قصة اسبوع كامل .. بلا انترنت
منذ دخول شبكة الانترنت إلى المملكة قبل ما يقارب من أربعة أعوام وأنا على تواصل خيالي وعلاقة ود بيني وبين الجهاز ربما لا تشابهها أي علاقة ( اجتماعية ) أخرى ، أقول كما يردد - الناس - بأنني وصلت إلى مرحلة الأدمان ( إن صحت التسمية ) .. وهو إدمان لذيذ وممتع .. ومرحباً بالإدمان إذا كانت هذه هي عواقبه .
بالطبع لأي أمر هناك مضاره السلبية .. والتواصل مع الشبكة له سلبياته التي لا تخفى علي أحد .. لذلك دائماً ما أردد بيني وبين نفسي بوجوب وضع مرحلة علاج بشكل تدريجي حتى أعيد ( مؤشر ) حياتي إلى مرحلته المتعادة ، لذلك كنت انتهز فرصة انتهاء اشتراكي بالشبكة أو بصراحة أكثر أنتهز في بعض الأحيان فصل خط الهاتف
بانتظار أكثر حتى لا أقترب من النت .. ولكني للأسف الشديد لا أصمد طويلاً .. بل وربما لا أستطيع أن أصمد حتى ولو لساعات محدودة .
كنت أبحث عن أي مناسبة تبعدني عن الارتباط بالانترنت .. مناسبة عزاء ..أو زاوج .. لا يهم .. المهم هو الإبتعاد عن النت .. رغم أنني عاصرت تلك المناسبتين في المنزل خلال الثمانية أشهر الماضية .. إلا أنها لم تبعدني سوى يوم أو يومين فقط .
مع مرور " السنين " وتوالي الأيام كنت أبحث عن الحدث الذي يبعدني عن الشبكة .. وللأسف لم يتحقق وتحول الموضوع إلى أمنية .. عندها أحسست بأن الموضوع كما نردد بالعامية " طلع من يدي " !!
ياساتر .. إلى هذا الحد وصل الأمر بأن أبحث عن أي طريقة للابتعاد عن الانترنت !! فكرت بأن أقدم جائزة لنفسي في حال ابتعادي عن النت .. الأدمان وصل مبلغه عندما ابتعدت عن الانترنت يومين متتاليين .. عندها قررت أن أمنح نفسي جائزة ... وكانت .. بطاقة اشتراك انترنت مفتوح .
أخيراً وجدت الفرج .. حصلت على إجازة لمدة اسبوعين خلال هذا الشهر .. هذه أعظم وأفضل فرصة للابتعاد عن الشبكة .. سافرت إلى خارج المملكة .. وعند دخولي إلى الفندق وجدت أجهزة الكمبيوتر موزعة في " اللوبي " والانترنت " على قفا من يشيل " رغم ذلك .. أصررت على عدم النظر في تلك الأجهزة ومحاولة الخروج والدخول من البوابة الخلفية .
مضى يوم .. يومان .. ما أجمل العيش دون " انترنت " ، بل أصبحت أردد - دون اقتناع بالطبع - يابخت من يعيش من دون انترنت إلى هذه الدرجة ينعمون بالراحة وطول الوقت وسعة البال والفراغ .. بصراحة أحسست بأن العيش دون انترنت يجعل من اليوم الذي يدوم لـ24 ساعة فقط وكأنه قد تحول إلى 48 ساعة !
في اليوم الثالث تشجعت ودخلت إلى الفندق من البوابة الرئيسية ووقفت أتأمل " الانترنتيين " أمامي وكيف تحولوا إلى إجساد إلكترونية لا تعي ما يدور خلفها .. فقط كل التركيز على الشاشة ..رثيت لحالهم .. ورثيت لحالي كذلك ..
اليوم الرابع أحسست بشعور سلبي تجاه الانترنت لدرجة أني قلت لصديقي سأعيرك جهازي عند عودتنا للرياض لكي تتعلم طرق التعامل مع الحاسب بكل سهولة .. لم يكن عرضي هذا حباً لزميلي ورغبة مني في محاولة تعليمه بقدر ما كان مخطط لإبعاد الجهاز من غرفتي بشكل تدريجي .. صديقي كان أذكى و " أفهم " مني عندما رد على العرض بقوله " محاولتك لإدخالي مراحل الإدمان .. فاشلة " ! بل وأضاف بطريقته المحببة " يابن الحلال زين اني أشيك على ايميلي " !
عاودني الحنين إلى الدخول في المتاهات الالكترونية نهار اليوم الخامس لأن الانقطاع المفاجئ بهذا الشكل لن يأتي بأي نتيجة إيجابية .. حاولت اختلاس النظر إلى شاشات الانترنت في مقهى الفندق .. هذا " يشيك " على بريده الالكتروني في موقع " هوتميل " ، يا إلهي يبدو أن الإعلانات أغرقت بريدي خلال الخمسة أيام الماضية .. لا يهم ، والثاني يقرأ جريدة الرياض .. والثالث يتصفح موقع الزعيم .. يبدو أن ربعنا " مالين " الفندق بأكلمه ! ، لحظات تردد .. هل أستولي على أحد الأجهزة وأبدأ بالتصفح .. لا ..لا تبدو فكرة جيدة .. أقول لنفسي وأردد .. أنت في اجازة الآن .. ابتعد عن " وجع الراس " .
اليوم السادس مر سريعاً .. لا أدري لماذا ولكن ربما لارتباطي مع صديقي منذ ساعات الصباح الأولى للتمتع برحلة بحرية لم يترك لي أي فرصة للتفكير في نتائج المقاطعة " الانترنتية " ، ولكن طيف الصفحات الالكترونية مر في ذهني أكثر من مرة .. أحسست بأن العلاقة تطورت من علاقة إدمان .. لتصل إلى مرحلة العشق والهيام ..، ماذا سأفعل غداً .. قلت ذلك لصديقي .. يجب أن احتفل بالمناسبة .. غد سيمر اسبوع كامل دون أن تمس يدي أزرار لوحة المفاتيح ... يجب أن تكون احتفالية من نوع خاص يكون ختامها زيارة مقهى الفندق والدخول إلى الشبكة ، وفعلاً تم ذلك في اليوم السابع وكان صديقي فرحاً وهو يتناول الوجبة الفاخرة .. المسكين كان فرحاً لاعتقاده بأنه استطاع مساعدتي في الابتعاد عن النت ، أنا كنت فرحاً كذلك ولكن ليس لاني استطعت الابتعاد طوال اسبوع .. بل لأنني سأعود إلى معشوقتي .. شبكة الانترنت ، ليكون الفراق الأول في حياتي ... والأخــــيــــر .