حين نقرأ حكايا الناس و تجاربهم نشعر أننا نُشكل جزءا من الحكاية .
من الصورة الكبيرة لعالم تُؤَنِّثُهُ بيوت كبيرة متراصة تعيش الليل و النهار و الأحلام و الإحباطات و كل ما تعنيه الحياة من طقوس من أشكال و ملامح و سنين ضاربة في الزمن، في الأبيض و الأسود، و غبار لا أعرف إن كان هو الآخر يموت... يتجانس و يعيش مثلنا أم لا ...

فكم مرة أَمسكتُ التراب بيدي... أَتَأَمله .. أبحث فيه عن بقايا عظام قديمة، عن حقيقة الإنسان، عن أَثَر أعشاب كانت تُمْسِكُ ظهره... و عن مطر تسلل إلى جسده ذات شتاء...
يوما ما سنصبح جزءاً من هذا الغبار بلا أجساد بلا أحلام بلا خوف، و بلا ساعة مقيتة تدق الثواني و الأعصاب...
حين نتأمل الأشياء بعمق نستنتج أن الحياة لا تستحق كل هذا التعب كل هذا الكم من الصواريخ التي تسقط على مدن كأكوام الجَزَر، و كل هذا الحقد و الدمار.

تحركت مسيرة عاصمة بلدي صباح الأحد الماضي ، لتندد ببشاعة التسلط الإسرائيلي... و بقوته الحديدية التي تجسدها دبابات كثيرة تتجول في شوارع فلسطينية خالية إلا من أطفال يُمْسِكُون الطوب و بقايا قضية .

مشاهد مؤلمة مكروهة تُشعرنا بضعفنا العملاق الذي جعلنا نقف في طابور المنددين الذابل بدل أن نكون أصحاب تلك الدبابات و صانعيها... حينها سنكون أقوياء لنفرض السلام و نمنح أولئك الصغار حضنا و وطنا... و نَبْسُطَ للاجئين طريقا آمنا للعودة.

حينها سنكون أصحاب قضية ، عندها ما كنت وقعت في موقف الرغبة أن اكون من بين المنددين لألاقي الرفض من والدي أعزه الله ، يحبسني لأراه يتقدم المسيرة هو،، سامحك الله ياا والدي الحبيب ...فما كان لخوفك علي من مبرر.

أعرف ان وجودي مثل غيابي فهو لن يضفي على القضية في شيء مثلي مثل الملايين التي واكبت الجنازة ...اقصد المسيرة ...

لكن...
أريد ان أصرخ بِعُلُوِّ صوتي و لو مرة واحدة ...أريد ان أخرج من هدوئي و سلاستي و سكينتي و أعبر عن يأسي، أريد أن أُنزِل وابل الشتائم على العرب و الغرب دون استثناء ... أريد أن أخرج من صمتي و أعبر بصوتي لأقاصي البلاد ...

أريد أن أندد و أهدد و أستوعد ...ثم ما إن أبوء بالهرب شكلي شكل كل إخواني العرب ...