تُجّار الأزمات: «غرّق الغرقان أكثر»
 

تُجّار الأزمات: «غرّق الغرقان أكثر»
قبل عدة أشهر نشطت أمانات المدن بالتعاون مع الجهات الأمنية التنفيذية في تعقب أصحاب الملصقات الإعلانية الذين ملؤوا أجهزة الصرف الآلي وأعمدة إشارات المرور والكهرباء وواجهات المحال بإعلاناتهم عن «خدمة» السداد المبكر للقروض، وإعادة تمويل «العميل» بقرض أكبر يغطي القرض السابق وعمولة الوسيط، ويوفر فائضا بسيطا يوجهه المقترض لسد حاجة ملحة، كانت هي الدافع الأول له لخوض غمار هذه المعمعة!


فرحنا كثيرا لهذه الخطوة التي قامت بها أمانات المدن الكبرى، لكن الفرحة لم تطل، فأصحاب الملصقات نقلوا ملصقاتهم إلى الصحف التي احتضنتهم وأفردت لهم صفحاتها، فكان الأمر بمثابة الصدمة لكثير من المتابعين! معنى هذا أن اعتراض الأمانات لم يكن على النشاط، فقط على طريقة التسويق!


أغلب المعلنين لا يملكون ترخيصا ولا مقرا ولا أي شيء يثبت نظامية نشاطهم، وكل ما لديهم رقم هاتف جوال، وعشرات الآلاف من الريالات، وإنجاز عدة عمليات في الشهر كفيل بمضاعفة رأس المال!
الغريب أن معظم المعلنين يقدمون «الخدمة» لعملاء بنك واحد، وهذا يعني «تواطؤ» البنك وإقراره لهذه الممارسات، لأنه في نهاية الأمر هو الرابح الأكبر من تدوير هذه الأموال الضخمة التي فشل في إيجاد قنوات استثمارية نظامية تستوعبها، فلجأ لهذه الحيلة الرخيصة، التي لو أراد لحولها لنشاط رسمي نظامي، لكن هذا سيقلص هامش الربح الكبير، لأن مجرد إيحاء البنك للعميل عن طريق الوسيط أن هذه العملية ليست نظامية وتحمل الكثير من المخاطرة للوسيط «الغلبان» يجعل العميل، الغلبان فعلا، يقبل بأي أرباح تحمل عليه!


طالما أن الأمر تفشى بهذه «المَرَضية» فلماذا لا تتحرك الجهات المعنية لتنقله إلى الضوء، وتنظمه، وتجعله نشاطا تجاريا مرخصا، بدلا من هذه الممارسات التي تمارس في الظل بما لها من تبعات على المستهلك الخاسر الأكبر والأوحد!


مؤسسة النقد ضيقت على المستهلك بخفض سقف التمويل، وهو قرار بلا مبرر، بعد أن كان مرتفعا جدا وبلا مبرر أيضا إبان طفرة الأسهم، لكنها لم توجد البديل، تاركة الميدان بكل رحابة لـ«تجار الأزمات»، ليستفردوا بالمستهلك، يتقاذفونه بينهم ولسان حالهم: «غرق الغرقان أكثر»!