مما جعل الأخير أوعى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم، حتى بوفاته. التصرّفات والنوايا:
الشخصية المائلة إلى المثالية (وكذلك تسمى الشخصية القلقة) تحب محاسبة الناس على كل ما يصدر منهم من الأخطاء (أكان ذلك علنًا أم مكبوتًا في الأفكار التي تمر بالذهن)، وفي هذا إرهاق لصاحب الشخصية، إذ سيجد الشخص أناسًا يعادونه ويسبّونه ويحسدونه، فهل من السليم أن يغضب لكل تصرف ممن هم أصلاً يتعمدون إيذاءه ويتربصون به الدوائر؟ وهل السليم في هذ الحالة مجاملتهم وإظهار الود لهم والتلطف إليهم؟ إذًا تتحدد ردة الفعل المناسبة لذلك بحسب أمرين رئيسين: مستوى العلاقة مع الشخص، مستوى الفعل والنية المصاحبة. لن أضع حلولاً، فلكل واحدٍ منا أسلوبه الخاص في التعامل مع مثل هذه الحالات، ولكن علينا أن نكون واعين باختلاف مستويات الأصدقاء، وباختلاف تصرفاتهم وطبائعهم، وقبل ذلك نحتاج وعيًا حقيقيًّا بمشاعرنا الداخلية وتصرفاتنا، هل تعكس تصرّفاتنا ما يدور بأنفسنا؟ وهنا سأعرض مقولة للدكتورة “إيلين دونشانستانغ بوريس″ وهي متخصصة في حل النزاعات بين الجماعات والدول على أساس الفهم:
“قبل أن نسامح بشكل حقيقي، يجب أن نعيَ أن العفوَ هو شفاء داخليّ وليس بالضرورة تصرّفا ظاهرًا، حتى نعي ذلك، سنواجه مقاومة داخليّة ترفض العفو والغفران للمسيئين.”
|