حلقة
(الكستنائي ...يا هووه)
ظللتُ صامتاً وأنا أنظر إلى بشير الغنيم وقد جنح إلى اللاّشعور حينما صنع لنفسه برجاً يتطاول به على رقاب الناس.
بل أنظر إليه وهو يعيش في كوخ يتأمل رحلة الشفقة إلى عالم الشهرة يبحث عن حقنة الابداع ولكنَّ مرض الفشل قد استشرى في جسده فأضحى لا يقوى على الإبداع .
هكذا ظهر لنا بسلوكياته وتصرفاته ، وخرج من دور الفكاهة إلى السخرية بالمجتمع وأفراده.
لقد أتيح لي كمشاهد للتلفزيون السعودي أن أقف على تلك الهجمة الثقافية أو أستطيع أن أسميه ( التواطؤ الثقافي في غير المشروع ) من خلال ما يعرض في مسلسل ( طاش ما طاش)، وأنا لا أعمم بل أخص ما قام به الأخ بشير الغنيم الأحسائي الذي سخّر كل قدراته المحدودة في السخرية والاستهزاء بثقافة المجتمع الأحسائي ، وأنا واثق أنه لا يجيد قراءة التاريخ الأحسائي المجيد رغم أنه ابن الأحساء وهذا ما يؤسف كثيراً .
اسمحوا لي –أيها القراء الكرام- أن أخرجكم من خندق العاطفة إلى ساحة الواقع ، ومن لغة الصمت إلى شظايا المعاناه من تلك المشاهد المبتذله التي خرج لنا بها هذا الفنان فتطاول على الأحسائيين في العام الماضي في حلقة (الجوَّّال ) حينما كان في الطائرة . فظهر بألفاظ يَمُد ُّ فيها ويُحَرِّف في نبرة صوته ويَمُطُّ الكلام بالشكل الذي يظهر فيه لغة الأحسائي بل والأكثر من ذلك أ،ه كان في لباس باليه وهندام مُزْري واعتمد في تمثيله على الفكر الساذج وكأنه يقول ( هذا هو الأحسائي) .
وفي هذه السنة يكرر نفس السيناريو والمهزلة حينما قام بدور رجل أمن وتقمّصه بهذه الشخصية مستخدماً نفس الألفاظ أسلوبياً ونفس السذاجة في حلقة ( الكستنائي ... يا هووه) وذلك حينما قال:
( عندنا في الأحساء جبل القارة ، والعيون، والتمر) وأنا لا أختلف معه في هذا ولكن لماذا يتجرأ ويبالغ في استخدام اللهجة الاحسائية يثير الضحك عند المشاهد.
بل كيف يسمح لذوقه أن يقبل بهذا الدور الذي يظهر فيه أن الرجل الأحسائي عاطفي، ساذج، يتأثر بالموقف وحصل هذا حينما كرر - في نفس الحلقة – المسامحة لـ( ناصر القصبي ) كون والدته مريضة إلى درجة أن سيبكي مع المخطئ في حق القانون.
هل الرجل الأحسائي بهذه الصورة من الطيبة التي هي أصلاً سذاجة حينما يتعامل مع القانون بالعاطفة.
ماذا تريد أن تنقل لنا يا بشير من فنك الرخيص؟
المشكله هي أنك ترضى بكل ما يُكَلَّف لك من قبل المخرج من أدوار وبإمكانك رفض هذا الدور أو صياغته با سلوب حسن وحضاري يخدم دينك ومجتمعك ووطنك وبيئتك.
هل هذا تَنكُّر لأهلك وبلدك ومنشئتك أم أن هذه هزيمة ثقافية أدت إلى شتات ذاكرتك فأصبحت من الغرباء الذين لا يستطيعون القدرة على التمييز بين النص الجيد والمبتذل مما دعاك إلى أن تستهتر بالأحسائيين بأنهم ليس لديهم أي شخصية ولا رأي ولا قرار.
ولكني أقول ( يا مشي في درب الزلق لا تامن الطيحة)
أم أنك تريد أن تصل إلى الجمهور على حساب التنازل عن مبادئك وقيمك ووطنيتك.
وكلنا نعرف زميلك جعفر الغريب الذي وقع في هذا التخبط في سنوات ماضية حينما أساء للأحسائيين ولكن ( رحم الله من عرف قدر نفسه) فاحترم الأخرين فاحترمه الأخرون.
وإنني لأستغرب أن يشارك بشير الغنيم في هذه الحرب الشعواء على الأحساء وأهلها وثقافتها ولهجتها لأن في تمثيله تعدِّي وتطاول واستخفاف.
وأنا أقول له: إذا أردت أن تصعد السُلَّم عليك بالاتزان في أداء رسالة الفن السامية لا على حساب ثقافتنا ومبادئنا وتراثنا وقيمنا .
وإن خدشك للصورة الجميلة للمجتمع الأحسائي المعروفين بأخلاقهم ونبلهم وأصالتهم وعلمهم لهو أكبر دليل على أنك ( مُنَفِّر لا مُبَشِّر) فلما تأخذ من اسمك إلاّ حروفه الهجائية.
وقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن هذا المسلسل قد استخدم بعض الممثلين من الأحساء لضرب هذا المجتمع في فكره وتراثه واجتماعيته المترابطة مما أدى إلى التجني على ما يقارب المليون نسمه من هذا المجتمع الكريم .
وأريد أن أ ُذكر بشير الغنيم بقول طرفة بن العبد الأحسائي :
وظلم ذوي القربة أشد مضاضة *** على المرء من وقع الحسام المهنَّد
وإن كانت قرابته للأحساء زالت منن خلال تصرفاته التمثيلية وأعماله الكوميدية المفتعله إلاّ أننا نحسبه أحسائياً.
ولا أدري هل يعرف الغنيم أن الكوميديا موهبة وليست أفتعال؟
أتمنى أن لا تصبح دُمْيَة يتلاعب بك المخرجون أينما شاؤوا.
لأن استغلالك لأن تجعل الأحساء مضحكه للناس بتصرفاتك وتهجمك السحيقة في بطن الوادي، وشكلك المزري بعفن ملابسك التمثيلية قد أخرج الأحساء من لباسها المتزن وثقافتها الرائعة بعلمائها وأدبائها ورجالاتها وحضارتها ومفكريها إلى هزّ صورتها ونزعها من عمق التاريخ إلى رصيفه ليضحك عليها القاصي والداني.
والمجتمع الأحسائي مجتمع مثقف من الطراز الأول وأهله أهل حضارة وتاريخ مجيد وقديم.

وأعتقد أن هذا الاستغفال الذي وقعت فيه عليك أن تتحمله لأنني أخشى عليك من الصعود إلى الهاوية فأنت لا تُمَثِّل الأحسائيين إذا كنت ستمثِّلُهم بالضعفاء والجبناء، الذين يسودهم الخوف والهزل ، سذَّاجاً يعجنون ويمدون في الكلام ، يتصرفون بحسن نيَة ، ويلبسون أردى الثياب وأوسخها.
بل هم أرفع من ذلك وأسمى : ويقول شاعرها :

تبقيــــن ملءَ خــواطـــر الآنــــــاء *** زهو النخيل على جين الماء
وعلى جبينك للكواكب منهـــــمــــل *** تنساب فيه مناجم الأضـــواء
أحساء يا دمي المهجر من دمـــــي *** عودي لأوردة إليك ظـــــماءِ
فلأنتِ يا أحساء هامة فـــــــــــارس *** تزهو على بوّابة العليــــــــاء
أنتِ الأصالة أو غلت أعراقـــــــــها *** في تربة الأزل البعيد النـائي
أحساء يا نسيج الأساطــــــــير التي *** منها غزلتُ عباءتي وردائــي
أهواك ما انتصبت نخيلك هيــــبــــة *** تجتاح بالتمر الأبيّ دمــــــائي
فدماء (طَرْفَة) لا تزال بأفقـــــــــــنا *** شعلا تخط مسيرة الشعــراء
و(ابن المقرب) في سعير حـــماسه *** ما زال يشحذ همّة الـــــــبيداء
أفدي شموخك لو قدرت على الفدى *** بشموخ كل حضارة شمّـــــاءِ
أحـــساء يا أمــــلي وكل رجــــــائي *** أفدي بقاك منيعة ببقائــــــــي

وكلمة أخيرة أريد أن أهمس بها في أذن أخي الكريم بشير :
- التزم الدور المناسب الذي من خلاله تقدم صورة ناصعة لبيئتك وتكون بطريقة مهذبة ونافعة وليست بطريقة متبذله وسوقية وسطحية.
- عليك أن تطوّر من ذاتك في مجال التمثيل ونحن لا نمنع أن تكون ممثلاً لا معاً ومعروفا ولكن لا يكون ذلك على حساب سمعة المناطق والمحافظات لأن سمعتها من سمعة الوطن الذي كلنا ننتمي إليه.
- أوجد لشخصيتك الفنيّة هويّة دون اعتبارات إقليمية ، وحافظ على موروثاتك الثقافية و إلآّ ( فليحذر التلميذ من صمت مُعَلِّمه).

وأخير أقول للسلطة الإعلامية : لقد غاب التاريخ والفكر من جسد الفن السعودي وعلينا أن نبدأ من الصفر بأداءٍ واجدٍ متناغم من أجل صناعة مشهد ثقافي فني يخدم ديننا ووطننا وتراثنا ويلزم باحترام الفن نفسه من خلال الحفاظ على مشاعر الأخرين واحترام عقولهم وأفكارهم.

ولكم تحياتي

عبد الله بن علي بن عبد الله الخضير