#1  
قديم 24/08/2009, 12:21 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة القصص (6)

‏52ـ55‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ‏}‏

يذكر تعالى عظمة القرآن وصدقه وحقه، وأن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه ويؤمنون به ويقرون بأنه الحق، ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ‏}‏ وهم أهل التوراة، والإنجيل، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا ‏{‏هُمْ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بهذا القرآن ومن جاء به ‏{‏يُؤْمِنُونَ‏}‏
‏{‏وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ‏}‏ استمعوا له وأذعنوا و ‏{‏قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا‏}‏ لموافقته ما جاءت به الرسل، ومطابقته لما ذكر في الكتب، واشتماله على الأخبار الصادقة، والأوامر والنواهي الموافقة، لغاية الحكمة‏.‏
وهؤلاء الذين تفيد شهادتهم، وينفع قولهم، لأنهم لا يقولون ما يقولون إلا عن علم وبصيرة، لأنهم أهل الصنف وأهل الكتب، وغيرهم لا يدل ردهم ومعارضتهم للحق على شبهة، فضلا عن الحجة، لأنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل معاند للحق‏.‏
قال تعالي‏:‏ ‏{‏قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا‏}‏ الآيات‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ‏}‏ فلذلك ثبتنا على ما مَنَّ اللّه به علينا من الإيمان، فصدقنا بهذا القرآن، آمنا بالكتاب الأول والكتاب الآخر، وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب، إيمانه بالكتاب الأول‏.‏
‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ الذين آمنوا بالكتابين ‏{‏يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ‏}‏ أجرا على الإيمان الأول، وأجرا على الإيمان الثاني، ‏{‏بِمَا صَبَرُوا‏}‏ على الإيمان، وثبتوا على العمل، فلم تزعزعهم عن ذلك شبهة، ولا ثناهم عن الإيمان رياسة ولا شهوة‏.‏
و من خصالهم الفاضلة، التي من آثار إيمانهم الصحيح، أنهم ‏{‏وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ‏}‏ أي‏:‏ دأبهم وطريقتهم الإحسان لكل أحد، حتى للمسيء إليهم بالقول والفعل، يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم، وأنه لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم‏.‏
‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ‏}‏ من جاهل خاطبهم به، ‏{‏قَالُوا‏}‏ مقالة عباد الرحمن أولي الألباب‏:‏ ‏{‏لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ‏}‏ أي‏:‏ كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء‏.‏ ولزم من ذلك، أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه‏.‏
‏{‏سَلَامٌ عَلَيْكُمْ‏}‏ أي لا تسمعون منا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم، فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه، ‏{‏لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ‏}‏ من كل وجه‏.‏
‏[‏56‏]‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏

يخبر تعالى أنك يا محمد ـ وغيرك من باب أولى ـ لا تقدر على هداية أحد، ولو كان من أحب الناس إليك، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق، وخلق الإيمان في القلب، وإنما ذلك بيد اللّه سبحانه تعالى، يهدي من يشاء، وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله‏.‏
وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ فتلك هداية البيان والإرشاد، فالرسول يبين الصراط المستقيم، ويرغب فيه، ويبذل جهده في سلوك الخلق له، وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان، ويوفقهم بالفعل، فحاشا وكلا‏.‏
ولهذا، لو كان قادرا عليها، لهدى من وصل إليه إحسانه، ونصره ومنعه من قومه، عمه أبا طالب، ولكنه أوصل إليه من الإحسان بالدعوة للدين والنصح التام، ما هو أعظم مما فعله معه عمه، ولكن الهداية بيد اللّه تعالى‏.‏
‏[‏57ـ59‏]‏ ‏{‏وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ‏}‏
يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة، يقولون للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا‏}‏ بالقتل والأسر ونهب الأموال، فإن الناس قد عادوك وخالفوك، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم، ولم يكن لنا بهم طاقة‏.‏
وهذا الكلام منهم، يدل على سوء الظن باللّه تعالى، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، بل يمكن الناس من أهل دينه، فيسومونهم سوء العذاب، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق‏.‏
قال اللّه مبينا لهم حالة هم بها دون الناس وأن اللّه اختصهم بها، فقال‏:‏ ‏{‏أَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا‏}‏ أي‏:‏ أولم نجعلهم متمكنين ‏[‏ممكنين‏}‏ في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون، قد احترمه البعيد والقريب، فلا يهاج أهله، ولا ينتقصون بقليل ‏[‏ولا كثير‏}‏‏.‏
والحال أن كل ما حولهم من الأماكن، قد حف بها الخوف من كل جانب، وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين، فَلْيَحْمَدُوا ربهم على هذا الأمن التام، الذي ليس فيه غيرهم، وعلى الرزق الكثير، الذي يجيء إليهم من كل مكان، من الثمرات والأطعمة والبضائع، ما به يرتزقون ويتوسعون‏.‏ ولْيَتَّبِعُوا هذا الرسول الكريم، ليتم لهم الأمن والرغد‏.‏
وإياهم وتكذيبه، والبطر بنعمة الله، فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا، وبعد عزهم ذلا، وبعد غناهم فقرا، ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم، فقال‏:‏
‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا‏}‏ أي‏:‏ فخرت بها، وألهتها، واشتغلت بها عن الإيمان بالرسل، فأهلكهم اللّه، وأزال عنهم النعمة، وأحل بهم النقمة‏.‏ ‏{‏فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ لتوالي الهلاك والتلف عليهم، وإيحاشها من بعدهم‏.‏
‏{‏وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ‏}‏ للعباد، نميتهم، ثم يرجع إلينا جميع ما متعناهم به من النعم، ثم نعيدهم إلينا، فنجازيهم بأعمالهم‏.‏
ومن حكمته ورحمته أن لا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم، بإرسال الرسل إليهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى‏}‏ أي‏:‏ بكفرهم وظلمهم ‏{‏حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا‏}‏ أي‏:‏ في القرية والمدينة التي إليها يرجعون، ونحوها يترددون، وكل ما حولها ينتجعها، ولا تخفى عليه أخبارها‏.‏
‏{‏رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا‏}‏ الدالة على صحة ما جاء به، وصدق ما دعاهم إليه، فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم، بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة، والأطراف النائية، فإن ذلك مظنة الخفاء والجفاء، والمدن الأمهات مظنة الظهور والانتشار، وفي الغالب أنهم أقل جفاء من غيرهم‏.‏

‏{‏وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ‏}‏ بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة‏.‏ والحاصل‏:‏ أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه، وإقامة الحجة عليه‏.‏


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24/08/2009, 04:48 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الآنســــه زعيمة~
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 30/08/2008
المكان: بآحضـآآآن غيمة~
مشاركات: 1,201
جزاك الله خيــر..ونفع بك

.......
اضافة رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25/08/2009, 03:33 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 12/09/2004
المكان: الرياض ولو جوّها قآسي ..
مشاركات: 4,446
الله يثيبك أخوي , داوم على مواضيع التفسير

وجعله الله في موازين حسناتك

.
.
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 12:24 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube