15/03/2007, 12:52 AM
|
| زعيــم مميــز | | تاريخ التسجيل: 31/05/2004 المكان: أرض الله الوآسعة
مشاركات: 3,922
| |
حول البسملة بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد
فهذه نبذة مختصرة ، عن أحكام البسملة ، أكثرها مستفاد من شرح الشيخ محمد بن عبد المقصود ، حفظه الله ، لمذكرة الشيخ العلامة الشنقيطي رحمه الله في أصول الفقه ، أسأل الله أن ينفع بها
مسألة : حكم البسملة :
وهي المسألة الأساسية في هذا المبحث ، وقد وقع الخلاف فيها على 4 أقوال :
¨ أولا : أنها آية في أول كل سورة ، ما عدا سورة براءة ، وهذا مذهب العبادلة رضي الله عنهم ، ومكحول وعطاء وطاووس وعبد الله بن المبارك ، وهو مذهب الشافعية رحمهم الله .
¨ ثانيا : أنها آية في أول سورة الفاتحة على وجه الخصوص ، وليست بقرآن في أوائل السور ، وهذه رواية عن أحمد وأبي حنيفة وإسحاق بن راهوية ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله في الفاتحة (قولا واحدا) ، واختلف قوله في بقية السور .
¨ ثالثا : أنها ليست آية لا من الفاتحة ، ولا من غيرها ، وهذا مذهب مالك ، ومشهور مذهب أبي حنيفة ، وداود الظاهري رحمهم الله ، وقد أيده ابن عثيمين رحمه الله ، وعليه فإن المثبتين لها كآية من الفاتحة ، لا يعتبرون الوقوف على (صراط الذين أنعمت عليهم) وقوفا على رأس آية جديدة ، بينما يعتبره المخالفون رأس آية جديدة ، لأن كلا الفريقين ، متفقان على أن الفاتحة 7 آيات .
¨ رابعا : أنها آية مستقلة في أول كل سورة ، بمعنى أنها آية من القرآن ، وليست آية في أول كل سورة ، أي أنها آية للفصل بين السور ، وهذا ما ذهب إليه الرازي رحمه الله ، وأيده شيخ الإسلام رحمه الله .
وبعد ذكر الآراء ، نأتي لمرحلة المناقشة :
أولا :
استدل أصحاب الرأي الأول بعدة أحاديث منها :
§ ما أخرجه الدارقطني رحمه الله : إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين ، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب … وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ، وهذا الحديث ، إن صح ، فهو نص في المسألة .
§ حديث أم سلمة رضي الله عنها ، عند أبي داود والترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وعدها آية ، وقد أعله الشيخ عادل بن يوسف العزازي حفظه الله ، بتدليس ابن جريج رحمه الله ، وهو ممن لا يحتمل تدليسه ، ولم يتابع على لفظ البسملة ، وإن توبع على بقية الحديث عند أحمد رحمه الله ، فتقوى الحديث ، ولم يتقو لفظ البسملة ، والله أعلم .
§ حديث أنس رضي الله عنه ، ن البخاري في باب فضائل القرآن ، قال : سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ كانت مدا ، ثم قرأ (وهو الشاهد) : (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد (بسم الله) ، ويمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم) .
§ حديث أنس رضي الله عنه ، عند مسلم : (إنه نزلت علي آنفا سورة ، … ، ثم قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الكوثر : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر …) ، فدل ذلك أنها آية من سورة الكوثر ، وعليه فهي سورة من بقية سور القرآن ، وقد أجاب المخالفون بأن هذه الأدلة ، أخبار آحاد ، والقرآن لا يثبت إلا متواترا ، والله أعلم .
واستدلوا بأن البسملة مبثوثة في المصاحف ، بنفس خط القرآن ، فقد أثبتها الصحابة رضي الله عنهم ، بنفس الخط الذي أثبتوا به بقية آي القرآن ، مع ما عرف عنهم ، من شدة الحرص على تمييز ما هو بقرآن ، عما هو ليس منه ، إما بإختلاف الخط ، أو الكتابة والترقيم بلون مختلف .
واستدلوا على أنها آية من الفاتحة ، بترقيمها في المصحف .
