السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
صبحكم/مساكم الله بالرضا والسرور
يتكرر على أسماعنا عبارات خصصها المواطنون لوصف طبيعة التعامل الذي يلقونه من موظفي القطاعات الحكومية حال مراجعتهم لها ، ولعل عبارة " راجعنا بكرا " هي واحدة من أشهر تلك العبارات ..
ولأن صاحبكم يعاني أحياناً من وضع المقدمات لمواضيعه، فآمل منكم عدم مؤاخذتي واعتبار السطرين السابقين بمثابة مقدمة أو مدخل أو اللي تبون..
قبل أيام كنت أحتسي الببسي مع أحد الأصدقاء في استراحته( والله من زين الضيافه!)، وكان جزء كبير من الحديث مركز حول موضوع التنظيم الإداري الحاصل في القطاعات الحكومية وآلية العمل السقيمة في أغلب هذه الجهات إن لم يكن أكملها..
سأل صاحبي : يا أخي أنا ودي أعرف وش قصة موظفين الدولة مع " راجعنا بكرا " ؟!!
ولأني شخص كثير الهرج فقد أجبت عليه إجابة مطولة جداً شملت كل الجوانب التنظيمية والإدارية التي أظنها مسببة لاستخدام هذه العبارة، وختمت خطبتي العصماء الداجه بقصةٍ مضحكةٍ مبكيةٍ كنت بطلها في بدايات عملي في أحد الجهات الحكومية، وكانت هذه القصة قد نالت إعجاب صديقي لدرجة أنه قال:
لو إنك قايلها من البداية كان ما احتجنا كل هالتحليل!
لذا سألتزم بتوجيه صاحبي وسأنتقل فوراً لأروي لكم أحداثها، ولعلي أجد منكم تأكيداً أو نفياً لكون هذه القصة كافية لشرح أحد مسببات تأخر انجاز معاملات المواطنين أم لا ..
حين تم تعييني في هذه الجهة التقيت بمديري المباشر وكان مما قاله لي بأنك يا عبدالرحمن أتيت إلينا ولديك خبرةٌ مهينة سابقة لذا سوف تدخل في أجواء العمل لدينا بشكل مباشر!، وبالفعل بعد أيام قليلة من مباشرتي للعمل أصبحت المعاملات تنهمر على دماغي كالسيل اللي مبطي ما شفناه ـــ الله يغيثنا و يرحمنا برحمته ـــ ..
وفي صباح أحد أيام العمل ولنفترض أنه يوم السبت، وصلت معاملة تتضمن شكوى فنية مفصلة رفعها أحد المواطنين لمعالي الوزير ، فقام معاليه بالاطلاع عليها ودون ما نصه " تدرس الشكوى بدقة ويفاد بالرأي" وقام بتحويلها مع كم من المعاملات إلى سعادة وكيل الوزارة، وفي صباح يوم الأحد اطلع الوكيل على تلك المعاملة وشقيقاتها ودون عليها " تدرس المعاملة حسب توجيه معالي الوزير ويعد تقرير بذلك" وأحالها لسعادة الوكيل المساعد، وحين أشرقت شمس يوم الاثنين وشرف الوكيل المساعد مكتبه، اطلع على المعاملات وقام بتوزيعها على مدراء الإدارات كل فيما يخصه ودون على تلك المعاملة " تدرس حسب توجيه سعادة الوكيل"، وفي يوم الثلاثاء وصلت تلك المعاملة المعنية إلى مدير إدارتي المباشر، فقام بإحالتها لي في نفس اليوم (الثلاثاء) ودون عليها " تدرس حسب توجيه سعادة الوكيل المساعد وسريعاً" ، وصلت إلي هذه المعاملة مع كم من المعاملات الأخرى ولكون سعادة المدير قد وجه بدراستها سريعاً ، فقد قمت بتنظيف الطاولة من المعاملات الأخرى وركزت على تلك المعاملة..
بذلت جهداً جهيداً وعلى قدر استطاعتي في دراسة شكوى المواطن وما تضمنته من أرقام ومؤشرات وقمت بإعداد تقرير فني يبين صحة الشكوى من عدمها والتوصية المقترحة حيالها، ولكوني مبتدئاً فقد استغرق ذلك يومين من العمل، بمعنى أني قمت بتقديم المعاملة للمدير صباح يوم السبت، فقام المدير بمراجعتها وتعديل بعض ما جاء فيها ومن ثم أخذت المعاملة مجراها المفترض لتصل إلى معالي الوزير ( المدير ::: الوكيل المساعد ::: الوكيل ::: الوزير.)..
مر يوم السبت والأحد ونسيت ذلك الموضوع بخيره وشره، وفي صباح يوم الاثنين اتصل علي المدير وطلب مني الحضور لمكتبه، فذهبت إليه وطرقت الباب( لا ياشيخ) ودخلت عليه وطلب مني الجلوس، بعدها بدأ يتصفح إحدى المعاملات وهو يحرك رأسه مكشراً تارةً إلى اليمين وتارةً إلى الشمال ومرةً إلى الأسفل ومرةً إلى الأعلى (اخلص علينا)

