27/08/2002, 02:22 PM
|
زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 11/01/2002
مشاركات: 792
| |
دراسة ترصد إنجازات و سلبيات الانتفاضة و المقاومة في 20 شهراً المقاومة الفلسطينية حقّقت إنجازات
و تأثيرات غير مسبوقة على جبهات الأعداء و الأصدقاء
غــزة – خاص :
دعت دراسة هي الأولى من نوعها في مجال بحث ظاهرة المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى إلى تطوير الأداء المقاوم - المسلح و الأمني - على نحو يحقق في آن واحد استنزاف قوى الاحتلال و زعزعتها و اختراق صفوف العدو و حماية الذات المقاومة ، و إيجاد معادلة من "توازن الرعب" توفر الحماية الحقيقية الذاتية للشعب الفلسطيني .
و اعتبرت الدراسة التي أعدها مركز باحث للدراسات في بيروت بمناسبة مرور أكثر من عشرين شهراً على الانتفاضة أن استمرار الانتفاضة و المقاومة بهذا الزخم و القوة رغم الإرهاب الصهيوني إنجاز كبير . و شدّدت على أن الانتفاضة و المقاومة حقّقت إنجازات و تأثيرات غير مسبوقة سواء على جبهة الأعداء أو على جبهة الأصدقاء غير أنها كشفَت عن نقاط ضعف كثيرة ، ربما كان أخطرها استمرار غياب قيادة موحدة ذات برنامج عمل مرحلي موحد بأفق استراتيجي .
و استعرضت الدراسة جملة من الإنجازات في مقدمتها نجاح المقاومة في الاستمرارية طيلة هذه الفترة ، على الرغم من البطش الصهيوني الوحشي و اختلال ميزان القوى لمصلحة العدو ، و التعقيدات الذاتية و الموضوعية المعروفة مشيرة إلى التأثيرات المادية المباشرة و غير المباشرة في العدو الصهيوني سيما في مجال الاقتصاد ، الهجرة المعاكسة ، و فرار المستوطنين من المستعمرات و كذلك التأثيرات المعنوية التي لحقت بجيش الاحتلال و المجموعات اليهودية من حيث زعزعة الأمن الشخصي و العام ، و أدت إلى تآكل قدرة الجيش على الردع ، فضلاً عن إصابة المجموعات اليهودية بأعراض نفسية مختلفة ، مثل عارض "العجز المكتسب" .
و تطرقت الدراسة كذلك إلى بعض الظواهر السلبية التي رافقت الانتفاضة الفلسطينية ، و في هذا الإطار انتقدت غياب قيادة (سياسية و / أو ميدانية) موحَّدة فعلية ، ذات خطة واحدة و متفق عليها ، الأمر الذي عزّزه واقع الانفصال الجغرافي و إجراءات الإغلاق و الحصار الاحتلالية معتبرة أن الانتفاضة أدت إلى انتشار ظاهرة التسيب الأمني ، و تفاقم خطر العملاء إضافة إلى الفشل في ضبط إيقاع العمليات الاستشهادية على نحو يحقّق هدفها المنشود في تحقيق توازن الرعب (نقد هذه العمليات ، لا من حيث المبدأ ، بل من حيث تواترها و توقيت بعضها ، و عدم ربطها بأفق سياسي محدّد ، و كأنها مجرد ثارات شخصية) . كما انتقدت استمرار بعض المظاهر "الاستعراضية" السلبية المرافقة للعمل العسكري كالعلنية ، إطلاق النار في الهواء .
و اعتبر الباحث عايد الذي أعد الدراسة أن أداء السلطة الفلسطينية ظلّ في المحصِّلة العامة يتأرجح بين حدّين : حدّ محاولة استثمار الانتفاضة و المقاومة في اللعبة التفاوضية ، و ما ترتب على ذلك من علاقات تنسيق أمنيّ مع العدو الأميركي – الصهيوني ، و من تصدٍّ فعليّ للمقاومين قامت به أجهزة السلطة الأمنية ، و حدّ غض النظر التكتيكي عن بعض فاعليات الانتفاضة / المقاومة موضحاً أنه و في التناقض الذي كان يبرز بين شرعيتيْ السلطة و المقاومة ، كانت السلطة حريصة على تأكيد "شرعيتها" هي على حساب شرعية الانتفاضة / المقاومة و تمثل ذلك في إدانة العمليات الاستشهادية ، و اعتقال الأبطال منفّذي حكم الإعدام بالعنصري المتطرف رحبعام زئفي- كأبرز مثلين .