ثانيا :
استدل القائلون بأنها ليست آية من أوائل السور ، بعدة أحاديث منها :
§ حديث عائشة رضي الله عنها ، عند البخاري رحمه الله ، في كتاب بدء الوحي ، ولم تذكر البسملة في أول سورة العلق .
§ حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن رب العالمين ، قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : (الحمد لله رب العالمين) ، قال الله : حمدني عبدي … الحديث ، فلم يذكر البسملة ، وعليه فهي ليست بآية من الفاتحة ، كما ذهب إلى ذلك أصحاب الرأي الثالث .
§ حديث أب هريرة رضي الله عنه ، عند أحمد وأصحاب السنن : إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له ، وقد أجمع أهل العد على أن سورة تبارك (وهي المقصودة في هذا الحديث) ، ثلاثون آية ، بدون البسملة .
ثالثا : واستدل أصحاب الرأي الرابع بـ :
حديث أبي داود : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور إلا بالبسملة ، وقد رد عليهم المخالفون بعدة ردود من أبرزها :
§ أنه لو كانت ، كما يقولون ، للفصل بين السور لأثبتت بين الأنفال وبراءة ، ولم أثبتت في أول الفاتحة ، لعدم الحاجة إلى الفاصل ، لأن الفاتحة لم تسبق بشيء .
§ وأنه كان من الممكن الإستغناء عن الفصل بها بالفصل بتراجم السور ، (أي أسماؤها) ، كما حدث في الفصل بين الأنفال وبراءة .
والراجح من هذه المناقشة ، أن البسملة ليست آية من القرآن ، لا من الفاتحة ، ولا من بقية السور ، ومن أجمع ما قيل في هذه المسألة ، قول ابن العربي رحمه الله : يكفيك لإثبات أنها ليست قرآنا أنهم اختلفوا في إثباتها ، والقرآن لا يختلف في إثباته ، والله أعلم .
وقد توسط الشنقيطي رحمه الله ، في "مذكرة في أصول الفقه" ، فقال بأنه من المحتمل أن تكون البسملة آية في قراءة ، وليست آية في قراءة أخرى .
مسألة : هل يجب قراءتها مع الفاتحة :
والخلاف في هذه المسألة ، فرع على الخلاف في المسألة السابقة :
¨ فمن ذهب إلى أنها آية من الفاتحة ، قال بوجوب قراءتها .
¨ ومن ذهب إلى أنها ليست آية من الفاتحة ، قال بأن قراءتها ، غير واجبة ، بل هي مندوبة ، واستدل أيضا بـ :
§ حديث عائشة رضي الله عنها : كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين .
§ حديث أبي هريرة رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية ، افتتح القراءة (الحمد لله رب العالمين) ولم يسكت ، وقد أجاب الألباني رحمه الله ، في معرض رده على من قال بأن الإستعاذة لا تكون إلا في أول ركعة ، على هذا الحديث ، بأن المراد بقوله (لم يسكت) ، السكوت المتعلق بالإستفتاح فقط ، فلا إستفتاح إلا في الركعة الأولى فقط ، دون السكوت المتعلق بالإستعاذة والبسملة ، والله أعلم .
مسألة : هل يجهر بها أم لا ؟
اختلف فيها على قولين :
الأول : أنه يجهر بها فيما يجهر به (أي في الصلوات الجهرية مكتوبة كانت أو نافلة) ، واستد أصحاب هذا الرأي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه صلى بأصحابه فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ، وقال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أجيب عن هذا الحديث بعدة إجابات من أبرزها :
§ أن الحديث متكلم فيه ، وقد ضعفه الألباني رحمه الله .
§ أن قوله (إني لأشبهكم) ، لا يعني المطابقة التامة .
§ أنه يحتمل أن أبا هريرة رضي الله عنه ، جهر بقصد تعليم أصحابه ، كما جهر ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة الجنازة ، وكما جهر عمر رضي الله عنه بدعاء الإستفتاح ، قال يزيد بن الأسود رضي الله عنه : (يسمعنا ويعلمنا) .