، ثم قال يا عبدالرحمن المعاملة اللي رفعناها للوزير رجعها الوكيل و فيها خطأ ما انتبهنا له!! ، في هذه اللحظات أحسست بالخجل والذنب وبديت أتذكر العمليات الحسابية التي أجريتها والكلام الفني الذي كتبته، وقلت أكيد إني جايب العيد! وطب علي الإحباط الذي كان يداهمني أيام الدراسة يوم كنت أحل مسألة في ورقتين ويطلع الناتج خطأ ويعطيني الدكتور صفر مكعب

..
المهم عشان ما أطول ( كل هذا وما طولت) ، تمالكت نفسي وسألت المدير : أين موضع الخطأ؟ فاستل قلمه ووضع دائرةً فوق الدائرة التي وضعها الوكيل وحدد الجرم الذي ارتكبته وأعطاني الأوراق للاطلاع عليها، فنظرت إلى ما بداخل تلك الدوائر فإذا به يخلو من الأرقام فحمدت الله على ذلك ثم أعدت النظر مرةً أخرى فإذا أبي أرى جزءاً من عبارةٍ صغتها كالتالي " وألفت نظر معاليكم ..." ، في هذه اللحظات استدار رأسي

واستدلخت وتعطل مخيخي، فسألت المدير ما هو الخطأ في ذلك؟؟ ، فأجاب: كيف ما هو الخطأ؟ أنت تلفت نظر معالي الوزير؟!! ما يصير يا عبدالرحمن

لازم تركز في الصياغة..
في هذه اللحظات بدأ العروق الحارة في جسدي تتجلعد وتتناثر في كل حته ، وقلت له بغضب مكتوم : هل هذا هو الخطأ ؟؟؟؟؟
فأجاب: نعم ، وأنا لا ألومك ، لكن لازم تستفيد من مثل هذه الأخطاء وما تقع فيها مستقبلاً ، وخذ المعاملة معك وأكتب محل تلك العبارة ما نصه " يطيب لي أن أعرض لمعاليكم ..." وأعطها لموظف النسخ ليعيد طباعتها بشكل عاجل..
أخذت المعاملة وطلعت من مكتبه وفوق رأسي علامات استفهام

بدت كشلةٍ من العصافير مرمية بفشقة شوزن( وفي رواية شوزل)..
آمنت بقضاء الله وقدره وقمنا بتعديل الخطأ الفادح وأعدنا المعاملة لتسلك طريقها للوصول إلى معالي الوزير اللي أنا لفت نظره أنا ووجهي

، ما أستحي ما عندي دم ، يا غشيم يا أنا..
في الأخير وصلت المعاملة للوزير ، فأعجبه التقرير وخصوصاً الجزئية اللي مكتوب فيها " يطيب لي أن أعرض لمعاليكم .. " يابعدي ياعمري ياكبير يا تاج راسي

تعبك راحه يا آخر العنقود يا مسهرني ومهبل بي >> معليش سهيت وسجيت...
وجه معاليه بإفادة المواطن بذلك وعادت المعاملة تدور من جديد بين مكاتب الشيوخ حتى وصلت لمكتب الغشيم اللي ما يعرف يصيغ عبارات زي الناس، ثم أنجزها المسكين وعكس خط سيرها ، وأخيراً وصل الرد للمواطن بعد 3 أسابيع من تقديم شكواه العاجلة ، رغم أنه مدعوم بواسطةٍ قوية و كان يأمل بالرد عليه بشكل سريع كونه يخسر يومياً آلاف الريالات بسبب هذا الموضوع ويريد حلاً لمشكلته!
لو أن ذلك المواطن وخلال تلك الأيام جاء إلي يسألني ما الذي تم في موضوعي، فلن أكذب وأقول مازال تحت الدراسة ولن أتفوه بالخطأ الفادح الذي عطل سيرها، وحقيقةً أني لا أعلم ما الذي سيواجهها في خط سيرها فقد تواجه مطبات يضعها موظف كسول ومدير مشغول! ووكيل مسافر وبالتالي أقول له تعال بعد أسبوع، وقد تسير بالاتجاه الصحيح والمفترض وتتهيأ لها الظروف المناسبة وبالتالي أقول له تعال بكرا ..
وفي هذه الحالة سأرجح مبدأ التفاؤل وسأجعل من هذا المواطن شخصاً سعيداً ولو للحظات وسأقول له:
" تعال بكرا وإن شاء الله تصير المعاملة جاهزة" ..
عموماً ما حدث من تعبات تلك القصة لن يمنعني من أن أقول لمعالي الوزير : ألفت نظر معاليكم بضرورة إعادة النظر في آلية العمل المتبعة في جهةٍ أنتم معاليها ..
بس خلاص قضيت.
عذراً على الإطالة.
في أمااااان الكريم،،
لحظه لحظه شوي!!!
اللي يبي ينتظر تعليقي السريع على مشاركته، من الحين أبقول له " راجعنا بكرا وبإذن الله تلقى الرد جاهز"
