للدكتور عفيف بدير : تراه مايقرب لاحمد بدير انتبهوا ههههه
من أكثر أيام العمر ذكريات.. هي أيام الدراسة في الجامعة قبل التخرج والانغماس في الحياة العملية، وما تحمله من مسؤوليات تجاه نفسه وأهله ووطنه.
فمن ذكرياتي أيام دراستي الجامعية التي لا يمكن أن أنسى خلالها ما شاهدته وسمعته هو القيام بزيارة ميدانية لمستشفى الأمراض العقلية والنفسية أيام كنت طالباً في السنة الرابعة في كلية الطب في جامعة بدولة مجاورة أنا ومجموعة من الطلبة مع مدرسي مادة الأمراض النفسية. وأنا في الطريق كنت أتخيل ماذا عساني أن أرى في هذا المكان المعزول عن العالم؟ ما نوع المرضى، وما طبيعة مرضهم، وكيف يعالجون ويعاملون؟! وكيف يقضون أيامهم بلياليهم داخل الأسوار العالية ؟ هل كما أشاهده على التلفاز أم عالم آخر؟! إلى أن وصلنا، وهناك استقبلنا مدير المستشفى وبعدما رحب بنا قلت له مازحاً: نحن هنا كطلاب وكزائرين ولسنا مرضى، حتى نضمن العودة وخروجنا سالمين من هنا لا أن تغلق علينا الأبواب ويضمونا إلى نزلاء الداخل. وبعدما طمأنني، بدأنا جولتنا العتيدة بدءاً من العيادات ومروراً بأجنحة يرقد فيها مرضى على أسرة بيضاء لا يختلفون عن مرضى المستشفيات الأخرى العادية، نسلم عليهم ونتجاوب معهم ويرحبون بنا أجمل ترحيب ويستقبلوننا بابتسامات تنم عن سعادتهم لزيارتنا. وفي صباح آخر.. كان كل مريض يحادث نفسه وكأنه يعيش عالماً لوحده. فهذا يعرّف نفسه بهتلر.. وذلك نيكسون.. وآخر يقول أنا: إلى آخر قائمة الزعامات في العالم.
وواصلنا جولتنا إلى أن أتينا إلى جناح - نسأل الله العافية والسلامة - لا يمكن أن أصف ما رأيته.. ولا يمكن أن أتصور أي مدى من الانحطاط يمكن أن يصل إليه الإنسان إذا فقد أهم شيء في حياته وهو عقله الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات.. فهذا الجناح عبارة عن مجموعة من الغرف الصغيرة لا تتجاوز مساحة الواحدة منها 4م* 4م، خالية من أي شيء سوى مكان في إحدى الزوايا لقضاء الحاجة.. وتضم ما بين 10إلى12 شخصاً من النزلاء وهم «كما خلقتني يا رب».. لا يستر أجسامهم ولا حتى عوراتهم أي شيء «طبعاً كلهم من الرجال». كنت أراهم وأنا مصدوم لما أرى.. ولا أكاد أصدق عيني. إلى هذا الحد من الانحدار يصل الإنسان دون عقله؟ وإلى هذا المستوى من الانحطاط يعامل الإنسان أخاه الإنسان؟ ولم أفق من صدمتي حتى صعقت بمشهد رجل تبدو عليه الوسامة بكامل زيه الإنساني.. بذلة رسمية مع رابطة عنق.. يقف بين زملائه العرايا.. وما إن رآنا حتى بدأ يصرخ ويصيح.. «أنا عاقل.. أنا مش مجنون.. أنا إنسان سوي.. والله العظيم أنا بكامل قواي العقلية..وأخذ يسرد قصة فيقول: وضعت هنا بأمر المحكمة.. حيث توفي والدي عن ثروة مالية كبيرة.. وأنا الوريث الشرعي الوحيد له.. وطمع الأقارب في الثروة، وتآمروا علي واتهموني بالجنون.. وبأنني إنسان غير سوي.. وتآمروا مع بعض ضعاف النفوس من الأطباء والمسؤولين واستطاعوا أن يستصدروا أمراً من القاضي بالحكم عليّ بالجنون.. وإيداعي مستشفى الأمراض العقلية، وانفجر في البكاء كالطفل الصغير وأخذ يتوسل إلينا وإلى مدير المستشفى لمساعدته وإخراجه من هنا حتى يسترد حقه، وحتى لا يصاب فعلاً بالجنون إن بقي في هذا المكان.. وأخذنا ننظر إلى جناب المدير ونسأله هل حقاً ما يقول؟! فأطرق سعادته دون أن يجيب ولسان حاله يقول ما أنا إلا كمدير سجن.. يستقبل نزلاءه مطبقاً أوامر الحكم عليهم دون أن يستفسر عن عدالة قضيتهم.
فعلاً "ياما في السجن مظلومون، وياما في المستشفى عاقلون". إلى هذا القدر من الخطيئة يصل بالإنسان أن يزج بأخيه الإنسان البريء في السجن أو مستشفى الأمراض العقلية من أجل حفنة من الدولارات! دون أن نحسب حساباً ليوم يقف فيه الجميع أمام رب العالمين لينال كل واحد جزاءه إن خيراً فخير .. وإن شراً فشر..
وهل صحيح ما سمعت به من وجود عصابة إجرامية في أمريكا، الدولة الحضارية تدير مستشفى للأمراض العقلية، ورئيس العصابة هو مدير المستشفى نفسه، وهو أيضاً طبيب نفساني مشهور في منطقته.. يزج في هذا المستشفى كل من هو بريء وسليم عقلياً ونفسياً؟!
فكل شخص يريد أن يتخلص من شخص آخر كزوجته التي لا يريدها مثلاً أو والده، ما عليه إلا أن يأخذه إلى هذا المستشفى بحجة إجراء كشف عادي أو إجراء بعض التحاليل الطبية، وبعد أن يكون قد سوى أمره مع هذه العصابة ومع رئيسها الطبيب النفساني وينتهي الأمر بهذا الشخص المسكين تحت رحمة هذه العصابة خلف جدران المستشفى العالية.. لا يسمع صراخه واستغاثته إلا رب العالمين.. إلى أن ينتهي به الأمر إلى الجنون فعلاً.. ويمضي بقية عمره كسجين مجنون خلف قضبان المستشفى العتيد.
وشردت بذهني بعيداً وواصلت مع الطلاب الجولة.. وأفقت من شرودي سريعاً وبقيت وسط المجموعة حتى لا أتخلف عنهم ويستفرد بي وأخُتطف من قبل بعض المجانين.. وآخذ في الصراخ والصياح.. أنا عاقل.. أنا لست مجنون.. أنا عاقل أنا لست مجنون.. فلا أحد يسمع أو يصدق.. وإن سمع فلا يصدق.. فكل من في هذا المستشفى «مجانين».. وكلام المجانين لا يصدق..
اااااااااه او انا مدير هالمستشفى كان فيه ناس بدخلهم عندي ضيافة كذا سنة
