المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

 
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #11  
قديم 09/10/2008, 06:45 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/07/2004
المكان: أرض الله الواسعة !
مشاركات: 2,160
كان هنا ,,,شهم كندا ,,, مدريدي عاشق سامي ,,,
تشرفت بوجودكم ..






هذه المقالة بعنوان (( جواب على كتاب )) ....... نشرت سنة 1959



يحمل إلي ّ البريد كل أسبوع نحوا ً من ثلاثين رسالة يبعث بها إليّ سامعو أحاديثي في الإذاعة و قرّاء مقالاتي في الصحف و لكني لم أجد فيها كلها مثل الرسالة التي تلقيتها أمس. رسالة من أم جاءتني في ( يوم الأم ) ليس فيها من فصاحة اللفظ شيئ و لكنها في البلاغة آية من الآيات , وهل البلاغة إلا أن تقول ما يصل بك إلى الغاية و يبلغ بك
القصد ؟

تقول هذه الأم أنها سمعت بعيد الأم لكنها لم تره, و عرفت شقاء الأم بالولد لكنها لم تعرف بر الولد بالوالدة .و هي لا تشكو عقوق ولديها فهما صغيران ما بلغا سن العقوق و لكنها تشكو ضيق ذات اليد و فقدُ المُسعد و المعين و أنها تصبّر النفس حينا ً و يتصّرم أحيانا صبرها , و تسألني : أتطلق الولدين من إسار المدرسة و تبعث بهما يتكسبان دُريهمات تعينهما على العيش؟ و تسأل ماذا تجني منهما إن درسا و هي لا تملك ثمن كِساء المدرسة ولا نفقاتها؟
فكيف يستطيعان أن يكملا الدرس و يتمّا التحصيل و هما بالثوب البالي و الجيب الخالي ؟

و ما تمنيت أن أكون غنيّا إلا اليوم لأستطيع أن أواسيها باليد و المال لا بالقلم واللسان, و لكني أديب و الأديب لا يملك إلا قلبه و لسانه وهاتان كلمتان من القلب : كلمة لها هي , و كلمة للقرّاء .

أما الكلمة التي هي لك, فأحسب أنها تبدو للناس غريبة لأن الأدباء ما تعودوا أن يقولوا مثلها لأنهم لا يجرؤون أن يعرضوا على الناس حقائق صورهم ليراها الناس كما هم , بل يعرضون صورا ً محرّرة مزوّقة قد بدلها (رتوش) المصوّر و فنه و قد تكون أحلى و أجمل و لكنها ليست صورهم إنهم لا يكشفون للقراء قلوبهم لكن يعرضون عقولهم. و إن كان هذا الذي سأقوله اليوم سنّة عند أدباء الأفرنج من سنن الأدب المسلوكة لا بدعة من البدع المتروكة .

إنها قصة و لكن لم يخترعها خيال كاتب و لم يؤلفها قلم أديب بل ألّفت فصولها الحياة و جئت أرويها كما كانت . أرويها لتعلمي و تعلم كل أم بائسة و كل ولد نشأ في الفقر أن المجد و العلاء رهن بأمرين : بتوفيق الله أولا ً و الله يوفق كل عامل مخلص , و بالعلم و الجد ثانيا ً.

و اسمعي القصة الآن :

كان في دمشق – من نحو أربعين سنة – عالم جليل القدر , كريم اليد , موفور الرزق ,داره مفتوحة للأقرباء و الضيوف وطلبة العلم , وموائده ممدودة , لمّا أضاق الناس بالحرب العامة الأولى و سّع الله بفضله عليه فلم يعرف الضيق , و كان من ذوي المناصب الكبار و المكانة في الناس.
و نشأ أولاده في هذا البيت لا يعرفون ذلّ الحاجة ولا لذعة الفقر . و لكنهم أصبحوا يوما ً(من أيام سنة 1925 ), الولد الكبير البالغ من عمره ستّ عشرة سنة و إخوة له صغار تتراوح أعمارهم بين عشر و بين شهر , فإذا بالوالد قد توفيّ.