و أكدت أن الأكثرية الساحقة من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية ( نحو 40 ألف عنصر) بقيت خارج ساحة المواجهة و بالتالي ذهبت هدراً دماء عدد كبير منهم ، من دون توجيهات واضحة و من دون أن يطلقوا رصاصة واحدة .
و أشارت الدراسة بمرارة إلى تمكن قوات الاحتلال خلال عملية "السور الواقي" من مصادرة ما لا يقل عن 5000 قطعة سلاح معظمها بنادق و مسدسات ، و بعض قواذف و قذائف آر.بي.جي. و بنادق قناصة منوهة إلى أن معظم هذه الأسلحة صودرت من مخازن السلطة الفلسطينية التي ظلت ترفض كافة الدعوات لتوزيع الأسلحة على الجماهير للدفاع عن نفسها .
و وفقاً للدراسة فإن السلطة لم توفر أدنى مقومات الدفاع عن مناطقها ، على الرغم من مرور فترة طويلة من المواجهات . و كان اجتياح رام الله "عاصمة السلطة" خلال ساعات معدودة ، ما يبعث على أكثر من الريبة خصوصا بالمقارنة مع الصمود البطولي في مخيم جنين في ما بعد .
و ظلّ سرطان الفساد بكافة أشكاله المالية و السياسية و الأمنية ، مستشرياً في جسم السلطة . و لم تلقَ الدعوات المتكررة للقضاء عليه أية آذان صاغية ، بل تفاقم مع مرور الوقت . هذا مع العلم أن الفساد نتاج منطقي لاتفاق أوسلو و ملحقاته ، و أنه ظهير طبيعي للاحتلال الصهيوني ، لا يمكن إنهاء أحدهما إلا بإنهاء الآخر .
الشارع العربي و التضامن العالمي :
و تطرقت الدراسة إلى حركة الشارع العربي ، و قالت : "تحرك الشارع العربي بالملايين ، من المحيط إلى الخليج ، ربما كما لم يفعل من قبل . و تنوعت التحركات على نحو فريد : التظاهرة ، الاعتصام ، مقاطعة المصالح الأميركية ، التبرعات ، التعبئة الإعلامية (خاصة التلفزيونية) ، محاولات اختراق الحدود مع فلسطين المحتلة و إيصال السلاح إليها .. الخ . و انضمت باقة من الشهداء العرب الذين سقطوا برصاص عربي إلى موكب الانتفاضة إلا أنه و على الرغم من اتساع هذه التحركات و تنوعها ، فإنها ظلت حركة "شارع" فعلا ، محكومة بالعفوية و التقطع و ردات الفعل و غياب التنسيق ، و لم تتطور باتجاه حركة شعبية منظمة ببرنامج ذي أهداف و وسائل محددة . علماً أن مثل هذه الحركة الشعبية هي ما يمكن أن يجسد "العمق العربي" الذي تحتاجه الانتفاضة / المقاومة أشد الحاجة .
أما بالنسبة إلى التضامن العالمي ، فقد برزت أهميته و اتخذت بداياته أكثر من شكل : إعادة طرح القضية الفلسطينية في أكثر من منتدى شعبي عالمي جديد (مؤتمر دوربان لمناهضة العنصرية ، المنتدى الاجتماعي العالمي .. الخ) ؛ تظاهرات التأييد للشعب الفلسطيني التي عمّت أوروبا و أميركا ؛ "الحملة الدولية الشعبية لحماية الشعب الفلسطيني" ؛ الزيارات التضامنية التي قامت بها شخصيات مرموقة من عدد من دول العالم . و لكن هنا أيضا ، لم ترْقَ حركة التضامن إلى المستوى المطلوب بوصفه تضامناً مع حركة وطنية ضد احتلال استعماري عنصري . كما لم تنشأ الرابطة العضوية الضرورية بين الحركة الفلسطينية و حركات مناهضة العولمة الرأسمالية المتوحشة . و تتحمل الحركة الفلسطينية قسطها في ذلك ، من خلال عدم القيام بالجهد الكافي لإدراج قضية مقاومة الاحتلال الصهيوني في جدول أعمال تلك الحركات ، و الربط بين هذه القضية و سائر القضايا التي تناضل من أجلها حركات الاحتجاج العالمية .
