مقال جميل للكاتب الأستاذ محمد الشيخ والذي نشر في جريدة الرياض هذا اليوم الثلاثاء الموافق 8/2/1430 هـ
والذي أرى أنه طرح واحدا من أسرار زعامة الهلال للأندية السعودية والآسيوية .
رياح شرقية
هلهلة المواهب السعودية لمصلحة من؟!



محمد الشيخ
لم يكن مهاجم الوحدة عيسى المحياني اللاعب الأول الذي يعلن على رؤوس الأشهاد رغبته في الانتقال للهلال دون غيره من الأندية، فقد سبقه إلى ذلك لاعبون كثر منذ سنوات بعيدة وحتى اليوم،حيث تحققت أماني البعض منهم فيما فشلت أماني آخرين.
أتحدث هنا عن اللاعبين الذين دخلوا في محك المفاضلة بين عرضين أو أكثر ويكون الهلال صاحب أحد تلك العروض، فإذا بهم يعلنون عيانا بيانا رغبتهم في ارتداء قميص الهلال دون سواه رغم أن العرض الهلالي قد لا يكون الأفضل ماديا، وهو ما يدعو للتوقف والتساؤل، فما الذي يجعل لاعبا يضحي بأموال تصل لملايين الريالات من أجل ارتداء شعار الهلال، وما الشيء الذي يمكن أن يجده اللاعب في الهلال ولا يجده في غيره، ولماذا يكون هذا النادي تحديدا هو الخيار الأول للمواهب السعودية رغم إن فرصة الفوز بخانة أساسية فيه أمر صعب في وقت تكون الخانة متاحة بشكل أكبر في الأندية الأخرى؟!

مثل هذه الأسئلة تكشف لنا عن حقيقة مفادها أن اللاعب السعودي الموهوب فعليا كان وما زال يجد في الهلال بيئة صالحة يمكن من خلالها أن يصون موهبته فيها، وأن ينمي قدراته ويطورها من خلال هذا النادي الذي يعد أهم الحواضن للمواهب الكروية على مدار تاريخ كرة القدم السعودية، ولست هنا بصدد استحضار كل الشواهد التي تدعم فكرتي، فهي أكثر من أن تختزل في سطور، إذ أنها تمتد بامتداد التاريخ الأزرق، الذي يحدثنا عن أجيال مر بها سليمان مطر (الكبش) وعبدالرحمن القصاب (شمروخ) وعبدالرحمن بشير (الغول) وعبدالله فودة (العمدة)، والنيفاوي وعبدالله الدعيع والشريدة وسعد الدوسري، وجيل جديد يقف في صفه الأول محمد الدعيع ومن بعده ياسر القحطاني والعنبر والصويلح والمرشدي والفريدي والزوري ونجوم آخرون، ما كان لهم أن يسجلوا كل تلك الإبداعات لولا مرورهم بالمحطة الزرقاء.

هذه الرؤية المتجردة لم آت بها كتذكرة دخول في أزقة المناوشات الكلامية التي يمتلئ بها فضاؤنا الرياضي، ولا لكي أبيع من خلالها بضاعة «مضروبة» في سوق الميول الرخيصة، وإنما هي استقراء لحقيقة يثبتها التاريخ ويؤكدها الواقع، فالهلال هو الحاضنة الأهم التي يمكن أن تضمن لنا استمرارية المواهب، إن من خلال صناعتها أو رعايتها، ولذلك فمن الظلم أن نصادر حق المحياني أو غيره من المواهب في ضمان مستقبلها الفني قبل مستقبلها المادي وهو ما لا يتاح غالبا إلا في الهلال، أقول غالبا لأنني لا يمكن أن اختصر بروز المواهب في غير هذا النادي، لكنه يبقى النموذج الأفضل في هذا المضمار.

إن نموذجية النادي الأزرق في «هلهلة المواهب»، يمكن استنساخها وتعميمها في غير ناد، لأنه لا يمكن للهلال أن يحتضن كل المواهب الوطنية، لأن في ذلك استنزاف لمقدراته المادية من جهة فضلا عن أن محدودية قائمة تسجيل اللاعبين تفرض عليه الاختيار النوعي وليس الكمي، ناهيك عن أن سياسة «تكديس المواهب» قد أثبتت فشلها، فهل تبادر أنديتنا للاستفادة من التجربة الهلالية لما فيه صالح الكرة السعودية بعيدا عن الارتجالية في اختيار الموهبة والفوضوية في رعايتها.