الفقه الرباعي ! الفقه الرباعي ! ذات لقاء ؛ قال لي قامة من قمم الفكر المعاصر : يا عبدَالله ؛ أنت عاطفي ومتشائم ، وعندما تكبر ستفهم وتتغير نظرتك للحياة ! . وحيث أني أعرفه وأعرف عقله وفكره ؛ علمتُ أنّ وصفه لي لم يكن وليد موقفٍ عابر ، أو نتيجة لحديثٍ خاطر ، فبدأت أفتش في زوايا نفس، وأقلب في خبايا عقلي ، هل أنا فعلاً كذلك ؟! ، وإن كنت كذلك : فلِمَ ؟! وكيف ؟! ومنذ متى ؟! وإن لم أكُ كذلك ، فلماذا قال ذلك ؟! أسئلة ثارت في وسط عقلٍ بسيطٍ متجددٍ ! ، ومذ ذاك ؛ وأنا أميل للتأمل أكثر من القراءة فقط ، إذ كنت سابقاً أقرأ أي شيء ، في كل شيء ، دون هدف أو وعي أو هدى ، فتكونت عندي ثقافة جيدة ، لكنها لاتقوم على أساس متين ؛ من فقه للواقع والنفس والحياة والدين ! وها أنا ذا أحبر ما تفضلت به عليّ جلساتُ التأمل ، وهي وإن كانت وليدة عقل ليس كبيراً ، ونتاج تجربة لإنسانٍ قد يكون صغيراً ، ولكن قد يجد أحد ما بين ركام هذه الكلمات بقعة ضوء ! ، تقوده إلى الخروج من نفق قد يكون مظلماً ، فبسم الله أبدأ ، وبسم الله أحيا ، وبسم الله أقول : لكي يعيش المرء عيشة هنية سليمة مفعمة بكل فلاح ونماء ، وكل إيجابية وعطاء ؛ فلا بد له من فقه وفهم لأمور أربع : منها ثلاث لها خطوط عريضة يشترك فيها كل أحد ، وهي الحياة ، والنفس ، والدين ، وأما الرابعة : فهي الواقع وهو وليد بيئة تختصها ظروف العصر والمصر ! أول هذه الأربع هو فقه الحياة : ولفقهها لا بد أن تعرف أن أس الحياة وأساسها الألم ، ويحيط بها من جميع جوانبها التعب والكبد ، وتبث في نفوس ساكنيها - من أجل لعاعة فيها- الغل والحسد! ، فهي دار ابتلاء لا بقاء ، ودور الابتلاء عادة مطبوعة على الأكدار ، والكدر يتفاوت بتفاوت أهله وظرفه وما قدره الله لصاحبه ! ، والحياة : مرحلة سفر وممر ، لا مكان إقامة ومقر ، فعلى المسافر أن يتحمل وعثاء السفر ، ومكابد الطريق ، ليبلغ وجهته ، ويحقق البغية من رحلته ! ، والحياة : فيها من كل شيء أشياء ، بها ستعرف نعيم ولذة الجنة – أسكنك الله الفردوس الأعلى منها- إذ لولا ما تذوقه هنا من عناء ، لما عرفت هنالك لذة الهناء ! فبضدها تتبين الأشياء ! ، والحياة : مجبولة على الصراع ؛ صراع مع نفسك ، وصراع مع من حولك ، وصراع مع ظروفك وبيئتك ، وصراع مع أعداءك ، وصراع حقك مع باطلك ، فافقه طرفي الصراع وطبيعته ، وأعد لكل ميدان عدته ! أما ثاني هذه الأربع فهو فقه النفس : فاعلم أن النفس البشرية بمنزلة الحيوان المفترس بل أشد ، فالأسود الضارية كلما روضتها تروضت وانقادت لك مع مرور الوقت ؛ بينما النفس كلما روضتها تروضت ساعة وتفلتت ساعات ، فالتعامل معها يحتاج إلى مزيد عناية وجهد وحزم ! ، والنفس : كالطفل ولكنها خبيثة ، تأتي إلى الشيء النقي الصافي فتتعمد تلويثه ، فهي كطفلة طبعت على الخديعة والمراوغة والمكر ، تحتاج إلى من يسوسها بكل عزيمة وقوة وصبر ! ، واعلم أن النفس : أشد تقلباً من الطقس ، وتتخبط أحياناً كمن يتخبطه الشيطان من المس ، فحقيقتها ضرب من التناقض والتضاد والعبث والجنون ، ولإحكام قبضتك عليها لا بد لك من علوم وفنون ! ، واعلم أن النفس : كقفل محكم ليس له إلا مفتاح واحد ، مفتاح لا يقبل النسخ ، فمن ضيعه فقد ضيع نفسه ونفيسه ، ومن ملكه فقد آنس قلبه وجليسه ، وكل ما على الإنسان هو أن يبحث عن مفتاحه الثمين ، ثم يضعه في مكان قصي أمين ! ، كي لا يعبث به تصرف الأيام ، أوتقلب من حوله من الأنام ! أما ثالث هذه الأمور فهو فقه الواقع : وواقعنا واقع معقد كتعقد طفل يصبح ويمسي على التقريع واللوم ، ومتشابك كتشابك شعر من لتوه قام من النوم ، كلما تعرفتَ عليه اكتشفتَ أنه غريب ، وكلما تفقهتَ فيه علمتَ أنه عجيب ، وكلما فحصتَه تأكدتَ أنه مريب ! ، فالواقع : صعب ومرير ، ومرارته من مرارة معاصريه ، فكلما ازدادوا سوءاً ، ازداد كرماً في توزيع حصص الألم ، فالواقع كثيراً ما تتغير فيه النعم إلى نقم ، وقليلاً ما تتحول فيه النقم إلى نعم ، في تبادل مدهش وتنوع مذهل ! ، والواقع كتاب مفتوح لك لتقرأه ، ولكن لا بد لك من أن تجيد لغة التأمل والإيحاء ، وملكة المتابعة والإصغاء ، ومن قرأه بعمق علم ، ومن قلب صفحاته بدقة فهم ؛ أنه في أي لحظة من لحظاته قد يأتي دوره فيمتحن ! ، والواقع : كوجه امرأة قبيحة ، فحين تعلوه الأصباغ تسكنه النظرات ، وحين تراه بدونها تغلفك الحسرات ، جمال مؤقت لكنه مطلوب ، به وبالأنس والسعادة تتغذى القلوب ، ومع أنه يحل فترة مؤقتة تنتهي بالعبور ، إلا أن البحث يتجدد عن فترة أخرى تبث البهجة والسرور ! وأما رابع الأربعة ، فهو أهم كلامٍ أقوله فاسمعه ، لبه الفقه في الدين ، وخلاصته الهدف من خلق العالمين ، فالإسلام : دين عظيم ، والفقه فيه -بحق- عزيز ، فيه من العلوم المذهلة الحمل الكثير ، وفيه من المعاني السامية الشيء الغزير ، للفقه فيه لذة مختلفة وفريدة ، ولكنها من قبيل اللذة العنيدة ، لا يتيسر مهرها لكل طالب ، ولا يدر ضرعها لكل حالب ! ، فالدين : محيط يحتضن بأمان كل غواص داخل ، ولكن الكثير من أهله قنعوا بأن يكونوا على الساحل ، يظن بعضهم أنه قد عب منه وعلم ، وهو في الحقيقة حقاً ما فهم ؛ غير ظواهر بعض الآي وجوامع الكلم ، فتقول حين تسمع بعض حديثه : ألا ليته سكت فسلم ! ، والدين يحتاجه كلك ، جسمك وعقلك وقلبك وروحك وفكرك ومالك ووقتك وحياتك ، كلك لتأخذ بعضاً من عطره ؛ تزيل به شيئاً من درنك ودرن نفسك ، لتصبح أريجاً ينشر عبقه أينما حل وارتحل ! ، والدين : أعمق من كتاب نقرؤه ، وأثرى من درس نحضره ، وأكبر من كلام بشر في لقاء نسمعه ، وأكثر من مجرد واجب عبادي نفعله ، الدين : حياة لقلبك ، وموجه لعقلك ، وأنيس لروحك ، و ضابط لفكرك ، وانشراح لصدرك ، واطمئنان لفؤادك ، واستقرار لجنانك ، وسمو لنفسك! ، فالدين : تديين نفسك لرب العالمين ! والحديث عن هذه الأمور الأربع : قد يستغرق مني ساعاتٌ لو أردتَ ، ومقالاتٌ كثيراتٌ لو رغبتَ ، ولكن حسبي أن أشير إلى الخطوط المهمة العريضة ، فالحديث عنها في كتب التأمل والتدبر والتفكر مستفيضة ، ومن سار متفقهاً فيها وهو في سيره متوازي ، فقد نال حظه من الغنيمة وإن لم يك من أهل المغازي ، ولكن هذا ما جاد به العقل من الإعداد ، وما سمح به الزمان والمكان من الإيراد ، فلك غنمه وعليّ غرمه ، إن كنت ترى فيه شيئاً قد يعد غنيمة ! مع تمنياتي لك بفقه رباعي متين ! |
لك مثل ما تمنيت أيها الأديب .. إقتباس:
صدقت ورب الكعبة .. اللهم اجعل النوايا خالصةً لوجهك الكريم .. تحية طيبة .. :rose: .. |
حديث نتمى ان لاينتهي ..سلمت على ماكتبت ووفقك الله :smilie47::rose: |
إقتباس:
|
إقتباس:
|
لماذا نكرر دائما ان الحياة دار بلاء ! وننسى انها ايضا دار زينة وطيبات أحل لنا التمتع بها ! ولماذا نعذب انفسنا بلومها على الذنب ! وننسى جوانب الخير فيها التي تستحق منا أكرامها ! ولماذا نتذكر دائما ان الواقع مؤلم ! وننسى دائما ان هنالك من يتمنى ان يتاح له فرصة ان يعيش الألم الذي نعيشه لأنه يعيش في واقع أكثر إيلاما ! قال تعالى : ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) أجدت في ذكر ذلك يا أخي الكريم فعلينا ان لا ننسى في القوة والضعف والخير والحاجة والسعادة والألم .. ان الغاية من وجودنا العبادة .. فعلينا ان نجتهد في حسنها ونسأل الكريم قبولها يعطيك العافية يا غالي أخي الكريم : أديب أهله يعطيك العافية وجزاك الله خير |
جميلٌ هو طرحك , واسترسالك بالحديث فقه الحياة والنفس والواقع والدين , كل جزء ابلغ واحكم من الذي قبل اخي الكريم , اسأل الله ان يعيننا على تفقه هذي الحياه من جميع اوجُهها بارك الله بعمرك , وزادك من فضله :rose: |
أخي أديب.. أنت فعلا أديب وأي أديب..!! محاورك الأربع بكل صدق وروية قد جمعت فيها الدنيا والدين بكلام مختصر منمق جميل متين.. نسأل الله أن يرزقني وإياكم فقه هذه الأربع.. أسلوبك ساحر.. وإحساسك إحساس شاعر.. وقلمك قلم شاطر.. وأنا أقرظأ كلامك تذكرت الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله..ولا أدري لماذا تذكرته هو بالذات..؟!! جميل ماسطرته.. والدنيا كما يقول الطنطاوي : دار التاناقضات.. ..سيناتور هلالي.. |
** أهلاً أخي عبد الله ,, الحياة ، والنفس ، والدين , و الواقع أعاننا الله على فقها ثم العمل بما فقهنا , جزاك الله خيراً على ما طرحت . ** |
أهلاً بالأديـب،، لم تجعل لي بمحاورك مايجعلني ازيد بها او اناقشها معك وان اردت لن أجد . ماكتبت بنظري كان هو الصواب فلا لنا حاجه بزيادةً او نقصان فعسى الله ان يرزقنا الفقه الرباعي المتين ويجعلنا من المتعلمين والعاملين به. ألف شكر |
إقتباس:
ثانياً : لم أنس ما ذكرت ولكن لعلك لو تابعت بقية السلسلة -سأكتب مقالة عن كل فقه - ستجد إشارة إلى ذلك - إن أذن ربي لي - ثالثاً : شكراً لك :rose: |
إقتباس:
|
إقتباس:
|
إقتباس:
|
إقتباس:
|
الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 12:37 PM. |
Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd