رأس الديك والليبراليون

يحكى أن رجلاً أعمى البصر, رأى لحظة من عمره, فأبصر رأس ديكٍ, فأصبح هذا المنظر مقياسه وميزانه للأشياء, فكان يقول لكل شيء يسأل عنه, أين هو من رأس الديك ؟!

ولعل هذه الحكاية تذلف بنا إلى حال أولئك الأعراب, الذين تفجرت عليهم الأرض بترولاً, وتفتحت عليهم الدنيا من كل جانبٍ, وتغيريت مظاهرهم ومبانيهم, ثم ضربوا في مشارق الأرض ومغاربها, يبحثون عن التنمية والتقدم.
هبطت بهم طائراتهم في أرض الروم, وما أن رأوا بنات بني الأصفر, حتى فتنوا بهنَّ, وصرفت أبصارهم تجاههنّ, وذهبت طموحات التنمية على أعتاب المطارات, ومراتع الحانات, ومابين كأس وغانية تموت القيم, وتنحر معاني السمو, وماكانوا عليه من خلق وفضل, شربوا من الخمور حتى تضلعوا, وكأنَّها ماء زمزم.

مضت بهم الأيام والسنوات, وهم يتوافدون على تلك البلاد, دون أن يزورا مصنعاً أو داراً للبحوث, أو حتى يطلعوا على أسس التمنية الحقيقة, وأنَّا لهم ذلك وهم في غيهم سامدون.

فكروا وقدروا, ثم خرجوا بأن أسس التنمية هي في السفور وشرب الخمور, وأن كل شيء يعيق هذين الأمرين هو من التخلف والجهل, سواء كان من الدين أم من العادات والتقاليد, فعادوا إلى الجزيرة وجاسوا خلالها, وصعدوا منابرها الإعلامية, وسيطروا على مراكز القيادة فيها, ونفثوا في روع الأمَّة بأنَّ دينها هو سبب تأخرها, وأنَّها تعيش ظلاماً وجهلاً منذ قرون, جلبوا على عامة النَّاس بخيلهم ورجلهم, وخلقوا بينهم جدلاً واسعاً حول أسباب التقدم, فمن النَّاس من رد قولهم ورفضه, ومنهم من تشربه وركب قطاره.

جعلوا سب الدين بطريقة غير مباشرة أهم ركائزهم, فتارة يتحدثون عن خطأ في تصرف عالمٍ, وتارة الحديث عن تشدد المؤسسات الدينية وتجاوزاتها, وتارة عن خطر الجميعات الخيرية, وتارة عن كبت المرأة وظلمها من القبيلة والعادات والتقاليد .

ومن عجائب فعلهم أنهم ما أن يسمعوا بشخص نكص على عقبيه حتى يطبلون له ويفرحون, ويفردون له صفحة في أحد جرائدهم, ويظهرونه في قنواتهم, ليتحدث عن الصف الإسلامي ومافيه من أخطاء, وكأنَّها غنائم لهم, وماعلموا أنهم لم يجمعوا في صفهم إلا كل متردية ونطيحة, لم يكن يعرف عنها إلا تطرفها في الصف الإسلامي أيضاً.

يتبنون أقلاماً نسائية مرقت على الحشمة والستر, ويغدقون عليهنَّ بالمدح والتشجيع, حتى ظهر منهنَّ قاصات وكاتبات وشاعرات _مابين عشية وضحاها_, وجعلوا منهنَّ مثال للمرأة المتعلمة المتحضرة, وهنَّ في الحقيقة لايكتبن إلا في حرب الفضيلة, والتشجيع على السفور, تحت ذرائع كثيرة, وتتبع لرخص الفتاوى في هذا الشأن .

لهم مع أهل البدع شأن عظيم, فلقد جعلوا من أنفسهم مطايا لهم, وأبواقاً لاتعي ماتقول, يرون أن مطالبهم بإحياء البدع حق لهم كأقلية, وأن هذا من حرية الرأي, وأحد الأسس التي تقوم عليها الليبرالية, وهم في المقابل لايرقبون في أهل السنة إلاَّ ولاذمة, يصمونهم بالمتشددين والوهابيين, وينفخون في زلاتهم, ويغمطون حسناتهم .

تشكر لهم أمريكا وإسرائيل وكل دول الكفر حسن صنيعهم في الترويج للحضارة الغربية, وسعيهم في خدمة نفوذهم وأهدافهم؛ ولعل حرب غزة كانت علامة فارقة في ذلك, فهاهو عدد منهم يتصدر القائمة الذهبية في موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية, فكتاباتهم أيام الحرب وقبلها وبعدها تبرر لإسرائيل قتل الأبرياء, بحكم أن المقاومة هي التي أثارتها, فكان لها حق الرد والقتل بهذه الوحشية ..... .

إن الليبرالين في حقيقتهم, نقلوا الجانب الشهواني منها كفكر ومنهج , وآليتهم في أرض الواقع البحث عن مخارج لأزمتهم, فكانت هذه المخارج تزيدهم ضياعاً وتشتتاً, وتجمع لهم رعاع الناس, ممن لايحملون ثقافة ولاعلماً, وإنما همهم الانفلات من كل شيء, والبحث عن الملذات, فكيف يستقيم الأمر وكبارؤهم يجهلون حتى أبجديات الليبرالية, ولايحملون ولاءً ولاهمَّاً لبلدهم .

إنَّ أناساً ليس لهم إسهام في إصلاح الفساد الإداري, ونشر الفضيلة بين الناس, وتطوير التربية والتعليم, ومحاربة الفقر, وحرب المخدارت, وتوظيف الشباب العاطل عن العمل, والحفاظ على النظام الذي قامت عليه هذه البلاد, ولا على قيم المجتمع وخصوصيته, يعدون عالة على المجتمع, فما بالكم وهم يسعون في سلخه من هويته وتقويض بناءه وتمزيق نسيجه .

حسبي الله ونعم الوكيل

مقال رااااااائع

مشكوووووووور اخي