المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 07/04/2002, 12:39 PM
موقوف
تاريخ التسجيل: 03/09/2001
المكان: الريــاض
مشاركات: 1,564
الإنصاف عند النبي صلى الله عليه وسلم

الإنصاف في اللغة مصدر قولهم : أنصف ينصف ... ويقال : أنصفه من نفسه، وانتصفت أنا منه ، وتناصف القوم : أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه ... وأنصفت الرجل إنصافاً : عاملته بالعدل والقسط .

ويمكن تعريف الإنصاف بأنه : أن تعطي غيرك من الحق مثل الذي تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه ، ويكون ذلك بالأقوال والأفعال ، وفي الرضا والغضب ، مع من نحب ومن نكره .



وللإنصاف أنواع عديدة ، منها :

ـ أن ينصف المرء نفسه من نفسه ؛ إذ كيف ينصف الناس من لا ينصف نفسه.

ـ أن ينصف المرء خالقه عز وجل ، فلا يرى ربه إلا محسنا ، ولا يرى نفسه إلا مسيئا أو مفرطا أو مقصراً ، فيعطى العبودية حقها ، ولا ينازع ربه صفات إلهتيه ، ولا يشكر على نعمه سواه ، ولا يستعين بها على معاصيه .

ـ إنصاف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك بالإيمان به ومحبته وتوقيره وطاعته والقيام بحقوقه .

ـ إنصاف العباد ، بأداء حقوقهم وعدم مطالبة المرء إياهم ما ليس له ..

القرآن الكريم يقدم المثل الأعلى للإنصاف :

إن إنصاف المرء أخاه في النسب أو الدين قد يكون أمراً معقولا تقره الطبائع السليمة والفطر النقية ، أما إنصاف العدو وتبرئة ساحته مع مخالفته لنا في الدين فهذا ما لا يستطيعه إلا من تربى على مائدة الإسلام وتشبع بروح العدل والإنصاف التي جاء بها القرآن ، يقول أبو حيان في تفسير قول الله تعالى :

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) [النساء:105]،: ويتلخص سبب النزول في (( أن طعمة بن أبيرق سرق درعا في جراب فيه دقيق لقتادة بن النعمان ، وخبأها عند يهودي ، فحلف طعمة مالي بها علم ، فاتبعوا أثر الدقيق إلى دار اليهودي ، فقال اليهودي : دفعها إليَّ طعمة )) . فلما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بالقضاء في هذه المسألة نزلت الآيات الكريمة :

(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيما* وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً*وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيما*يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطا*هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً*وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً *وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً*وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيم)[الآيات 105 ـ 113 من سورة النساء ] مبرءة ساحة هذا اليهودي ومنصفة .

يقول بعض العلماء المعاصرين معلقا على هذه الواقعة : يالله ! إنه الإسلام وحده في تاريخ البشرية كله .. وغير الإسلام لم يكن ضميره ليتحرك لتبرئة متهم ينتمي إلى قوم بينه وبينهم كل ذلك العداء . ألا إنها القمة السامقة التي لا يقيمها ابتداء إلا الإسلام ، ولا يرقاها إلا المسلمون في كل التاريخ .

لقد كانت كل الظروف (( مشجعة )) على اتهام ذلك اليهودي وتبرئة ذلك المنافق الذي ينتمي ولو شكلا إلى الإسلام !.

فالعداوة بين المسلمين واليهود قائمة في المدينة ،وكيد اليهود للمسلمين قائم واضح للعيان .

إلا أن الإسلام ما جاء ليتستر على انحرافات البشرية أو يتسامح مع شيء منها ! وما جاء ليجاري الجاهليات فيما تقع فيه من انحراف . وإنما جاء لينشئ الإنسان الصالح في الأرض .

إنها ليست حادثا عارضا يمر فينسى ، إنها درس هائل في التربية على الأفق الأعلى لا يقدمه إلا الإسلام ، و لا يقدر عليه إلا المسلمون، وإنه لدرس في التطبيق العملي للإنصاف الإلهي والعدل الرباني الذي لم تعرفه أمة في التاريخ ، إلا الأمة التي رباها القرآن الكريم ، تسع آيات كريمة تنزل لكشف ذلك المنافق الذي انضم إلى المشركين بعد فضحه ، ولتبرئة ساحة ذلك اليهودي ، وما كان الإسلام ليتألف قلب المنافق لأنه يحمل اسما مسلما على حساب الإنصاف والعدل الذي يريد إقامتهما في الأرض نبراسا لكل البشرية ... لقد ذهب ابن أبيرق مع الشيطان ، وبقي ذلك الدرس الرباني الخالد درسا وعاه المسلمون وحفظوه ، لتتعلمه البشرية منهم يوم تفيء إلى رشدها وتحب أن تعرف الطريق إلى ما فيه خيرها وسعادتها .

ومع أن هؤلاء اليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا إلا أن هذه العداوة لم تمنع القرآن الكريم من إنصافهم إن هم أحسنوا أو أحسن بعضهم ، ومن مظاهر هذا الإنصاف ثناؤه عز وجل على بني إسرائيل ثناء عظيما ، يبلغ بهم ذروة شاهقة من الرضا والتقدير ، كما قال تعالى : ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:159]. وقوله عز وجل من قائل وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] ، ثم في معظم الأحيان تبلغ حملته عليهم حداً رهيبا من التقريع والتنديد ، والذم والتوبيخ والسبب في هذا الموقف القرآني هو الإنصاف التام ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وكل ذي باطل ما يستحقه ، فهو يمدحهم إن أحسنوا وأطاعوا ، وهو يذمهم إن عاندوا وشاقوا ، وقد كان من تمام إنصافه عز وجل معهم أنه دائما يستثني منهم القلة الصالحة ـ على ندرتها ـ كما قال تعالى ( وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ )[المائدة: 13].

إنصاف الرسول صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين لأهل الذمة :

لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنصاف أهل الذمة والمستأمنين ، ونهى عن ظلهم في أحاديث كثيرة ، فهو القائل صلى الله عليه وسلم : " من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما " .

وحرص الخلفاء الراشدون والصحابة على ذلك ، فها هو عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يوصي بأهل الذمة قائلا : " أوصيكم بذمة الله فإنها ذمة نبيكم ورزق عيالكم " .

وروى مسلم عن المستورد بن شداد القرشي أنه حدث عن عمرو بن العاص فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس " . فقال عمرو : أبصر ما تقول ، قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لئن قلت ذاك إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم أحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جملية : وأمنعهم من ظلم الملوك " . فانظر إلى إنصاف عمرو وذكره ما يعلمه من الخصال الحسنة للروم ، مع أننا لا نشك في براءته منهم وعداوته لهم .

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار ، فأرادوا أن يرشوه ، فقال عبد الله : " يا معشر اليهود ، أنتم أبغض الخلق إلي ، قتلتم أنبياء الله ـ عز وجل ـ ، وكذبتم على الله ، وليس يحملني حبي إياه وبغضي إياكم على أن أحيف عليكم . فقال اليهود : بهذا قامت السموات والأرض ".

قال الحافظ ابن عبد البر : وفيه أن المؤمن وإن أبغض في الله فلا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه " .

لقد امتثل عبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنه للمنهج الرباني الذي يكفل العدل للناس ، والذي يعطي كل ذي حق حقه من المسلمين وغير المسلمين ففي هذا الحق يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين . قال الله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)[النساء:135].

وقد أقر اليهود صنيع عبد الله بن رواحة لعلمهم أن العدل قد أمر الله ـ عز وجل ـ به الناس جميعا ، لأنه واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال. والظلم لا يباح منه شيء بحال ، ولذا قالوا لعبد الله بن رواحة : ( هذا الحق به تقوم السماء والأرض ) : أي بهذا الحق والعدل قامت السموات فوق الرءوس بغير عمد، والأرض استقرت على الماء تحت الأقدام .

آداب أهل الإنصاف :

التحلي بصفة الإنصاف ، وسلوك درب المنصفين يلزم معه التأدب بآداب خاصة ، وقد التزم بها أهل السنة والجماعة وقدوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأهمها :

التجرد وتحري القصد عند الكلام على المخالفين :


وذلك أنه قد تلتبس المقاصد عند الكلام عن المخالفين ، فهناك قصد حب الظهور ، وقصد التشفي والانتقام والانتصار للنفس أو للطائفة التي ينتمي إليها الناقد .. وقد حذر ابن تيمية مَن يرد على أهل البدع من التباس المقاصد فقال : " وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم ، وإذا غلط في ذم بدعة أو معصية كان قصده بيان ما فيها من إفساد ليحذر العباد ، كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيراً والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان ، لا للتشفي والانتقام


" وقد انتبه ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى هذا الأمر فوضع قاعدة لمن يريد أن يتجرد من الهوى فقال : " وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت الألفاظ من الحق و الباطل ، ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى :

تقول هذا جنى النحل تمدحه

وإن تشأ قلت : ذا قيء الزنابير

مدحا وذما وما جاوزت وصفهما

والحق قد يعتريه سـوء تعـبير



2ـ أهمية التبين والتثبت قبل إصدار الأحكام :

وذلك امتثالا لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6]، وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [النساء:94] والتبين والتثبت من خصائص أهل الإيمان ، قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : " المؤمن وقاف حتى يتبين " وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ : " ومتى لم يتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤة ، بل الواجب السكوت والتوقف ".

3. حمل الكلام على أحسن الوجوه ، وإحسان الظن بالمسلمين :

فالواجب على المسلم أن يحسن الظن بكلام أخيه المسلم ، وأن يحمل العبارة المحتملة محملاً حسناً فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إحسان الظن بالمسلم حين قال وهو يطوف بالكعبة :" ما أطيبك وأطيب ريحك ، وما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمه منك ، ماله ودمه ، وأن لا يظن به إلا خيراً " .

وقال سعيد بن المسيب : كتب بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ، ولا تظنن بكلمة خرجت من امريء مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا " .

4ـ ألا ينشر سيئات المخالف ويدفن حسناته :

فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بحسنات حاطب فقال : " وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .

فكون حاطب من أهل بدر ترفعه ويُذكر له في مقابل خطئه الفاحش ،ولذا غفر له خطؤه .

5. النقد يكون للرأي وليس لصاحب الرأي :

فالنقد الموضوعي هو الذي يتجه إلى الموضوع ذاته وليس إلى صاحبه . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حدث خطأ من أحد أصحابه أو بعضهم . لا يسميهم غالبا وإنما يقول : (( ما بال أقوام )) ، (( ما بال رجال )) .

6. الامتناع عن المجادلة المفضية إلى النزاع :

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الجدل المفضي إلى الخصومة فقال : " إن ابغض الرجال إلى الله الألد الخصم " .

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " لا تمار أخاك فإن المراء لا تفهم حكمته ، ولا تؤمن غائلته .." .

وقال مالك بن أنس : " المراء يقسي القلوب ، ويورث الضغائن " .

7. حمل كلام المخالف على ظاهره وعدم التعرض للنوايا والبواطن :

وقد علمنا ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قتل أسامة بن زيد الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله ، فلما علم صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ، فقال أسامة : إنما قالها متعوذا . فقال صلى الله عليه وسلم:" هلا شققت عن قلبه " .

وهكذا يضع النبي صلى الله عليه وسلم الأسس السليمةللتعامل مع الناس وأول هذه الأسس الإنصاف،بل لقد أسوة لهم في ذلك فها هو في غزوة بدر يسوي الصفوف ويرى سواد بن غزية بارزا فيضربه بقدح في بطنه ويقول :"استو يا سواد"،فيقول سواد يا رسول الله أوجعتني فأقدني ،فيكشف الرسول عن بطنه وهو يقول :"استقد يا سواد"،فيلتزم سواد بطن النبي ويقبله..

فانظر إلى هذا الإنصاف من النبي صلى الله عليه وسلم.

وموقف آخر عجيب يدل على مدى إنصافه،فقدروى ابن ماجة

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني ،فانتهره أصحابه وقالوا :ويحك ،تدري من تكلم !قال: إني أطلب حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"هلا مع صاحب الحق كنتم"، ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها:" إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك "،فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله قال فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه فقال: أوفيت أوفى الله لك، فقال :"أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع".

يا لله!رسول الله يأمر أصحابه أن يكونوا مع صاحب الحق حتى وإن كان هو أحد أطراف القضية،إنه الإنصاف.

وها هو صلى الله عليه وسلم يوجه الأمة كلها إلى الإنصاف،

· فعن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه " ( رواه البخاري ) .

‏*وعن المعرور قال : لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذلك فقال: إني ساببت‏ ‏رجلا ‏ ‏فشكاني إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال لي النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:" ‏ ‏أعيرته ‏ ‏بأمه ‏؟، ‏ثم قال ‏ ‏إن إخوانكم ‏ ‏خولكم ‏ ‏جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" . (رواه البخاري ).

· و عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : " ... فجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله ، إني قد زنيت فطهرني ، وإنه ردها . فلما كان الغد قالت : يا رسول الله ، لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا . فوالله إني لحبلى . قال . : " إما لا فاذهبي حتى تلدي " فلما ولدته أتته بالصبي في خرقة . قالت : هذا قد ولدته قال : " اذهبي فارضعيه حتى تفطميه " . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، فقالت : هذا يا نبي الله ، قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها . فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها ، فتنضح الدم على وجه خالد ، فسبها ، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها ، فقال : " مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكٍس لغفر له ). ( رواه مسلم ) فالإنصاف يدفعه صلى الله عليه وسلم للدفاع عن هذه المرأة التي أتت تائبة.

وعلى هذا الخلق الكريم تربى العلماء والصالحون من هذه الأمة وهذه قطوف من أقوالهم في هذا الشأن:

* ( قال عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما :ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار).

· ( وقال ابن القيم أيضا : وجاء في أثر آخر : ( ابن آدم ما أنصفتني ، أخلقك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر سواي ) .

· ( سمعت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عروة ابن الزبير يسب حسان بن ثابت ، وكان ممن خاض في حديث الإفك ... فقالت ـ رضي الله عنها ـ : يا ابن أختي دعه ، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ) . ( رواه البخاري ).

· ( وقال عروة : كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال : فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء ) ( البخاري ومسلم ).

· ( عن عاصم بن كليب عن أبيه قال انتهينا إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فذكر عائشة فقال : خليلة رسول صلى الله عليه وسلم ، يقول الذهبي : هذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة ما وقع بينهما ) .

· ( عن عبد الرحمن بن شماسة قال : دخلت على عائشة ، فقالت : ممن أنت ؟ قلت : من أهل مصر ، قالت ، : كيف وجدتم ابن حُديج –وهوقاتل محمد بن أبي بكر أخي عائشة-في غزاتكم هذه ؟ قلت : خير أمير ، ما يقف لرجل منا فرس ولا بعير إلا أبدله مكانه بعيرا، ولا غلام إلا أبدل مكانه غلاما ، وقالت : إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني سمعته يقول : اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ، ومن شق عليهم فاشقق عليه).فلم تمنعها كراهية قتل أخيها على يديه من إنصافه بذكر بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له.

· عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ أن رجلا من ‏ أهل ‏الشام ‏يقال له‏ ‏ابن خيبري ‏ ‏وجد مع امرأته رجلا فقتله ‏أو قتلهما معا ‏فأشكل على ‏ ‏معاوية بن أبي سفيان ‏ ‏القضاء فيه فكتب إلى ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏ ‏يسأل له ‏ ‏علي بن أبي طالب ‏ ‏عن ذلك فسأل ‏ ‏أبو موسى ‏ ‏عن ذلك ‏ ‏علي بن أبي طالب ‏ ‏فقال له ‏ ‏علي ‏ ‏إن هذا الشيء ما هو بأرضي عزمت عليك لتخبرني فقال له ‏ ‏أبو موسى ‏ ‏كتب إلي ‏ ‏معاوية بن أبي سفيان ‏ ‏أن أسألك عن ذلك فقال ‏ ‏علي ‏ ‏أنا ‏ ‏أبو حسن ‏ ‏إن لم يأت بأربعة شهداء ‏ ‏فليعط برمته ‏ -أي يسلم إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا-.( رواه مالك ) وفيه : شهادة من معاوية بفقه وعلم علي رغم ما حدث بينهما ) .

· وجاء رجل فوقع في على وفي عمار رضي الله عنهما ـ عند عائشة ، فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا ، أما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما )( رواه أحمد ).

· ( خطب عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ في أهل العراق ـ قبل واقعة الجمل ـ ليكفهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقال : " والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي " .

ومعلو م أن عماراً كان في صف علي ـ رضي الله عنهما ـ قال ابن هبيرة : " في هذا الحديث أن عماراً كان صادق اللهجة ، وكان لا تستخفه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه ، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب " .

قال ابن حجر : مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي ، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق ) .

· ( قال الإمام الشافعي في الإمام أحمد أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل " ) .

· ( قال محمد بن سيرين : " ظلم لأحيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره " ) .

· ( قال الإمام الذهبي في ترجمة لقتادة بن دعامة : " وكان من أوعية العلم ، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ ،وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع ، فإنه مدلس معروف بذلك ، وكان يرى القدر ـ نسأل الله العفو ـ ومع هذا يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل . ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، ويغفر له زلله ، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه ، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك " ) .

فهذه أقوال بعض أهل السنة يتبين بها نتاج التربية النبوية الكريمة التي زرعت الإنصاف في النفوس حتى أنصف كل واحد من نفسه.

المصادر:نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم

الرحيق المختوم

سير أعلام النبلاء
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07/04/2002, 01:13 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الوليد
عضو إدارة الموقع الرسمي لنادي الهلال
تاريخ التسجيل: 13/08/2000
المكان: قلوب الأحبة فى شبكة الزعيم
مشاركات: 13,348
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد.

وجزاك الله كل خير انشاء الله.
اضافة رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08/04/2002, 10:06 AM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 01/12/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 2,213
جزاك الله كل خير ,,,,
اضافة رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08/04/2002, 02:56 PM
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 06/02/2002
مشاركات: 1,742
جزاك الله خير
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 03:04 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube