#1  
قديم 28/12/2001, 06:41 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 17/03/2001
مشاركات: 951
"داء الشيشان يجتاح روسياً"

الداء حين ينتقل من الفرد إلى الدولة باعتبارها كائناً عضوياً…
أو بالعكس


مراد بطل الشيشاني
11/12/2001



تعود التقارير الإعلامية بين الحين والآخر لتحفل بالحديث عن القضية الشيشانية، خاصة مع بعض العمليات التي يشنها المقاتلون الشيشان على القوات الروسية، بنمط ما عرف في الأدبيات السياسية "بحرب المدن" أو "حرب المغاوير". إلا أنه على هامش هذه التقارير هناك ما هو لافت للنظر. فقد بدأت بعضها تشير إلى انتشار جرائم قتل في المناطق الروسية، خاصة العاصمة موسكو، وتتميز تلك الجرائم بسمتين: أولهما بأن المتهمين هم جنود سبق لهم ان خدموا عسكرياً في الشيشان إبان الحربين (94 و 99) ، وثاني ما ميز تلك الجرائم طبيعتها بالتمثيل بالجثث بشكل مروع ، شنيع وقد أشارت التقارير الطبية الروسية أن مرتكبي هذه الجرائم اعتادوا عليها بفعل اشتراكهم في الحرب الشيشانية، قتلاً وتمثيلاً بالجثث على ذلك النحو، بشكل قد يدلل على انتهاكات القوات الروسية في الشيشان، ويؤشر في ذات الوقت إلى أن "داء الشيشان" هذا، حسب وصف الأطباء الروس، يحتمل تفاقمه بشكل يهدد المجتمع الروسي بازدياد الجريمة، طالما استمرت حرب الشيشان.
لقد دأبت بعض المدارس النظرية في الفكر السياسي على تصوير الدولة ككائن عضوي، شأنها في ذلك شأن الكائن الحي، وخاصة ممن عرفوا بمنظري مدرسة "الجيوبوليتيك"، وما "الداورنية الاجتماعية" إلا إحدى إفرازات هذه المدرسة والتي تسوغ التفوق العنصري "للمركزية الغربية" في توجهها نحو الشعوب المستضعفة، بمقولة "البقاء للأصلح"، وباعتبار التوسع أداة لنمو الدولة-الكائن الحي.
وانطلاقاً من فرضية عضوية الدولة فإن "داء الشيشان" يفسر جزءاً أساسياً من تطور السياسة الروسية في حقبة مابعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي تطورت من "تغريبية" منذ الانهيار حتى عام 1994 سعياً لاعتبار روسيا جزءا من منظومة الدول الغربية، ومن "الحضارة الغربية"، إلا أن عدم تجاوب الغرب الكافي مع التطلعات الروسية من ناحية، وحالة فقدان الهوية بفقدان الإمبراطورية المترامية الأطراف من ناحية ثانية، تزامنا مع تحول الروس الحاكمين في جمهوريات الأطراف إلى أقليات بفعل استقلال تلك الجمهوريات (آسيا الوسطى و القوقاز) أبرزت إلى السطح، ما بين 1994-1998 سياسة روسية ذات نزعة "أوراسية" تستهدف إعادة السيطرة على المناطق "الأوراسية"، ولو نفوذاً، دفعتها مجموعة من العوامل إلى السطح، إضافة إلى ما سبق، أهمها بدء توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو مناطق كانت تعدها روسيا من مناطق نفوذها، الأمر الذي أظهر خوفاً روسياً من تهديد "جوارها القريب" Near abroad والذي أصبح بمثابة المبدأ الذي يحرك سياستها نحو الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي، بحجة حماية القوميات الروسية في تلك المناطق، وخاصة مع توقيع أذربيجان الدولة النفطية الغنية، اتفاقية نفط عرفت "بصفقة العصر" مع شركات غربية جعلت روسيا خارج العائد النفطي للمنطقة، فكان ذلك من أسباب تدخل روسيا في الشيشان 1994، ولهزيمة روسيا في تلك الحرب بعد أن استمرت زهاء العامين، واستمرار تجاهل الغرب لها كقوة عظمى، خاصة مع إقصائها عن صيغ الحل في كوسوفو 1999، وهي من المناطق التي تعدها روسيا امتدادا عرقياً ودينياً لها، ولهذا كله برز إلى السطح التطور الثالث للسياسة الروسية، وكان إرهاصاً لبروز النزعة الشوفينية الروسية، بمحاولة استعادة أمجاد إمبراطورية غابرة، خاصة مع مجيء "فلاديمير بوتين" إلى سدة الحكم، فافرز "داء الشيشان" كمعبر عن الانتقام والثأر لماضي دولة عظمى، وكسمة مميزة لمؤسسة الحكم الروسية في رسم السياسة، وما اعتبار بعض رجالات المؤسسة العسكرية الروسية الضابط الروسي "بودانوف"، الذي اغتصب طفلة شيشانية عمرها ست عشرة سنة منذ اشهر، بطلاً قومياً يتوجب وقف محاكمته، إلا تعبير عن "داء الشيشان" الذي أصاب الدولة الروسية، وخاصة إن نظرنا إلى أن فعل الاغتصاب في الحروب ذات التمايزات الدينية والعرقية، تشير إليها الدراسات بأنها تعبير عن الحقد والسخط القوميين، بهدف كسر أنفة الآخر، لا بهدف، ولا لعارض جنسينفسي.
تتخذ روسيا من شعار "محاربة الإسلام السياسي" ضابطاً لهذا الطور من سياستها، لما لهذا الضابط من أثر "سحري" على الغرب (الداعم الاقتصادي) خاصة منذ الاحداث في الولايات المتحدة في ايلول، والأنظمة الحاكمة "المغربنة" في آسيا الوسطى والقوقاز (مجال إثبات الإمبراطورية)، ومن هنا يبرز التساؤل عما إذا كان "داء الشيشان" باعتباره مرضاً نفسياً- عصابياً يصيب الكائن الحي، سبباً أم نتيجة لسياسة الدولة الروسية؟ وهل السياسة هذه انعكاس لإحباط المجتمع-الفرد؟ أم أن خيارات النخبة انعكست على المجتمع-الفرد فأحبطته؟ ومهما يكن من أمر، فالثابت أن الدولة الروسية تعيش في طورها الثالث، وباعتبارها كائناً عضوياً مجازياً فهي مصابة "بداء الشيشان" الذي قد يسبغ سياستها المستقبلية تجاه الآخر "الغربي" أو "الآسيوي" أو حتى "الإفريقي"، وتبقى الإشارة إلى أن الكائن العضوي وكما يصيبه الداء، يصيبه الفناء، إلا إن عاش، وعيش، في العناية الحثيثة بمضادات حيوية هي المساعدات الاقتصادية!!
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 06:38 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube