
04/09/2007, 05:38 PM
|
زعيــم متواصــل | | تاريخ التسجيل: 06/07/2007 المكان: مملكة الزعيم
مشاركات: 107
| |
عيـــون صغيرة ( جديدي من الخواطر ) يها الغائب الحاضر
القريب البعيد
الجميل والقبيح
أيها المسافر والمهاجر
أيها الرحالة والتاجر
أيها الجندي القاهر
أيها الأمير والفارس
أيها الفقيه الدارس
أيها الساعي الدائر
أين أنتم ؟...
أين أيامكم ؟
أين لياليكم ؟
أين فجركم ؟.. بل أين صبحكم ؟
كل صباح ...
وكل مساء ..
مع إنبلاج الصبح
وولوج الشفق خلف حجب السحب وإستدارت قرص الشمس ...
مع إشتهاءات الأصيل ..
وإرتواءٌ من بحر ساكن ونهرعذبٌ ماؤه..
مع ثوران البراكين ..
وإهتياج الشلال ..
أغنيةٌ كانت ترددها جدتي وهي تضفر لي شعري الذهبي الحريري ..
كانت أهزوجتها المفضلة ..
وترنيمتها الأثيرة ..
ترددها بمرارة .. كأنها تذكر شيئا ما ..
أو
ذكرى جميلة محتها قسوة الأيام ..
""أجل أيها العزيز الغالي ""..
كانت تقف مليا أمام لوحته ..
تلك التي رسمها بريشته ..
وذيلها بكلمات لطيفة..
(( حبيبتي فاطمة .. سوف تمر الأيام .. تعيشين بعدي حياةً أخرى...
مع فارسٍ آخر .. فارسٍ يستحقُ قلبكِ الكبير المفعم بالسرور والمحبة ..
ستكونين أميرته .. وسأكون أنا جزء من الماضي .. ))
كانت تقف أمامه .. تتلمس خطوط رسمه وقطرات ألوانه المتناثرة ..
تلمس آثار ريشته على تلك الصحيفة البيضاء القماشية وسواجم عينيها كالمطر ..
أجل .. كالمطر .
تنظر إليه ..
وتتأمل تلك الخيوط البارزة بمزيدٍ من الشوق .
ثم تهمس :
( كنتُ ولا أزال أنتظرك .. أنا واثقة .. واثقة بأنك على قيد الحياة..
لكنك ذهبت وتركتني ..
تركتني في ليلة زفافي وأنا أجلس بين النساء بإنتظار قدومه ..
قدومه بخطواتٍ ثقيلة الوقع وأشدُ ثِقلا علي ..
قدومه كي يأخذني معه لحتفي ..
مجللاومحاطا بالأهل والأقارب والأحباب ..
المبتهجين لزواجه ..
نعم حبيبي ..
لقد ظفر بي ...
وأنا كنتُ أتمناك ..
وأصبوا للقياك ..
حبيبي ...
ما عُدتَ أنت لي ..
ولا عُدتُ أنا لك ..
وكأن الأيام كانت لنا بالمرصاد..)
ثم تبعد يديها في ذعرٍ عن اللوحة ..
وتستمر في التأمل ..
وفي البكاء ..
البكاء بلا صوت
البكاء بصمت ..
أنظر إليها بفضول ..
أسألها من بعيد بصوتي الخفيض الخائف .
( جدتي ... جدتي .. هل لي أن أقف معكِ ؟)
تلتفت إلي جدتي.. وتنظر بحب صامت ..
ثم تدعوني بلطف بين دموعها:
( بل إقتربي يا صغيرتي )
بخطوات حذرة ..
خطوة
وراء
خطوة
أمشي
فأمشي
وأقترب ثم
أقف بجوارها..
هاهي اللوحة .. قريبة جدا ..
يمكنني رؤية معالمها عن كثب..
أنظر وأنظر بإهتمام ..
وأسأل جدتي بفضول الأطفال :
(( جدتي .. جدتي .. ما سرُ هذه اللوحة يا جدتاه ؟))
(( إنه سرٌ خاص .. إحتفظ به أجدادكِ وأورثوني إياه ))
(( لكنكِ تقفين يوميا أمامها .. تبدين أمامها خاشعة حزينة! ))
نظرت إلي جدتي ثم نزلت إلي ووازت مستوى بصري ..
(( حبيبتي.. ألن تكفي عن أسألتكِ الكثيرة ؟.. حينما تكبرين ستعرفين ))
ثم نظرت إلى اللوحة وقالت بغموض :
(( صاحب هذه اللوحة إنسان عظيم .. عاش معي وعشتُ معه ,,, لكن بعد مرور السنين ... ))
(( هل أهداكِ اللوحة ؟))
(( لا يجوز في أعرافنا كما يجوز في أعراف غيرنا .. نحن من العرب الرُحًّلْ ,, أتفهمين ؟))
(( لكنكِ تخاطبين اللوحة وكأنكِ تعرفين صاحبها أو أنكِ عِشتِ معه قصة حب ما! ))
وضعت جدتي يمناها على رأسي وداعبت خصلات شعري قائلة بسخرية مُرَّة:
(( حبيبتي ... تلك اللوحة لا أعرفها .. ولا أفهمها,, فكيف سأعرف صاحبها . )) ..
ثم نهضت وغادرت الحجرة ..
تركتني ..
نعم تركتني أمام اللوحة الغريبة ..
أتأملها بعيون غير عارفة الحياة ..
عيون لا تزال تبصر الحياة بشكل آخر ..
شكلٍ أكثر إمتاعا و.... غموضا .
لتغادر روحي الصغيرة ..
وتسبح هائمة في فضاء اللوحة الرحيب ..
لأصحو أنا على همسات أمي ..
حينما تقترب مني .. تقبلني .. وتقول بطيبة ومحبة :
صباح الخير يا حلوتي... صباحٌ ربيعي دافئ .. |