03/02/2009, 01:19 PM
|
زعيــم فعــال | | تاريخ التسجيل: 31/01/2008
مشاركات: 401
| |
.
الفصل الأول أضعُ حقيبتي بسرعة في المقعد الخلفيّ .. أرتّب حجابي جيّداً و أغلقُ الباب . عليّ أن أحضر مبكراً هذا الصباح و إلاّ سأتعرض لتحيّة من نوعٍ آخر
يتراءى لي وجهُ العم صالح من المرآة الأمامية بابتسامتهِ السمحة
- لا تنسين الأذكار بنتي
أشعر براحة غربية تعتري قلبي كلما سمعتُ " بنتي " من فم العم صالح .. أحب حرصه الشديد و نصائحه المتكررة تماماً كاسطوانة الأمهات المشروخة لأطفالهنّ الصغار كل صباح
العم صالح سائقنا منذ زمن , رفيقُ دروبي الطويلة .. و متاهاتي الصعبة . كل هذه الدروب الممتدّة تتشكل على هيئة حنينهِ المُلِحّ للأهلِ و الوطن .
أعرفها جيداً هذهِ اليد المُتعرجة التي أمضت عمراً تلف مقود السيّارة و هي تجوب طرقات المدينة , أحفظُ خطوطها و حتّى عروقها البارزة بفعل الزمن .
كيف لا و هي اليد التي كانت تقبض على يدي لتوصلني كل صباح إلى الروضة .. اليد التي كبرت يدي تحتها و هي تصحبني إلى مدرستي و جامعتي و الآن إلى مقر عملي
يخبرني أنني أشبه ابنته فاطمة كثيراً , و الحقيقة أنه غادرهم منذ زمنٍ بعيد .. منذ أن كانت فاطمة في مهدٍ تهزّهُ يمينُ أمها الصبور ,
و ها هو يصحب طيف فاطمة في غربته , يُغذّي ملامحها بملامحي .. حتى أصبحتُ في عينيهِ فاطمة وهوَ الذي لم يرَها بعد
أصبحتُ ابنتهُ التي كانَ يرقُب ضآلتها إلى أن أضحت فتيّة .. هذا الطريق الطويل الذي نقطعهُ كل نهار اختزلَ الكثيرَ من عاداتي .. و كانَ هو قوتُ العم صالح الذي يحصدُ منه تكوينَ تفاصيلي ليبثّ بها روحُ طيفِ فاطمة ..
هذا الطريق فكَّ خطوطَ طبائعي أمام العم صالح .. فأصبح يعرفُ أيّ الأغنيات أحب أن تشاركني طريقي نحو العمل
و أيّ محلات الآيس كريم نتوقّف أمامها ليمنحني لفحةَ بردٍ تحتَ سطوةِ الشمسِ الحارقة
-هيا بنتي .. انزلي و صلنا
يوقظني صوته الآتي من عمقِ الشرود فألقي عليه وداعاً سريعاً و أمضي باتجاهِ المبنى محاولةً اختصار تباعد الخطى لأحظى بقليل من الوقت قبل وصول مديرنا الجديد ,
لا أريد أن أترك انطباعاً سيئاً لديهِ عن احترامي للوقت الذي يُعدّ نصفَ مهام العمل
أذهب مسرعةً باتجاه المصاعد و أطلبها جميعاً و أبقى في انتظار أسرعها استجابة ..
من بعيد أرى زميلي يقطعُ ذات الممر بسرعة نحو المصاعد, يبدو أنه يشاركني ذات القلق
توقّف المصعد الأول , دخلت بسرعة و سبابتي تكبس على زر الطابقِ السادس . في تلك الأثناء تعترض قدم المهندس فهد باب المصعد
أرفع نظري متأففة من هذا الاقتحام الفج .
- روح مصعد ثاني لو سمحت أخوي
- شركة أبوك و أنا مدري ؟
" اللهم طولك يا روح .. مو ناقصته الحين هالغثيث و الله "
أهم بالخروج من المصعد فلم أعد أملك طاقة مزاجية كافية لاستيعاب تصرفات هذا الأرعن . لكن يبدو أن حياءه استيقظ مؤخراً فأزاح قدمه عن الباب ليترك لي مهمة تفريغ هذا الضجر الصباحيّ
- مرحبا أستاذة
-أهلين لينا صباح الخير .. وصل المدير الجديد ؟
- لا ما وصل .
- اووف .. الحمد لله
أدخل مكتبي لأنجز بعض التقارير المؤجلة و أعيد تهيئة نفسي لهذا النهار الشاق و الطويل
**
في تمامِ العاشرة تُبادرني لينا بنبرةِ تعاطف
- أستاذة المهندس فهد اتصل أكثر من مرة يقول في شغلة ضرورية بخصوص المشروع
- اوكي لينا لو اتصل حولي لي المكالمة
- إن شاء الله
أعود لأكمل أوراق العمل المطلوب تقديمها اليومين القادمة عن المشروع الاستثماريّ الذي تتبناه الشركة.
في تلك الأثناء تصل المكالمة :
- مرحبا وزيرتنا الواعدة .. صاحبة مشروع تخصيب اليورانيوم في جزر الواق واق
- أستاذ فهد ممكن تختصر الديباجة الطويلة لأن ماعندي وقت بالمرة
- ايه دارين بوقتك الثمين ما شاء الله , تبديده بدون فايدة هدر للموارد البشرية للدولة
- ياهالصبح المتنيل
- قلتي شي ؟
- أبد أستاذ .. آمرني
- ما يامر عليك ظالم , بغيت أسألك عن ملف المشروع اللي بنقدمه بعد يومين و اللي المفروض يكون على مكتبي قبل اسبوع و للحين ما خلصتيه
- إن شاء الله بيكون على مكتبك بعد ساعة .. شي ثاني أستاذ ؟
- ايه .. مرة ثانية كلمي سكرتيرة قسمكم تحولني مباشرة والله لو إني طالب كلينتون كان رد
- إن شاء الله
عدت لإتمام الناقص من التقارير المطلوبة و بعثت بها للتدقيق و أنا حتى الآن لم أتخلص من قلقي بشأن المدير الجديد و مدى مرونته في التعامل الإدراي مع الموظفين |