و ارتفع الستر , فإذا التركة ديون للناس فباعوا أثاث الدار كله ليوفوا الدين , ثم تركوا الدار الفسيحة في الصالحية و نزلوا تحت الرصاص (و كانت أيام ثورة) يفتّشون عن دار يستأجرونها فوجدوا دارا ً ..أعني كوخا ً , زريبة بهائم , مخزن تبن ..في حارة الدميجة. هل سمعتِ بها في آخر العُقيبة, قرب المكان الذي يسميه الناس من التوائه و ضيقه
" محل ما ضيّع القرد ابنه " هذا هو اسمه صدقيني..!

في غرفتين من اللبن و الطين , في ظل دار عالية لأحد موسري الحارة تحجب عن الغرفتين الشمس و الضياء, فلا تراهما قط الشمس ولا يستطيع أن يدخلهما الضوء, ليس فيهما ماء إلا ماء ساقية وسخة عرضها شبران و عمقها أصبعان , تمشي من (تورا) في الصالحية إلى هذه الحارة , تتلقى في هذا الطريق الطويل كل ّ ما يُلقى فيها من الخيرات الحسان !وليس فيها نور إلا نور مصباح كاز, نمرة ثلاثة ...يضيئ تارة و " يشحّر" تارات و السقف من خشب عليه طين إن مشت عليه هرّة ارتجّ و اضطرب و إن نزلت عليه قطرة مطر وَكَفَ و سرّب.
هنالك على أربعة فرش مبسوطات على الأرض متجاورات ما تحتهن من سرير , تغطيهن البسط و الجلود كان ينام هؤلاء الأولاد الذين رُبّوا في النعيم و غذوا بلبان الدلال تسهر عليهم أم - مثلكِ – حملت ما لم تحمله أم, تدرأ عنهم سيل البقّ الذي الذي يغطي الجدران و أسراب البعوض التي تملأ أركان الغرفة و الماء ينزل من السقف. تَظل الليل كله ساهرةً تُطفئ بدمع العين حرقة القلب , تذكر ما كانت فيه وما صارت إليه و الأقرباء و الموسرين الذين لم يكونوا يخرجون من دار الوالد , كيف تخلوا عن الأولاد و أنكروهم , حتّى جاؤوا يوما يزورون جار الدار الموسِر يهنئونه بالعيد ولم يطرقوا – والله – عليهم الباب! و لم يُعنها أحد إلا أخ لها في مصر أمدها بجنيهات مصرية قليلة لك يكن يُطيق أكثر منها .
في هذا الجو يا سيدتي...و ماذا تظنين هذا الجو؟ فيه أقبل الولد و إخوته على الدرس و التحصيل . وكانت أطراف البلد للثوار ليس للفرنسيين إلا وسط المدينة. فكانوا يمرون على الموت في طريقهم إلى المدرسة كل يوم و يخترقون جبهة الحرب و صبروا و وثقوا بالله و أعانهم الله و وفّقهم حتى صاروا .... ماذا تُقدرين أنهم صاروا الآن ؟
صار الولد الثاني قاضيا ً و صار أديبا ً شاعراً مصنفا ً و الثالث أستاذا ً كبيراً في الجامعة و أول من حمل لقب دكتور في الرياضيات في سورية , و الرابع مدرسا ً موفقا ً و أديباً أما الولد الأكبر فلا أقول عنه شيئاً لأن شهادتي فيه مردودة ,فهو صديقي الذي لا أفارقه أبدا ً والذي أكون معه ليلي و نهاري و أراه كلمّا نظرت في المرآة .

و ما قصصت هذه القصة إلا تسلية لك و تهويناً عليك , و لتوقني أنه ربما كان ينتظر ولديك هذين اللذين لا يجدان الغذاء و الكساء ينتظرهما مستقبل يحسدهما عليه أبناء الأغنياء. فقولي لولديك ألا يخجلا إن لم يجدا الثوب الأنيق أو الكتاب الجديد أو المال الفائض , فإن أكثر النابغين كانوا من أبناء الفقراء . و كاتب هذه السطور ( وإن لم يكن من النابغين الذين تُضرب بهم الأمثال ) كان يجيئ إلى المدرسة الثانوية بالبذلة التي فصلتها له أمه من جبة أبيه, و قد عجز عن أداء رسم شهادة الحقوق فساعده عليه بعض المحسنين .
و أنا أعرف والله في أعلام البلد اليوم من نشؤوا في أشد الفقر, ثم نالوا بالعلم أوسع الغنى و أعلى المناصب و لو كن أعلم منهم الرضا بذكر أسمائهم لسميت لك خمسة أسماء كلهم على طرف لساني الآن . و أنا أعرف محكمة صار ابن آذنها قاضيها و ابن رئيسها شيئا ً كالآذن فيها!

