الله يمدكم بالعافية ..
يا إخوان مسألة الأغاني فيها خلاف طويل بين العلماء قديماً و حديثاً ، أرجو من الإخوان سواء من يرون الحرمة
أو الإباحة ، أن يقبلوا الآخر ، و لا يتعصبوا لرأيهم ، و يكون لديهم مرونة في التعامل مع إخوانهم في مثل هذه
المسائل الاجتهادية ، و الذي أراه أنه لم يرد دليل صريح يحرم الغناء أو المعازف ، و من يرى التحريم يستدل بآية
و حديث في صحيح البخاري ، أما الآية فهي قول الله تعالى : ((ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل
الله بغير علم و يتخذها هزواً ، أولئك لهم عذاب مهين)) و أما الحديث فهو ما ورد في صحيح البخاري :
((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف ...)) ، أما غير هذين فلا أعلم
لهم حجة إلا أن تكون موضوعة كحديث : (( يصب في أذنه الآنك )) أو كحديث : ((الغناء ينبت النفاق
في القلب...)) ، أو قول بعضهم : الغنا بريد الزنى ، أو قولهم : حب الكتاب و حب ألحان الغنا * في قلب
عبدٍ ليس يجتمعان ، وكلها باستثناء الآية إما أن تكون أحاديث لا تصح ، أو من كلام العلماء ، كابن
القيم ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ..
أما الآية فلا حجة لهم فيها ، لأنهم قالوا أن ابن مسعود أقسم أنه الغناء ، فعلى هذا يكون تقدير الكلام :
((ومن الناس من يغني ليضل عن سبيل الله )) فيتبين لنا أن التحريم لأجل الإضلال ، و ليس لأجل الغناء
، وكذلك كل كلام يراد به الإضلال عن سبيل الله فهو حرام ، و كذلك لو قلنا ((ومن الناس من يقرأ
القرآن ليضل عن سبيل الله)) فإن فعله حرام
ليس لأنه يقرأ القرآن ، و إنما لأنه يضل به عن سبيل الله ، كأن يقرأ القرآن عند رجل يصلي ، و يريد بذلك إشغاله عن
صلاته ، و قد ورد أن هذه الآية نزلت في كفار قريش إذ كانوا يرسلون الجواري يغنين عند النبي صلى الله عليه و سلم
و هو يصلي عند الكعبة لإضلاله عن صلاته ، فيتبين لنا سبب التحريم ، وهو أنه للإضلال عن سبيل الله .
أما حديث : ((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف )) فلا يصح الاستدلال به ، ولاتقوم
به حجة ، لأن فيه ست علل ، و نحن نعلم أن علة واحدة ، تكفي لأن نرد الحديث ، و لا نأخذ به ، و هي :
أولاً : الحديث معلّق ، و لا معنى لقولهم أن البخاري جزم به ، إذ لا فرق بين معلقات البخاري و غيره ، فيلزم من ذلك
أن نأخذ بكل معلقات البخاري ، و نحن نعلم أن منها ما هو ضعيف .
ثم إن قول بعضهم : ربما أن البخاري تورّع عن أن يقول : ((حدثنا)) لأنه ربما أخذه من شيخه في غير مجلس علم ،
فنقول : و ربما ليس لأجل ذلك ، فما دام الأمر احتمالاً ، فلا حاجة لنا بأخذه .
ثانياً : هشام بن عمار ليس بثقة !! ، جرحه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (إمام أهل السنة و الجماعة) ، فقال فيه :
((خفيف طيّاش ، لا تصح الصلاة خلفه)) وهذا يكفي في انتقاص ثقته .
ثالثاً : هشام بن عمار ضعيف الحفظ ، يقول عنه الإمام الذهبي : ضعيف الحفظ ، كان يحفظ بالتلقين .
و يقول هو عن نفسه : (( حدثني فلان أني حدثته عن فلان ))
رابعاً : لفظة ( الحر ) و هو الزنى ، و قيل الفرج ، لم ترد إطلاقاً في القرآن و لا في السنة إلا في هذا الحديث ، إذاً
فهي ليست لغة القرآن ، و لا لغة النبي صلى الله عليه و سلم . إذ لم يرد في القرآن أو السنة إلا لفظي (الزنى - البغي)
خامساً : لفظة ( يستحلون ) تدل على أن هذه الأمور كانت محرمة ، و كلها محرمة بأدلة سابقة ، إلا المعازف ، أين
دليل تحريمها قبل هذا الحديث ؟؟
سادساً : أن الكاساني (من تلاميذ البخاري) ، قد أورد هذا الحديث موصولاً (ليس معلقاً) و لكن بلفظ : ((يستحلون
الخزّ و الحرير و الخمر )) بدون لفظ ( المعازف ) .
و هذه تكفي لرد هذا الحديث ، فالإسلام ليس عدواً للأصوات الجميلة ، و لكن العلماء حرموا الأغاني بأسرها لما رأوا
فيها من النشوة المصاحبة للطرب ، و خشية منهم لوقوع المحاذير ، فحرموها سداً للذرائع ، و لكنهم اجتهدوا في ذلك
اجتهاداً في غير محله ، فأعطوها حرمة أكبر من حرمة الأمر الذي حرموها خشية الوقوع فيه !!!!!
و هذا كله لا يبرر التحريم بلادليل صريح ، كما لا يبرر المحاولات اليائسة لرفع بعض الآثار الواهية ، و محاولة
الاحتجاج بها ، فلا يحل لأحد كائناً من كان ، أن يحرم شيئاً لم يحرمه الله تعالى ، بحجة صد الناس عن الوقوع في
المحرم ، ، و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..