الأداء الإعلامي و الثقافي :
و قالت الدراسة إن الوسائل الإعلامية العربية ، لا سيما الفضائيات قامت بدور واضح في انتهار / استنفار "الشارع" العربي و تحريكه . و إلى حد أقل ، قام الاتصال بواسطة شبكة الإنترنت بدور في حشد شريحة معينة محدودة تيسر لها الاتصال بهذه الواسطة ، إنْ عبر البريد الإلكتروني أو عبر مختلف مواقع الإنترنت . و ساهم الهاتف الخليوي (النقال) في بعض الأحيان في تسهيل الاتصال بهدف تنظيم تحركات محدودة تضامناً مع الانتفاضة (في الأردن مثلا خلال نيسان 2002) . و حاول عدد من المثقفين المقاومين استخدام وسائل الإعلام و الاتصال هذه من أجل إيصال أصواتهم المبحوحة إلى "الشارع" و إلى بعض نخبة المثقفين . لكن الفضائيات باستثناءات محدودة جداً سرعان ما حوّلت فعل الانتفاضة / المقاومة إلى مشهد "آكشن" و إلى فقرة محشورة بين فقرات أخرى من الإعلانات و برامج التسلية (عروض أزياء ، قراءة أبراج الحظ .. الخ) . و بدلاً من برامج الحوار الجادة المعمَّقة ، طغى نوع من الـ " توك شو" يتسم بالتعليقات الصحافية السطحية لآخر المستجدات الإخبارية . و تهافتت محطات التلفزة على استضافة معلّقين عاديين و إداريين في مؤسسات بحثية استساغوا أن ينقلبوا فجأة إلى "باحثين" و محللين و خبراء ، و الأهم من ذلك كله إلى "نجوم" . أما في شبكة الإنترنت ، هذا الأوتوستراد ما فوق الفضائي لتدفق المعلومات في العالم ، فقد ثبت أن النيات الحسنة وحدها غير قادرة أن تقود سياراتنا البطيئة و المرتبكة وسط كل هذا الزحام . مثلاً ، كانت رسالة إلكترونية أو أكثر تأتي إلى عنوان على الشبكة ، يكون قد أرسلها من قبل إلى العناوين المرسِلة ، بل ربما يكون هو نفسه مصدر هذه الرسالة ! و كم من حملة أُطلِقت (ضد شارون ، ضد التطبيع ، ضد العولمة ، مع المقاطعة .. الخ) ظن أصحابها أن مجرد إطلاقها في الشبكة كفاهم شر القتال .
بلورة برنامج عمل مرحلي :
و رأت الدراسة أن ثمة حاجة ملحة إلى استنباط خطة عمل من أجل استمرار الانتفاضة / المقاومة ، و تطويرها . و تقوم هذه الخطة على أساس استكانة الوضع القائم على الأرض حالياً ، من دون التخلي عن الثوابت الأساسية للقضية الفلسطينية و الصراع العربي – الصهيوني ، كما تقوم على أساس استلهام التجارب النضالية الغنية للشعب العربي الفلسطيني (بما فيها انتفاضته الأولى سنة 1987) و تجربة المقاومة اللبنانية الوطنية و الإسلامية للاحتلال الصهيوني ، و تجارب المقاومة المنتصرة في الوطن العربي و في العالم بأسره . و ذلك طبعاً مع الوعي الكامل بأن التجارب الكفاحية للشعوب ، مهما عظمت ، تظل غير قابلة للنسخ أو الاستنساخ ، و أن الوضع العياني الملموس لكل تجربة على حدة ، هو الذي يرسم في نهاية المطاف الإطار الملائم لخطة العمل و تكتيكات المقاومة الناجعة .
و يقدّم الباحث نقاطاً أساسية يمكن لمثل هذا البرنامج أن يتضمنها فعلى المستوى السياسي دعت الدراسة إلى إقامة جبهة مقاومة متحدة فعلاً ، ذات قيادة سياسية و / أو عسكرية واحدة و برنامج نضالي واحد ، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف العملانية الاستثنائية التعقيد . و تعزيز السعي لإيجاد إجماع شعبي على هدف الانتفاضة / المقاومة المباشر ، باعتباره : دحر جيش الاحتلال و مستوطنيه إلى خطوط 4 حزيران / يونيو 1967 ، من دون قيد أو شرط ، مع التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، و على رأسها حق العودة و تقرير المصير .
و أكدت الدراسة ضرورة استمرار السعي لتكريس شرعية الانتفاضة / المقاومة ، باعتبارها شكلاً من أشكال مقاومة الاحتلال التي تقرّها القوانين و المواثيق الدولية ، حتى إزالة الاحتلال الصهيوني و آثاره . و على هذا الأساس ، يجب رفض أية مطالبة بـ "خفض مستوى العنف" الفلسطيني أو وقفه ، تحت أي ظرف من الظروف و بأية ذريعة من الذرائع صون الانتفاضة / المقاومة من الخطر الذي يحدق بها باستمرار ، متمثلاً في المناورات و الألاعيب السياسية و الدبلوماسية الهادفة إلى احتوائها سلمياً بعد اعتراف قادة الكيان الصهيوني و جنرالاته بفشل آلتهم العسكرية الوحشية في إخمادها بالقوة . و يشتمل هذا الخطر على اللقاءات و الحوارات و الاتصالات و المؤتمرات السرية منها و العلنية و المحاولات المحمومة لإعادة ما يسمى "التنسيق الأمني" بين الأجهزة الأمنية لكل من سلطة الحكم الذاتي ، الكيان الصهيوني و الإمبريالية الأميركية ، أو الحديث المتجدد عن مؤتمر دولي و "إصلاح" في السلطة الفلسطينية ، و عن رؤيا أميركية - صهيونية لـ "الدولة الفلسطينية" .
و على المستوى العسكري - الأمني دعت إلى التوجه كلياً نحو العمل المقاوم السري ، بشروطه العامة و الخاصة . و لم يعد بالإمكان الرهان على إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، بما يحررها من إرث أوسلو البغيض و يؤهله .
و قالت الدراسة إنه و في ضوء تجربة الشهور العشرين الأخيرة ، لا يمكن لرهان حركة الانتفاضة / المقاومة أن يتعدّى تجنيد أفراد فقط في الأجهزة الأمنية في صفوفها ، لا الأجهزة نفسها مشددة على تأكيد التكامل الطبيعي و جدلية العلاقة بين طابع الانتفاضة الجماهيري (مسيرات ، إضرابات ، جنائز ، مواجهات..) و المقاومة المسلحة ضد جيش الكيان الصهيوني و مستوطنيه ، باعتبار النشاطيْن الجماهيري و المسلح جناحيْ حركة المقاومة الواحدة ، و فضح أية محاولة لافتعال التناقض بينهما . و السعي للحصول على ، أو تصنيع ، بعض الأسلحة الضرورية في المواجهات و التي يبدو من التجربة أنها شبه نادرة ، مثل القواذف المضادة للدبابات .
و اعتبرت إن توفر مثل هذه الأسلحة ، و لو بكمية محدودة ، من شأنه الحد من قدرة الدبابات الصهيونية على قصف و اجتياح المناطق الفلسطينية ، التي يجب تحويلها إلى مناطق محرّرة فعلاً و تعميم طرائق صناعة المتفجرات الشعبية و العمل على جعلها في متناول الجميع مع إحداث قفزة نوعية في المجال الاستخباراتي – الأمني ، على صعيدي الوعيْ و العمل ، نظراً لما لهذا المجال من أهمية استثنائية في تداخله و تكامله مع العمل المسلح ، و نظرا لحجم الاختراقات القائمة التي حقّقها العدو في هذا المجال في ظروف فلسطين المحتلة (احتلال طويل ، التنسيق الأمني مع الأجهزة الفلسطينية ، إلخ) . و قد نجح العدو ، من خلال هذه الاختراقات ، في خطف أو اغتيال عشرات الكوادر المقاومة ، و في إحباط العديد من العمليات العسكرية . و تشكل شبكة العملاء ظاهرة خطرة ، و إن لم تكن نادرة في تاريخ حركات المقاومة ، يجب التعاطي معها بأقصى درجات الحيطة و الحذر و الوعي و الحزم بتحديد "الخواصر الرخوة" للمستعمرات و المستعمرين و توجيه أقصى الضربات إليها . فلئن كانت المستعمرات ثكنات عسكرية محصنة ، فإن رصاص القنص يمكن أن يطال شوارعها و شرفاتها ، و حتى غرف النوم فيها . و لئن كان المستوطنون جنوداً مسلحين في ثياب مدنية ، غالباً ما يتنقلون في باصات مصفحة ، فإن الطرق الالتفافية التي شقّها الاحتلال بهدف توفير الحماية لهم في تنقلهم الإجباري إلى أماكن العمل و الدراسة و غيرها ، يمكن أن تنقلب إلى مصائد موت لهم تضطرهم إلى الاختيار بين العيش تحت الحصار أو الرحيل . كما أن خطوط المياه و الكهرباء التي تغذّي المستعمرات تقع هي أيضاً ضمن الخواصر الرخوة لتلك المستعمرات .
توازن الرعب :
و أضافت : "يظل إيجاد معادلة لـ "توازن الرعب" بين المنتفضين / المقاومين و المحتلين بنداً دائماً في رأس جدول أعمال الانتفاضة / المقاومة" . و في سياق تجربة الانتفاضة / المقاومة نفسها ، يبدو أن العمليات الاستشهادية قد تكون المدخل لإيجاد مثل هذه المعادلة شريطة أن يتم تنفيذها وفق المفهوم العسكري المعروف باسم "اقتصاد القوة" ، أي أن يتم ضبط تواترها و توقيتها و أن تكون جزءاً من رؤيا سياسية تربط استمرار العمليات باستمرار الاحتلال و وقفها مع إزالته . و مع ذلك ، يجب ألا يصرف النظر عن البحث عن مداخل أخرى ، مستلهمين تجربة المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني في هذا المجال . فيما يظل كذلك إيجاد "القاعدة الخلفية الآمنة" بنداً آخر دائماً على جدول الأعمال ، لما توفره مثل هذه القاعدة من عمق جغرافي ضروري لأعمال التخطيط و التدريب و الإعداد و التموين و التخزين . و هذه الأعمال جميعاً تكسب أهمية استثنائية في الحالة الفلسطينية بخصوصياتها المعروفة . و لعل الاستعاضة عن هذه القاعدة الآمنة ، جزئياً و مؤقتاً ، في الحالة الفلسطينية تكون برزمة من القواعد غير الآمنة القائمة حالياً : مناطق "أ" في الضفة و القطاع ، و الأراضي العربية المحاذية لفلسطين (مع الإدراك المسبق للعوائق الرسمية الجدية التي تحول دون ذلك) . و ضرورة تنويع الأهداف العدوة المعرضة للضرب ، و خصوصا بأن يضاف إليها الأهداف الاقتصادية و مرافق البنية التحتية الأساسية من محطات كهرباء و مياه و هواتف و جسور .. إلخ ، لما لضرب هذه الأهداف و المرافق من آثار مباشرة و بعيدة المدى في أمن الكيان الصهيوني و استقراره ، و في اضطرار هذا الكيان إلى تشتيت قواه العسكرية لحماية كل مصنع و محطة كهرباء و جسر و غيرها من النقاط المتناثرة . و قد يكون من بين أهم هذه الأهداف ، إن لم يكن أهمها على الإطلاق ، منطقة "عيمك هامغدال" ، التي هي مركز الصناعات الإلكترونية المتقدمة ، و هي عماد الصناعات الصهيونية .
اجتماعيا و اقتصاديا :
و على المستوى الحياتي (الاقتصادي - الاجتماعي) دعت الدراسة إلى إيجاد نمط حياة مقاوم في مختلف شؤون المجتمع اليومية ، ينطلق من واقع الانتفاضة / المقاومة بتشعباته ليرتقي بأدائها و يضمن استمرارها و تطورها . و قد قدمت الانتفاضة الأولى نموذجاً متقدماً في هذا المجال ، يمكن استلهامه و تطويره بما يتوافق مع الوضع الملموس القائم على الأرض ، و يشمل ذلك العمل على إيجاد اقتصاد مقاوم ينطلق من الاعتماد على الذات و تقليص التبعية للاقتصاد الصهيوني إلى أقصى حد ممكن (إنتاج منزلي و تعاوني ، الحد من الاستهلاك الاستعراضي و الترفي .. إلخ) ، و العمل على بناء مجتمع للانتفاضة و المقاومة ، يقوم على أساس أنماط جديدة للسلوك الاجتماعي (التكافل الاجتماعي و روح التضامن الثوريان القائمان على غير قاعدة العلاقات التقليدية ، و على حساب العصبيات العائلية و التنظيمية و العشائرية و المناطقية) . مع بناء مؤسسات انتفاضية مقاومة شعبية ديموقراطية تشمل جميع مناحي الحياة ، و تطوير تجربة "اللجان الشعبية" و غيرها من الهيئات التي ولّدتها الانتفاضة السابقة إضافة إلى تعميم ثقافة الانتفاضة و المقاومة بشتى الوسائل ، لا سيما من خلال إدخال مثل هذه الثقافة في البرامج التعليمية للمدارس الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية.
إعلامياً :
و على المستوى الإعلامي طالبت الدراسة بإبراز صورة الفلسطيني المقاوم ، إلى جانب صورة الفلسطيني الضحية ، مع تحديد قطاعات "الرأي العام العالمي" و اليهودي التي يتوجه الخطاب الإعلامي إليها ، و إدراك محدودية التأثير في مثل هذا الرأي العام . و يترتب على ذلك إبراز البطولات التي يجترحها المنتفضون / المقاومون من مختلف الأعمار في المواجهات الجماهيرية و العمليات المسلحة ضد الاحتلال و إبراز الخسائر البشرية في صفوف قوات الاحتلال و مستوطنيه من دون مبالغة فيها ، و إبراز الخسائر الاقتصادية التي تلحق بالعدو من دون مبالغة . و في المقابل ، من دون المبالغة في الخسائر الاقتصادية الفلسطينية لأسباب تتعلق باستجداء الدعم المالي .
و كذلك التركيز على الوسائل و الأساليب العنصرية و الوحشية و التكنولوجيا الأميركية و الذخائر المحرّمة دولياً التي يستخدمها الاحتلال في مواجهة المنتفضين / المقاومين و الاستفادة مما توفّره تكنولوجيا الاتصالات و المعلومات الحديثة (خصوصا الإنترنت) في المعركة الإعلامية مع العدو . و التوجه بالخطاب الإعلامي إلى القطاعات الحيّة من الأحزاب و هيئات المجتمع الأهلي الدولية ، على غرار الهيئات التي نظمت التحركات الكبرى المعادية للرأسمالية المتوحشة ، في سياتل و براغ و جنوي و بورتو أليغري و غيرها ، و كذلك التجنيد الإعلامي للجاليات الفلسطينية و العربية في المهاجر .
عرب 48 :
و على مستوى مشاركة فلسطينيي الـ 48 و الشتات و "الشارع" العربي اعتبرت الدراسة إن نقطة الانطلاق هي وجود قضية ذات أبعاد متراكبة وطنية ، و قومية و طبقية و دينية و إنسانية ، و هي قضية واحدة لا تتجزأ ، و إنْ تفاوت التأكيد على بعض أهداف النضال من أجلها بين مرحلة و أخرى ، و بين ساحة و أخرى . و هكذا ، فإن مثل هذه الأهداف ، كما الوسائل المتبعة لتحقيقها ، إنما تجمع بين خصوصيات الزمان و المكان و عموميات النضال و ثوابته . و بالانتقال إلى التحديد ، فإن المواجهة الناجعة مع الاحتلال الصهيوني تتطلب الدمج المبدع بين المهمات التي يطرحها وضعهم الخاص في إطار الكيان الصهيوني ، و ارتباطهم بالأهداف العامة لنضال شعبهم و أمتهم . لقد اتضح للعيان فساد الدعوات إلى الاندماج و المساواة في كيان عنصري - يستحيل أن يكون دولة لجميع مواطنيها - الأمر الذي تأكد مرارا ًو تكراراً خلال أكثر من خمسين عاماً ، و ما تأكد بصورة فاقعة خلال الأسبوع الأول من الانتفاضة ، و انخراط فلسطينيي الـ 48 فيها ، و نوع ردة الفعل الصهيونية على ذلك . فيما الحد الأدنى لسقف مطالب عرب الـ48 هو الحق في تأكيد هويتهم و انتمائهم إلى شعبهم و أمتهم ، مع ما يرافق ذلك من ممارسات التضامن و الدعم ، و الحق في مطالبتهم بحكم ذاتي متكامل يتجاوز البعد الثقافي إلى البعد الاقتصادي ، طموحاً إلى البعد السياسي ، إذ لم يعد كافياً المطالبة بمؤسسات ثقافية عربية (جامعة ، مدارس ، و إذاعة .. الخ) ، بل آن الأوان أيضا لبناء مؤسسات إقتصادية بالتنسيق و التكامل مع مؤسسات شبيهة في الضفة و القطاع ، لا سيما في مجالات الأغذية و الملابس و الأحذية و ما شابه ذلك من مجالات تتوفر فيها الإمكانات الحقيقية للتنسيق و التكامل . كما يجب استمرار العمل على إقامة "برلمان" خاص بفلسطينيي الـ 48 .
و بالنسبة إلى فلسطينيي الشتات لا سيما في البلدان العربية المحاذية لفلسطين فعليهم الدمج المبدع بين أربعة مستويات متداخلة من التحرك منها التحرك من أجل الأهداف التي يفرضها وضعهم الخاص : التضامن مع أشقائهم في الانتفاضة ، و دعمهم لها بشتى الوسائل، العمل من أجل حق العودة ، و رفض مؤامرات التوطين أو التعويض ، العمل على تحسين شروطهم المعيشية بانتظار العودة و بما يساعد على وأد مؤامرات التوطين و التشريد و التهجير .
وكذلك الانخراط في جميع أنشطة التضامن و الدعم مع الانتفاضة / المقاومة في كل مناطق وجودهم مع المساهمة مع أشقائهم العرب ، و مع رفاقهم من غير العرب ، في النضالات التي يخوضونها من أجل تحويل مجتمعاتهم بصورة ثورية، بما فيه المصلحة المشتركة و إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية و ديموقراطية ، معادية لنهج التسوية .
وخلصت الدراسة إلى أنه و بكلام آخر : على أساس أنها حركة تحرر وطني كما انطلقت في الأساس . و بالنسبة إلى "الشارع" العربي: هنا ، أيضاً ، لا يقتصر الأمر على مجرد التضامن مع الانتفاضة / المقاومة ، بل يتعدى ذلك نحو إثارة القضايا الداخلية التي يثيرها وجود الانتفاضة حكماً . وهذه قضايا تبدأ بالمطالبة بإطلاق الحريات الديموقراطية في سبيل التضامن و الدعم ، وصولاً إلى المطالبة بإقامة اقتصاد مقاوم و درجات معينة من الوحدة العربية يستلزمها التضامن مع الانتفاضة و دعمها . أي ، باختصار ، اعتبار مسألة التضامن مع الانتفاضة مدخلاً و ذريعة لتغيير المجتمعات العربية القائمة . و بالإجمال ، تُطرح على الشارع العربي في هذا السياق جملة من المهمات : مثل تقديم كافة أشكال الدعم المادي و المعنوي للانتفاضة / المقاومة . و العمل على قطع جميع العلاقات مع الكيان الصهيوني و استهداف السفارات و المصالح الأميركية في المنطقة، ومقاطعة ما يمكن مقاطعته من بضائع و مصالح أميركية ، مع اعتبار هذه المقاطعة شرطاً من شروط التنمية الداخلية المستدامة . و استلهام نموذج الانتفاضة في تغيير الواقع العربي ، بدءاً بالعمل على إطلاق حرية التعبير عن دعم الانتفاضة ، وصولا إلى سائر الحريات الديمقراطية و المبادرات الشعبية و تبني مشروع لـ "توأمة الانتفاضة" (توأمة المدن و القرى و المخيمات ، و الاتحادات و النقابات و النوادي و الهيئات الأهلية .. الخ في فلسطين مع مثيلاتها في الوطن العربي) . |