أما الكلمة التي للقراء الذين كانوا الليلة البارحة عندما أرعدت السماء و أبرقت ونزلت على الأرض عل المقاعد المريحة في الغرف الدافئة فلم يعرفوا ما حال الفقراء في تلك الليلة .... إني أقول لهم :

إن في البلد في حيّكم , بين جيرانكم كثيرات من أمثال هذه السيدة التي كتبت إليّ و إن في البلد من يرتجف هذه الليلة من البرد لا يلقى جمرة مشتعلة و أن هنالك تلاميذ يقرؤون بعيون تزيغ من الجوع و القرّ و يكتبون بأصابع محمرة من البرد. و إن في هؤلاء من لو أُمد بالطعام واللباس و أُعين في الدراسة , لكان عبقرياً تعتز بمثله الأوطان و تسمو الأمم
و اذكروا أن من بين ا ُجراء الخبّازين و صبية المحامين من خُلق ليكون من كبار العلماء و أفراد النابغين , لكن الفقر عطّل مواهبه و سدّ أمامه طريق النبوغ فلم يجد ذكاؤه مسربا ً يسرب منه إلا الإجرام .

إن أكثر المجرمين الذين يسكنون السجون كانوا صبية أذكياء , و لكن المجتمع قال لهم : حرامٌ عليكم الدرس و التحصيل لتكونوا من أفذاذ المثقفين , فكونوا إذن من أذكياء المجرمين !
إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف و السرف يكفي لتعليم كل ولد في البلدة و إطعام كل جائع و إسعاف كل فقير. إن عرسا ً واحداً من أعراس الموسرين الكبار تكفي نفقته لإطعام عشر عائلات شهراً كاملاً , وما ينفَق على أكاليل الزهر في الجنائز و طاقات الورد في الأفراح يفتتح مستشفى مجانياً للفقراء و ما يُنفق في الولائم والحفلات وما يُصرف في الملاهي و الموبقات يكفي لسد حاجة كل محتاج.
و أنا لا أقول دعوا هذا كله , فإنكم لن تفعلوا,ولكن اجعلوا من أموالكم نصيباً لهؤلاء المعَذّبين في الأرض...زكّوا عن أموالكم فإنكم لا تدرون هل تدوم لكم أو تذهب عنكم .

و هل أخذ أحدٌ على الدهر عهداً أن لا تحول عنه الحال و أن لا يذهب من يده المال ؟ ومن الذي جعل لولد الغني الحق في أن يبقى أبداً سيداً يُعطى ما يطلب و ينال ما يريد .. ومن يثق بأن ولده لن يحتاج غداً إلى ولد الفقير يسأله ويرجو رفده ؟ و إذا وثقتم ببقاء المال , فهل تثقون ببقاء الصحة؟ أتأمنون النوازل و الأمراض و المكبات؟
فاستنزلوا رحمة الله بالبذل , و ادفعوا عنكم المصائب بالصدقات.

و أنا لا أُخاطب أرباب الآلاف المؤلفة فقط, بل أخاطب القرّاء جميعاً. إن الناس درجات أمَا تفرح إن أعطاك صاحب الملايين ألف ليرة ؟ فأعط أنت المعدم عشر ليرات . إن الليرات العشر له كالألف لك , و الألف عند " المليونير" كالعشر عندك. و الثوب القديم الذي تطرحه قد يكون ثوب العيد عند أناس آخرين , فلماذا لا تسرهم بشيئ لا يضرك
و لا تُحس فقده ؟

و لو كل امرئ يعطي من هو أفقر منه لما بقي في الدنيا محتاج . فيا أيُها القرّاء , أسألكم بالله : لا تدعوا كلمتي تذهي في الهواء , فإني والله ما أردت إلا الخير لكم. ويا أيتها الأم التي كتبت إليّ , ثِقي بالله فإن الله لا يضيع أحداً أبداً.



انتظر تعليقاتكم ..

اخر تعديل كان بواسطة » A.K.N 505 في يوم » 09/10/2008 عند الساعة » 07:55 AM
اضافة رد مع اقتباس
   

 


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 09:11 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube