بقلم عربي
الهلال .. القمر الغجري



زرت السعودية كثيراً.. وفي كل مرة أكون قد زرت فيها الهلال كثيراً !! في جنان رياض اللون والإسم والصفاء والتاريخ.. وبين كل الدروب .. والنسائم أحسست أنني معتقل.. معتقل من أول حب.. تطوقني السلاسل الزرقاء .. والجبال الزرقاء وفجر أزرق يسجنك في اللاحدود.. ولابد أن تحلم أنك مسجون بفتنة الأزرق.. أخذك.. أبرق أطيافاً في قلبك ودمك ووجدانك..
وعندما شاهدت جماهير الهلال.. في الشارع .. عبر الأمكنة. في البيوت وبين الأسمنت وعلى الحيطان.. في الملعب.. خارجه وداخله .. عندما قابلت ربيع الهلال المخطوف من كل الأقدار الأمير عبدالله بن سعد )يرحمه الله(. عندما أفتل قلبي وأدخلني مصقلة النجوم الأمير نواف بن محمد.. وأسكنني بيوت هلاله المرصوصة بأغصان الزيتون والمرجان الأزرق.
عندما أن عرفت صحفيي الحب الهلالي لا تلغي حبة رمل واحدة من شطآن البحار الزرقاء .. عندما .. استسلم نبضي ورفعت الراية البيضاء.. وعندما رفعت رأسي ألفيت الراية زرقاء .. يا إلهي.. إنها إمبراطورية الكون الأزرق!.
تحكي شهرزاد .. أن الفجر الرياضي لونه بالأزرق فارس قزاحي اسمه عبدالرحمن بن سعيد.. وانبهرت .. إنه السعودي الوحيد الذي لايلبس الغتر والعقال.. وفسرت كل شرزادات الصباح أنه موقف يعود للجذور وللأصالة وللتاريخ .. وتساءلت كم من جهد تكلف ابن سعيد حتى يؤسس إمبراطورية الحب الزرقاء.. كم من جهد كلفه ليحبها كما يحبها.. ليحب من يحبها.. وليحب كل ريشة عشب على أرض ملعبها.. وكل سماء تغطيها؟
أخرجت مفكرتي وكتبت )هـ.ل.ا.ل.ي( وكتبت )س.ع.و.د.ي( نفس عدد الحروف وكأنها مطرزة بنور كل سماء وكل بحار.. فعلت ذلك لأنني أحسست فعلاً أنه يستحيل أن يوجد سعودي غير هلالي!!.
مرة في الطائرة .. رحلة من الرياض إلى الدار البيضاء .. كان بجانبي شابان سعوديان يتجاذبان الحديث عن الرياضة وانتقلا للهلال فتدخلت.. سائلاً.. فأجبت .. وذكرت أسماء اللاعبين والرؤساء.. و..و.. وأمام تعجبهما أعلنت أنني أتوفر على عضوية نادي الهلال.. فقالا أين هي. قلت .. شقوا صدري.. هناك مرتعها في القلب.. فالحب ليس في حاجة إلى عضوية شرفية ولا إلى عضوية مكتب ولا إلى حمل لافتات.. حملق كل منهما في الآخر.. فتمتم أحدهما: إنه الهلال.. قلت سعيداً.. لابد من الشرطية.. ولكنها الهلال!!.
قرأت سيعتزل القيصر الأنيق صالح النعيمة حجزت وكنت في رياض القزاحيات.. قاموا بتكريم المبدع البيكنباوري.. وقاموا بتمزيق ضلوعي.. كنت ومازلت أعشقه يكتب.. يغازل .. يروي كل قصص الفرح بتمريرة يحكي روايات الخيزران بقذفة كسياط الريح .. هو شامخ كجبال الهملايا في وجه العواصف المتمردة وفي الوجه الغادر لكل الغزاة..
كان الدعيع يوزع الزئير أمام عرينه.. وكان فهدالمصيبيح ينير كل فوانيس جداول الملعب.. وكان يوسف الثنيان يراوغ أدغال البشر ونسائم الممرات..
والآن امتطي سامي الجابر جواده بزرقة سماء الصحراء .. ليلوّن هضبات الضباب الانجليزية وليزرع النجمات الهلالية على بقاعها.
غربة التاريخ العربي علّمت بعض المستلبين أن يحبوا مانشستر يونايتد.. أو بايرن ميونيخ .. أو ميلانو أو ريال مدريد وبرشلونة.. ولكن الازرق علمني إلغاء الاستلاب وعشق الهلال عشق جذوري وحضارتي وثقافتي ولغتي..
وعندما يصرخ هاملت الشكسبيري «إما أن أكون أو لا أكون.. ذلك هو السؤال» أصرخ أنا.. أنا أكون هلالياً أو .. أكون الهلال .. وذلك.. فليس هناك هو سؤال.
شرفني الامير نواف بن محمد مرة على مائدته.. ذهبت بالزي المغربي وبالجلباب والبلغة الاصليين.. وكانا باللون الازرق .. يا إلهي .. ماهذ .. كان سموه لايصدق ماحدث.. ونادى كل مدعويه من أمراء وشخصيات.. كانوا يلامسون ثوب جلبابي ويتمعنون النظر في تطريز قميصي .. وكنت متيقناً أن انبهارهم كان.. باللون الأزرق!!.
الهلال قمر غجري .. هوايته التنقل والترحال بين القلوب.. الهلال .. مليار كمان تسع راحة اليد الواحدة..
صحفي مغربي في مجلة الصقر القطرية
نقلا عن نشرة الزعيم