المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

 
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 19/09/2010, 07:19 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
الفارس الذي خلّدته قصيدته !

(( بســم الله الرحــمن الرحيــم ))



الفارس الذي خلّدته قصيدته !


لم يكن أبدأً يتصور أن تكون نهايته على هذه الشاكلة ، فعرف حينها أن الأقدار بيد الله سبحانه
وأنها تحتجب بسُتر و لا تنكشف إلا له ...

لم يكن شاعراً في يومٍ من الأيام و لا أخاله فكّر في ذلك فما كان يملك الوقت الكافي للتأمل ، بل كان فارساً شُجاعاً مُهاباً لا أعزّ عليه من امتطاءِ صهوةِ الجواد و لا أحبّ له من مرافقة الأسنّة و الرماح ! ولكن لشدة ما نزل به من البلاء هاجَ فؤاده و تردّدت أنفاسه فنطق لسانه شعراً صوّر به ما اختلجت به نفسه و جاشت بها قريحته ...

ما قال الشعرَ في حبيبةٍ يُكاشفها سرّ الهوى و ما فعل به الوجد كما جرت عادة الشعراءِ في عصره ، و لا قاله ليمدح به ذا منصبٍ مرموق فينالُ مكافأةً ضخمة بالكذبِ و البُهتان و لا قاله ليهجو به من ناصبه العداء فيضع فيه ما ليس فيه ، كلا ! و إنما قاله ليرثي نفسه رثاءً يخلّده التاريخ به و يذكره به ...

ذلكم هو مالك بن الريب المازني التميمي ...

الرجل الذي كان رغم شجاعته و بسالته من أشهراللصوص و قُطّاع الطرق في القرن الأول الهجري أي أنه باصطلاح وقتنا الحاضر يُعتبر إرهابياً على رأس قائمة المطلوبين !
و في أحد الأيام و بينما هو غارقٌ يُفكّر في أمره و شأنه رأى أن شجاعته و بسالته لا ينبغي لها أن تُهدر و تُذّل في مواطنِ الصعلكة ، و سرقة أموال الناس و سلب أرزاقهم بغير الحق ،
و شعر أنها جديرةٌ بمواطنِ العزّ و الكرامة ، في ساحاتِ الوغى ، و في قتالِ الأعداء و الجهاد في سبيل الله ...
( و كم في الأمّة من طاقات لو تحقق لها بعض التوجيه السليم لأفادت و استفادت ) .

فأعلن التوبة و الرجوع عمّا مضى منه و سلف ، و حسُنت سيرته بين الناس ، فلبّى نداء
سعيد بن عثمان بن عفّان _ رضي الله عنهما _ و الي خُراسان في ذلك الوقت للخروج للجهاد في سبيل الله
وصحبه في غزوته ، و أبلى بلاءً حسناً ، و بينما كان الجيش يستريح في الطريق لسعته أفعى أو عقرب فجرى السُمّ في جسده
وأصابته الحمّى الشديدة فأحس بقُرب أجله و دنوّ الموت من رأسه و ضاقت عليه دنياه إذ لن يتمكن من مواصلة القتال في معارك أُخر ...

وأخذت تتراءى أمام عينيه صورٌ شتّى تذكّره بأرضِه و دياره و أهله ففاضت نفسه بقصيدةٍ مدادها الدموع من أجمل
ِالمراثي في الأدبِ العربي ، تعرف من أول قراءةٍ لها أنها صدرت من رجلٍ عربيّ لما فيها من معاني
العزّة والأنفةِ والشموخ ...

ولئن بكى الشعراءُ و استبكوا على أطلالهم و مراتع صباهم و القفار التي كانت شاهدةً على قصص غرامهم ، فلقد بكى مالكٌ و استبكى و هوعلى حافة قبره مُقبل على الآخرة و مدبر عن الدنيا ...
و لئن قال الشعراءُ قصائدهم وهم يتأملون فيما بقي لهم من حياتهم فلقد قال مالكٌ قصيدته و هو مُشرف على الموتِ لا أمل له في الحياة ، لذلك كانت صادقة و أقرب إلى القلب لأنها جاءت من رحمِ المعاناة ،
فما نطقَ اللسانُ و لكن الفؤاد نطق ...

* * * *

يبدأ أبياته في تذكر نبتة الغضا التي تكثر في الجزيرة العربية و يتمنى أن يبيت عندها و لو لليلة واحدة ، لأنها تُذكره بدياره و أرضه
و لكن سرعان ما يتراجع عندما يتذكر بُعد المسافة و طول الطريق فيقول :

ألا ليتَ شِعـري هـل أبيتنَّ ليلةً ... بجنـب الغضَـى أُزجـي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه ... و ليت الغضى ماشى الرِّكـاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى ... مزارٌ و لكـنَّ الغضى ليس دانيـا


و ثم يُبيّن كيف أنه تاب من الضلالة و تبع الهدى :

ألم ترَنـي بِعـتُ الضلالةَ بالهـدى ... و أصبحتُ في جيش ابن عـفّانَ غازيـا
و أصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما ... أرانيَ عـن أرض الآعـاديّ قاصِيـا
دعاني الهوى من أهل ودّي وصُحبتي ... بـذي الطِّبَّسَيْن فالتفـتُّ ورائيـا
أجبتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ ... تقنَّـعـتُ منهـا أن أُلامَ ردائـيـا
أقول و قد حالتْ قُرى الكُـردِ بيننا ... جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا
إنِ اللهُ يُرجعني مـن الغـزو لا أُرى ... و إن قلَّ مالي طالِبـاً ما ورائيـا


ثم يتذكر فراق ابنته و أهله و كيف أن الله قدّر له أن يأتي إلى خراسان بعدما كان بعيداً عنها
وتمنّى لو أن أباه و أمه نهياه عن الذهاب فيقول :

تقول ابنتيْ لمّا رأت طـولَ رحلتي ... سِفـارُكَ هـذا تاركـي لا أبـا ليـا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي ... لقــد كنتُ عن بابَـي خراسـان نائيـا
فللهِ دّرِّي يــوم أتـركُ طائـعـــاً ... بَنـيّ بأعلـى الـرَّقمتَيـنِ و مالـيـا
و درُّ الظبَّـاء السـانـحـات عشـيـةً ... يُخَبّـرنَ أنّـي هـالـك مَـنْ ورائيـا
و درُّ كبيـريَّ اللـذيـن كلاهـمـا ... عَلـيَّ شـفيـقٌ ناصح لـو نَهانيـا


ثم يجنح به الخيال إلى تفقد من يبكي عليه بعد موته فيقول أنه لن يبكيه أحد أكثر من سيفه و رمحه و خيله
وهنا يفتخر شاعرنا بشجاعته حتّى و هو مقبل على الموت :

تذكّـرتُ مَنْ يبكـي علـيَّ فلـم أجـدْ ... سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
و أشقرَ خنذيذ يجـــــرُّ عِنانـه ... إلـى الماء لم يترك لـه المـوتُ ساقيـا


و يمضي في قصيدته ليقول لأصحابه ما يفعلونه به بعد موته فيقول إذا فاضت روحي جهزوني بالسدر والأكفان
واحفروا بالسيوف قبري و ادفنوني فإني الآن سأنقاد لكم و ما كنت قبل هذا اليوم أُقاد بسهولة !

ولمّـــا تراءتْ عند مَروٍ منيتي ... وحــلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفــعوني فـإنّه ... يَقَرُّ بعــينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنــا الموتُ فانزِلا ... برابيةٍ إنّــي مقــيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعـــضَ ليلةٍ ... ولا تُعجلاني قد تَبيَّن ما بيـا
وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيِّئا ... لِيَ السِّدْرَ والأكفانَ ثم ابكيا ليا
وخُطَّا بأطراف الأسنّة مضجَعي ... ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما ... من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثـــوبي إليكما ... فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِياديا


ثم يشرع في ذكر فضائله و حاله في الحياة فيقول أنه خاض المعارك و اقتحم أماكن الخطر و أنه كان سريع الإستجابة للحرب و شديد الصبر على مكارهها فهو دائماً متوثب الهمّة
لا يهابُ الموتَ و أنه كان يُكرم الضيف و يتوّرع عن شتم قرابته و جيرانه فيقول :

وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ ... سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى ... ثقيلاً على الأعداء عضباً لسانيا
وقد كنت محموداً لدى الزاد و القِرى ... وعن شَتْم ابنَ العَمِّ وَالجارِ وانيا
فَطَوْراً تَراني في ظِلالٍ ونَعْمَةٍ ... وطـوْراً تراني والعِتاقُ رِكابيا
ويوما تراني في رحى مُستديرةٍ ... تُخـرِّقُ أطرافُ الرِّماح ثيابيا


ألم أقل أنك تشعر و أنت تقرأها بنفـَسِ الرجل العربيّ ؟!
ثم يوصي أصحابه بعدم نسيان الأيام التي جمعته معهم بعد ما يتقادم عليه العهد و تبلى عظامه :


ولا تَنْسَيا عهدي خليليَّ بعد ما ... تَقَطَّعُ أوصالي وتَبلى عِظاميا
ولن يَعدَمَ الوالُونَ بَثَّا يُصيبهم ... ولن يَعدم الميراثُ مِنّي المواليا

ثم يقوم بذكر الحقيقة التي نغفل أو نتغافل عنها جميها فيُجيب أصحابَه أنه لا يوجد شيء في الدنيا أبعد من
الموت و لقد صدق والله في قوله فأين المُعتبر ؟!


يقولون: لا تَبْعَدْ وهم يَدْفِنونني ... وأينَ مكانُ البُعدِ إلامَكانيا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي على غدٍ ... إذا أدْلجُوا عنّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ ... لغيري، وكان المالُ بالأمس ماليا
فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الرَّحا ... رحا الحرب أوأمستْ بفلجٍ كما هيا


ثم يمضي و يوصي صاحبه بأن يخبرقومه بمنيّته و أن لا لقاء بعد اليوم مع الأحبّة و ترقّ عاطفته على أمه و زوجته و ابنتيه فيقول لصاحبه ألاّ يأتي إليهم بناقته فإنهم إن رأوها
فلن تقف أعينهم عن الدمعِ و سيبكون بكاءً تنفطرُ منه الأكباد :

ويا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ مالكٍ ... كما كنتُ لو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إذا مُتُّ فاعتادي القبورَ وسلِّمي ... على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقه ... تُراباً كلونِ القسطلانيَّ هابيا
رَهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تَضَمَّنتْ ... قرارتُها منّي العِظامَ البَواليا
فيا صاحبا إما عرضتَ فبلِغاً ... بني مازن والرَّيب أن لا تلاقيا
و بلّغ أخي عمران بردي و مئزري ...و بلّغ عجوزي اليوم أن لا تدانيا
و سلّم على شيخيّ مني كليهما ... و بلّغ كثيراً و ابن عمي و خاليا
وعطّل قَلوصي في الرِّكاب فإنها .... سَتُبرد أكباداً وتُبكي بواكيا


ثم يختم بذكر دياره و أهله مرة أخرى و لاحظ أنه كنّى عن زوجته بقوله و " باكية أخرى " لشدة الغيرة
عند العرب على محارمهم فما بال أقوام اليوم لا تتحرك فيهم الغيرة أم هم غير محسبوبين علينا كعرب و مسلمين ؟!! فيقول :

اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى ... به من عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمل منّا نسوة لو شَهِدْنَني ... بَكينَ وفَدَّين الطبيبَ المُداويا
فمنهنّ أمي وابنتايَ وخالتي ... وباكيةٌ أخرى تَهيجُ البواكيا
وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ ... ذميماً ولا ودّعتُ بالرمل قالِيا


* * * *

هذه هي قصة هذا الفارس و هذه بعض أبيات قصيدته المشهورة أوردتها لتستجمّ بها النفس و ليستروح بها القلب و لنستخلص منها العِبر و أختم بما ذكره الشيخ علي الطنطاوي
في مقالةٍ عن له عن مالك بن الريب قال :

" لقد مات مع مالك في تلك السفرة آلاف وآلاف، ولا يزال الناس قبله وبعد يموتون، فينساهم ذووهم، ويسلوهم أهلوهم، وهذا الشاعرجعلكم تذكرونه، وتبكونه بعد ألف وثلاثمئة سنة،
وأنتم لا تعرفونه وهذه هي عظمة الشعر، وهذا هو خلود الشاعر
" .


اضافة رد مع اقتباس
   

 


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 01:15 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube