ياإلهي .. ماذا عساني بقائلٍ.. ماذا أقول والهموم أثقلت كاهلي.. عن ماذا.. وماذا وقلمي لا يطيق أناملي.. جفت محبرتي.. اغرورقت عيناي.. لا أُطيق حمل جسدي.. رغبت بالتنفيس عما بداخلي فوجدت قلمي يفرط من يدي.. كبلته بكلتا يداي ولا استجابة.. يئست..
تبادرت إلى ذهني لوحة المفاتيح.. ظننت أنها ليست خائنة كالقلم.. بادرت يدي اليمنى بكل جراءة ولكن..
يبدو أن ثمة خلل لا أدري هل اتفق قلمي ولوحة مفاتيحي ضدي.. لا.. لا أيقنت أن كل مافي الأمر هو رجفة يداي.. فقررت التوقف لأجل مسمى .
وهاأنذا عائد..
كل ما حولي يذكرني بتلك المباراة تذكرت تلك الثواني العصيبة.. والدقائق العجيبة لم أكن حينها أتابع بكل حواسي.. لا أعلم حتى الآن لماذا ؟؟ لا أعود للمباراة إلا بصراخ غضب من حولي.. عاد بي الزمن إلى الوراء.. تذكرت سامي الباكي يجول ميدان الدرة.. تذكرت الثنيان يكسر ظهر هادي خشبة.. تذكرت زمن الجبابرة.. لم يكونوا لاعبين فحسب.. بل متطرفين يغررون بالدفاع حتى ينالوا ما أرادوا.. تذكرت أياماً كان فيها درة الملاعب أرضاً لمعارك طاحنة.. جل من ينجو من جبروت الهلال.. لقد كانت أياماً "عادلة" خالدة.
فجأة إذا بمن حولي يتفاعل بصوت عال مع هجمة زرقاء، لمحت بعيني ياسر يعض على شفتيه متألماً متحاملاً صابراً.. وإذا بالمشهد الأمير عبدالرحمن مساعد رافعاً أكف الضراعة لله -عز وجل- وعلى النقيض الآخر كبير قومهم يجتر شماغه.. اقشعر بدني، شتان بين الاثنان.. حمدت لله أنني تعلمت أن أكون هلالياً وأنا أحبو..!!
تمر الثواني مملة.. كئيبة.. رتيبة.. لا أريدها.. لا أطيقها.. جراح الهلال مازالت غائرة لم تجف بعد.. حتى لو خرج الهلال من هذا الموسم خالي الوفاض فسأنام ملء جفوني قرير العين مرتاح الضمير.. كل هذا يا هلال وأنت جريح.. كم أنت كبيراً يا هلال راقبوك فماتوا بغيضهم وستبقى رغم الأنوف كبيرة كانت أو صغيرة
لقد غير هذا الموسم مجرى حياتي.. لم أعد أتفاعل مع منتخب بلادي التي لطالما عشقت ترابها.. صرت محايداً.. بت لا أتفاعل مع منتخبنا.. لم يعد لدي فرضاً أن أؤازر منتخب بلادي فمن الممكن أن أميل للخصم.. ليس تقليلاً من وطنيتي.. ولكن الرياضة عندما تمتزج مع السياسة تنحرف إلى منحنيات أخرى.. وفي فمي ماء.
لم ينتابني شعوراً غريباً وأنا أستمع لصيحات الاستهجان الجماهيرية ضد ((الراعي)) فكأنما شاهدت إعلاناً ترويجيا لشامبو فالجزاء من جنس العمل ولا أظن شعوراً كشعوري حدث بالنسبة لك .

ضاق بي المنزل ذرعاً.. جلست في كل أرجاءه.. خرجت و قررت أن أتجول بسيارتي في أرجاء الرياض.. التي نامت على غير عادتها.. الشوارع يلفها الهُدوء والسكِينة.. مررت به في عريجائه فإذا به شامخ كشموخ الجبال.. بسرعة أدرت مقود سيارتي للخلف.. لا أدري لماذا.. ربما لم يكن لدي ما أقوله.. فلذت بالعودة حيث أتيت.. ذهبت إلى طاولتي الصغيرة في ركن غرفتي محتسياً قدحاً من القهوة، علني أرفه عن ما بداخلي.. ظننت الموقف أسهل من صعوبته التي جاءت كطعن الخناجر في ظهري.. ارتميت إلى دواوين المهندس بدر بن عبدالمحسن فقد أجد من أبياته مفراً من حزني الذي طواني قرأت قصيدةً أذهلتني أيما ذهول ظننت أن البدر كتبها منادياً لي بالفعل لقد كانت كبلسمٍ على سويداء قلبي ....
يقول البدر :

لا أنت حارس للنجوم .. ولا أنت غارس للقمر
وما أنت حابس للسموم .. ولا أنت حاسس بالمطر
شايلٍٍ هم التراب .. وشايلٍ هم السما
وأنت يغويك السراب .. وأنت يقتلك الظما
تحمل هموم وهموم
وأنت فـي الآخر بشر
***
لا أنت فارس هالرمال .. ولا نوارس هالبحر
أعظم حروبك خيال .. واقصر دروبك سفر
شايلٍ هم الصديق .. وشايلٍ هم العدا
ليه تمشي والطريق .. كل ما خلص .. بدا
وليت به شيٍ يدوم
وانت فـي الآخر بشر

***
لا أنت عاشق هالزمان .. ولا مشانق هالزهر
أنت تحتاج الأمان .. لو تعانق لك حجر
شايلٍ هم الغياب .. وشايلٍ هم اللقا
كافي ضيعت الشباب .. لا يضيع اللي بقى
ما لأوهامك لزوم
وأنت في الآخر بشر

مللت من فنجان قهوتي ارتشفت رشفة ثم غادرت إلى جامعتي، لم أكن أرغب في الحضور ولكن لا أريد الاستسلام لحزني.. دلفت قاعة المحاضرات أسحب أقدامي جل الموجود شاحب الوجه.. ذابل الوجنتين الصمت يعم القاعة عدا زمرة طلاب تعلو البسمة محياهم الصفوف الخلفية يرددون أهازيج رابطة صفراء حقيرة نتنة بلا حياء،، لم يكن اللوم على الطلاب وأعضاء الرابطة.. بل القائد الحقير الذي لطالما غبطت الأصفر على رجل مثله، دخل الدكتور والصمت يعلو محيا الطلاب بمن فيهم الزمرة في المؤخرة، جلس مكانه، حدق بعينيه الحمراوتين يمنة ويسرة.. سكت قليلاً قال بعدها : من رأى منكم مباراة البارحة ؟؟ الجميع أشار بالإيجاب صمتاً عدا الزمرة إياها فكان النقاش بينهم وبين الدكتور الذي يتحدث بقلب مفعم بالزرقة والبياض فتحدث فألجمهم بالحجة وقوة البرهان جميع الطلاب صامتين عدا الزمرة التي اشتد نقاشهم مع الدكتور فسأل الدكتور كم في القاعة من اتحادي؟؟ أعاد السؤال مرة أخرى ولا إجابة فعقد حاجبيه للأعلى مستغرباً ومخاطباً زمرة المؤخرة، علام أنتم فرحين إذاً؟ ماهي ميولكم ؟ سكت كبيرهم ثم قال مطأطئا رأسه : أشجع النصر.. فالتفت الجميع من حوله وأضاف بخيبة (بس من زمان) عندها أطلق الدكتور العنان لضحكاته وخرج قائلاً نراكم الأسبوع المقبل..
لم أبرح مكاني.. وتواصل النقاش بين الطلاب الهلاليين واللاهلاليين!! ردد بين خلجات نفسي (كم أنت كبير يا هلال) أن حصدت البطولات فأنت القضية، وإن كبوت فأنت قضية، الجميل في عثرة الهلال أنك تعرف أن هناك أناساً لا يعرفوا طعم الفرحة فذاقوا شيئاً منها (بس ذواقة)، وكم أنت كبير يا هلال حتى يعودوا من استقالاتهم لأجلك.. بل لاعبين تتوقف عقودهم حتى مباراة الهلال.. كم أنت كبير يا هلال.. كم من باب رزق فتحت على المساكين !!
عدت إلى غرفتي حيث دواوين شعري وهذه المرة لقصيدة (نايف صقر) التي اقرءاها بين الفينة والأخرى أحبها كثيراً.... قد تحبها أنت كذلك فاقرأ :

سجد قلبي على رمل الضلوع وهزه التنهيد
وأنا في قلبي خيام الندم والخوف منصوبة

يارب افهق هلاكي والمنايا والدروب بعيد
مادام المودماني للتراب تقوده دروبه

يا غياث الظوامي والثمام وجرهدي البيد
أعذني من جهنم والحشر والموت وكروبه

أنا ما نبيب لا مشرك ولا فاسق ولا عربيد
أنا اللي لا عصى وأخطأ تجهم وأقلقه ثوبه

أنا عبدك ولد عبدك وجداني هلَ التوحيد
خطاياي أخجلتني يالله الغفران والتوبه

وأنا اللي يرتجف مثل ارتجاف الخايف الرعديد
إذا شاف القبور الضيقات وحس بذنوبه

أنا الانسان حمال النقايض والكمد والكيد
غريق الطين واللذات من رأسه لعرقوبه

أنا عبدك يا ربي وأنت تفعل ما تشاء وتريد
سألتك يا لله بعفو عظيم وهين دروبه

قررت فيما قررت :
أن أترك برنامجي الغذائي وأكل الكبسة في كل وجباتي
أن أسدل شماغي إلى الأمام وأميل عقالي
ومشلحي بمرفق يدي..

قررت فيما قررت :
أن أمتدح عمل الليل والنهار واثني على العمل الجبار
أن انتقد مواقفه الاتحاد القاري واشجب واستنكر قراراته..

قررت فيما قررت :
أن ألغى كلمة (لا) وكلمة (خطأ) من قاموسي
و استبدلتها بـ(عمل جبار) و (يدل على علو كعبك)..

قررت حفظ قراراتي السابقة في الأدراج.. وأن أعــشــق الــهـلال حـتـى الـثـمـالـة .
تحياتي المكبلة ..
هشام