. . بسم الله الرحمن الرحيم
تذكرة صعود :
خبرتوا حدٍ يبكي على واحد يبكّيه
................. وخبرتوا حدٍ مسجون ما يبغي فراجه
إيه أحبّه ولو أبغضته على شيء يسويه
................. ولازالت أرقاب الرجاء فيه من عاجه
عسى منزلٍ ضمّه غيوم الوسم تسقيه
................. وتضحك له الدنيا ويضحك له حجاجه
فقد خاطري شيء من الضيقه مسلّيه
................. وغدت روحي من الناس و الليل هجاجه
أروح لمكان خابره كان ياتيه
................. أسوق القدم صوبه وهي مالها حاجة
هذه تجربة في الأمور الإجتماعية الفكرية لكم غنمها و عليّ غرمها ..
الوداع مفردة تضرب بجذورها في أعماق الإنسان أينما كان حسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة و الظروف المحيطة و المصاحبة , ولذلك فلا يكاد يخلو أحدنـا من أن يعيش "
دراما " الوداع , مع اختلاف في الدوافع و الأسباب , لذلك فإن محطات الوداع كثيرة في حياته , وهو وداع إيجابيّ إن رأينا وعرفنا فوائد الوداع .
رغم الحالات و المشاعر الإنسانية المختلفة وبالأحرى المتعددة التي تكتنف الوداع من قِبل الأطراف المتشاركة فيه , فمن مهرجان الدموع عند البعض و الإحساس بالفرح العارم و النشوة عند البعض الآخر , فيما تختلج المشاعر المعقدة التي لايمكن وصفها بين الأمل و الحيرة و الأمل و التردد عند الآخرين ..
كل ذلك يسوق إلى سيمفونيّة متكاملة من الأحاسيس الإنسانية الواضحة وغير الواضحة البسيطة و المعقدة .
ولكن الوداع يرتبط في حالات أخرى بالامل المتعدد الجذور ؛ لعودة أجمل و أروع , فكان هذا الوداع المرتبط بالرحيل يؤسس لثقافة فاعلة و هامّة تعتمد على مفردات الإنتظار لما يجيء , لذلك يفرخ الأمل أمنيات إيجابية تتلو ذلك الإنتظار وهي العودة و الظفر و الربح وتحقيق الذات أو الطموح و المجد وكل هذا وغيره يعود بالفائدة و الفرح على صاحبه وعلى من هم في انتظاره .
وعلى مر تاريخ الحب و أهل العشق يظل تغليب جانب الأمل هو الغالب , فرغم الحسرة و الألم , والدموع المصاحبة للوداع إلا أنهم يصبرون و يعزون أنفسهم بالعودة مهما ابتعد موعدها و طالت مسافاتها فكان لسان حالهم يقول
( إنّا إليكم راجعون .. فانتظرونا ! )
والراحل الموادع ينطلق من أماكن عدة , من الموانئ الحقيقية التي تفتح بواباتها للراحلين , إلى عيون الحبيبة وهو يغادرها , إلى صدر الأم الحنون وهو يفارقه , إلى تعرجات الزمن على وجه و كفيّ الأب كدلالات تاريخية لن تغيب عن عينيه , إلى تلك الليالي المشتعلة بالحب و التقدير و ضحك الأصدقاء و تعليقات الزملاء .. كل ذلك و أكثر ستغيب عنه ولكنه ربما يحتضرها في البال و الذاكرة و يحملها معه وقوداً ديناميكياً أصيلاً يعتمد عليه في رحلته ريثما يعود إلى كل ذلك ..
و الموانئ التي تودّعك ربما هي ذاتها ستستقبلك فاتحة أذرعها لعناقك و صدورها لاحتضانك وفناراتها لارشادك ..
ولكن يظل هناك فئة من الناس لا يحبون لحظات الوداع و يتهربون منها لعدم القدرة على المواجهة وتحمل النتائج المعنوبة عنها ..
وقد نكون نحن
الراحلين رغم عدم انتقالنا من المكان الذي نعيش فيه إما رحيلاً روحياً لعدم القدرة على التعايش مع الآخرين أو العزلة الفردية للسبب ذاته ..
ولكن الرحيل الأكثر و الأعمق تأثيراً
- حتى لو كان سلبياً - هو الرحيل الإجباري لسبب أو لآخر من الناحية العاطفية و النفسية و الإجتماعية ..
ومهما أسهبنا و فصلنا الحديث حول الرحيل و الوداع فإنه يظل حلاً جذرياً و حيوياً عندما تغلق الطرق , أو نبحث عن تغيير ما للأفضل و الأجمل بعيداً عن ضغوطات الماضي و تأثيراته السلبية .
أخيراً :
اسمحوا لي أن أقول مجازاً أنه يسعدنـا ذلك الرحيل الشهي و البهي إلى عوامل الطفولة و عيني الحبيبة , وعالمها الشفاف اللذيذ و مناطق العشق و السعادة التي تحتفل بالذوات ليتحد الزمان و المكان لتسهيل الأمور و تهيئتها بشكل لآئق , من متكأ الروح و ستائر المحبة إلى وسائد الأمل و عطور التواصل و لهفات العناق بين المحبين .
أسأل الله أن يجمعنـا بمن نحب , ويجمعني وإياكم في دار كرامته و مستقر رحمته ..
بطاقة هبوط :
يا عينْ لا تبْكي ترى الدمْعْ قتّالْ
............ مالي على كتْمانها عنْك حيلهْ
دمْع الفراق اللّي على الخدْ ينهالْ
............ ما ظنّ بعْد اليومْ أقْدرْ أشيلهْ
ذكْرى الفراقْ اللّي على القلْبْ زلْزالْ
............ يضْربْ خفوقي لينْ ما هدّ حيلهْ
.. عبدالعزيز ..
. .