وجدير بالذكر في هذا الموضع ، أن الجهر بالبسملة ، هو مذهب الرافضة ، حتى أن سفيان الثوري رحمه الله وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة ، وقد تكلم في الشافعي رحمه الله بسبب موافقته للرافضة في هذه المسألة ، وفي مسألة قنوت الفجر ، والواقع أن هذا لا يؤخذ على الشافعي رحمه الله بأي حال من الأحوال ، بل إنه يدل على تحري أهل السنة والجماعة ، موافقة الحق (فيما يبدوا لهم) ، وإن وافق رأيهم في هذه المسألة ، رأي بعض المبتدعة ، كما أكد على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، ومن أمثلته أيضا موافقة مالك رحمه الله ، في المشهور عنه ، للرافضة في منع المسح على الخفين في الحضر ، وموافقة أحمد رحمه الله للرافضة ، في إستحباب متعة الحج ، والله أعلم .
الثاني : لا يجهر بها ، واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله عنه ، قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال ابن القيم رحمه الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، تارة ، ويخفيها أكثر مما يجهر بها ، ولا ريب أنه لم يجهر بها دائما في كل يزم وليلة خمس مرات حضرا وسفرا ، ويخفى على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه ، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة .
مسألة :
كم حكما للبسملة بالنسبة للوصل والقطع ؟
لها أربعة أحكام :
¨ أولا : وصل الجميع ، أي وصلها بما قبلها وبما بعدها .
¨ ثانيا : قطع الجميع : أي قطعها عما قبلها وعما بعدها .
¨ ثالثا : قطع الأول ووصل الثاني بالثالث ، أي قطعها عما قبلها ووصلها بما بعدها
¨ رابعا : ووصل الأول بالثاني ، وقطع الثاني عن الثالث ، أي وصلها بما قبلها ، وقطعها عما بعدها .
فإن كانت السورة في إبتداء القراءة فيكون قبلها التعوذ ، وتكون الأربعة جائزة ، وأما إذا جاءت أثناء القراءة ، فالثلاثة الأول جائزة ، والرابع غير جائز لئلا يتوهم أنها من السورة التي قبلها .
والمختار في نهاية هذا المبحث ، أن قراءة البسملة ، ليست واجبة ، وإن كانت مندوبة ينبغي الحرص عليها ، وأن الراجح أنها لا يجهر بها لا في جهرية ولا في سرية من باب أولى ، والخلاف في هذه المسألة سائغ ، لا ينكر فيه على المخالف ، ورغم ذلك فإنه لا ينبغي للإمام أن يداوم على عدم الجهر بها ، كما نبه إلى ذلك الشيخ مشهور حسن سلمان حفظه الله في "القول المبين في أخطاء المصلين" ، حيث قال :
ومن أخطاء بع الأئمة : إصرارهم على ترك الجهر بالبسملة دائما في الصلاة ، ويقابل هذا الفريق فريق آخر من الجهال ، حيث يتركون الصلاة خلف من لا يجهر بها ، كما وقع لي (والكلام للشيخ) مع كبار السن في بعض المرات ، وكما هو الحال اليوم في بعض قرى مصر ، قلت (أي الكاتب) : وعلى هذا فالأجدر بالإمام أن يجهر بها ، إذا خاف وقوع الخلل واللغط في الصلاة ، ومما يؤيد هذا ، ما نقله الشيخ مشهور عن الزيلعي رحمه الله ، حيث قال :
وكان بعض العلماء يقول بالجهر بالبسملة سدا للذريعة ، قال : ويسوغ للإنسان أن يترك الأفضل لأجل تأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، خوفا من التنفير ، قلت (أي الكاتب) : طالما كان هذا في حيز ما يسوغ فيه الخلاف ، أو كان في باب المندوبات ، كالإقتصار على رفع الثوب إلى الكعبين ، للخروج من حد التحريم ، دون رفعه إلىمنتصف الساقين ، وهو حد المندوب ، لأجل تأليف القلوب وعدم التنفير بين أوساط من يجهلون هذه السنة ، ثم واصل الزيلعي رحمه الله بقوله : كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ، لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى تقديم مصلحة الإجتماع على ذلك ، ولما أنكر الربيع على ابن مسعود رضي الله عنه إكماله الصلاة خلف عثمان ، قال : الخلاف شر ، وقد نص أحمد رحمه الله وغيره على ذلك في البسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك ، مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول ، مراعاة لإئتلاف المأمومين ، أو لتعريفهم السنة ، وأمثال ذلك ، وهذا أصل كبير في سد الذرائع . اهـ ، بتصرف يسير . |