حينما تذهب الى قاهرة المعز وتشاهد امامك قائمة مذهله من المواقع التاريخية والاماكن التي تفيض من جوانبها الحضارة وتعبق فيها رائحة التاريخ .. مثل الاهرامات وقلعة صلاح الدين والازهر الشريف وغيرها الكثير والكثير .. ثم ما تلبث ان ترى اسم مقهى الفيشاوي قابع بين تلك الاماكن , مما يجعلك تتعجب كيف وصل ذلك المقهى الى هذه المكانه واستطاع ان يحفر اسمه بين الاماكن السياحية في مصر مما جعل الغرب قبل الشرق يتوافدون لزيارته طامعين في كوب من شاي او عصير مع شفطات من شيشته ينفثون مع دخانها همومهم واحزانهم !!
كل هذا دعاني الى ان اجعل لزيارة ذلك المكان جزء من وقتي لأرى بأم عيني هذا المقهى وما فيه مشروبات وما يحتويه من شيشات وما يضمه من تاريخ وعجائب ..
تذكرني بقول البحتري في ايوان كسرى !!
ليس يُدرَى أصُنْعُ إنسٍ لِجِنٍّ ** سكنوه أم صنعُ جِنٍّ لإنْسِ !!
فتوجهت الى حي الازهر ووصلت الى خان الخليلي حيث يقبع المقهى لئتفاجأ بضيق المكان في المقهى وزحمة البشر من كل شكل ولون !! حتى وجدت لي مقعدا على طرف المقهى جسلت عليه على مضض وأنا أتسائل في قرارة نفسي هل هذا هو مقهى الفيشاوى ! متحسراً في نفس الوقت على مقاهينا الفسيحة والمريحه والتي لم تحظى بذرة اهتمام مما حظي به هذا المقهى العتيق .
وبينما انا في المقهى كانت الاف التساؤلات تدور في رأسي رغم الازعاج والضوضاء فساعة اقول الم يجد نجيب محفوظ مكان افضل من هذا ليكتب رواياته !! الم تسعه القاهرة ألم يعجبه النيل الم يقنعه المقطم الم يرضه ابو الهول !! ثم ما يلبت تفكيري ليعود الى تشخيص حالتنا نحن العرب الذين دائما ما نجيد اضاعة اوقاتنا في ما لايفيد ونتميز بتفكير سطحي يجسده ابو الطيب في قوله :
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم *** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟
وبينما انا في هذه الحاله اذا بي أرى احد الصغار الباعة امامي وهو يحمل عشرات الكتب فلفت انتباهي كتاب بعنوان "الاعمال الكاملة للشاعر احمد مطر " فسالته عن سعره فأجب انه بـ80 وكعادتي في مصر اقسم المبلغ على 2 فقلت له 40 فوافق مباشرة مما جعلني اندم على هذه القسمه واتمنى لو كنت قسمة المبلغ على 3 لكن سبق السيف العذال .
فتناولت كتاب احمد مطر ذلك الشاعر الجميل الذي اتقن الوصف واجاد السبك وصنع من شعر التفعيلة روائع ومن لافتاته بدائع وفرحت كثيرا ان العمر امهلني حتى اشتري ديواناً لاحمد مطر وارى دواوينه مجموعة في كتاب بياع في ازقة خان الخليلي ولولا ذلك الديوان لكنت رضيت من الغنيمة بالاياب في زيارة لذلك المقهى .
لكني حينما تصفحت الكتاب صدمت بما يحتويه من قص ولزق قام به سارق محترف (وما اكثر السرقة والسارقين في عصرنا) !! وطبع بعض ما في الشبكة العنكبويته عن احمد مطر من لقاءات وكتابات وابيات وبشكل غير مرتب وبأخطاء فظيعه ليضعها بكل وقاحة في كتاب يدعي انه اعمال احمد مطر الكاملة !! ويجني من وراءه مئات الالف !! بينما يرقد احمد مطر على فراشه مريضاً فقيراً محترق القلب متحشرج الصدر قد انهكته السلطات والالام وصار الكثيرون يبيعون باسمه ويشترون باسمه وهو لا ناقة له في ذلك ولا جمل !! ولانه عربي ظل صامتا يحترق على فراشه فهو يعلم جيداً ان العربي لا حقوق له !!
كان الله في عونك يامطر .