كابيللو تفوق تكتيكياً وقراءة ريكارد خاطئة
كان الأمر أشبه بلعبة الشطرنج، فمن يعرف تحريك البيادق نحو الاتجاه الصحيح وبشكل حاسم يخرج فائزاً من المباراة.
هذه هي حال مدربي ريال مدريد الإيطالي فابيو كابيللو وبرشلونة الهولندي فرانك ريكارد في لقاء "الكلاسيكو" السبت الذي انتهى بتعادل الفريقين (3-3)، إذ جلس الرجلان يحصران أفكارهما ويحاولان ترجمتها عبر جنودهم الذين لم يبخلوا بذرة مما يملكون ليقدموا في النهاية أفضل مباراة "دربي" بين الفريقين منذ فترة طويلة، وذلك رغم الملاحظات السلبية التي أحيطت بهما إثر خروجهما بخفي حنين من مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
الفائز باللقاء فنياً قصة أخرى، إذ أن "الكلاسيكو" وفى هذه المرة بتقاليده العريقة أعاد روح المنافسة الشرسة بين قطبي الكرة الإسبانية على الأقل ناحية المعركة التي حدثت داخل المستطيل الأخضر بعدما انكفأت الصحف المحلية مخففة من لهجة انتقاد الفريق المضاد بحسب ما جرت العادة، وذلك لإدراكها أن الفريقين في وضع لا يحسدان عليه.
كابيللو، مهاجم ريال الهولندي رود فان نيستلروي أم الأرجنتيني ليونيل ميسي، هو نجم المباراة الحقيقي؟
سؤال يطرح بقوة عند قراءة المباراة من الناحية الفنية, لكن من دون إسقاط الدور الحاسم للاعبين في انتشال فريقيهما، فإن الأمر الواضح أن إستراتيجية المدربين كابيللو وريكارد كان لها الأثر الحقيقي في إرساء النتيجة النهائية.
تفوق يُحسب للإيطالي
بدءاً من التكتيك الذي اعتمده الإيطالي المدرك أن مصيره ضائع في المجهول قبل بداية الموقعة، فإنه يمكن الجزم أن كابيللو تفوق بأشواط عدة على ريكارد الذي أمكنه رد الصاع لو عرف قراءة خطة خصمه في شكل سريع أو حتى تخلى عن بعض قناعاته الطارئة والمستغربة في آن معاً.
وبدا عبر التشكيلة التي دفع بها كابيللو أنه تعلم درساً قيماً من خسارته الامتحان الصعب أمام بايرن ميونيخ الألماني في دوري الأبطال، إذ نصب المدرب المخضرم عماد مجموعته في خط الوسط وقوامه "المقاتلين" غوتي المزعج دفاعاً وهجوماً، وإلى جانبه المالي مامادو ديارا المحظوظ لعدم طرده بالبطاقة الحمراء بسبب كثرة الأخطاء، والأرجنتيني الشاب فرناندو غاغو الذي كان غالبية الأحيان في المكان المناسب بتدخلاته المميزة.
من هنا، لا يخفى أن خط وسط ريال مدريد رجح كفته، وهذا ما ظهر جلياً للعيان كون الثلاثي غوتي وغاغو وديارا فاق بدنياً ثلاثي منافسه البرتغالي ديكو وخافي هيرنانديز و إينيستا أصحاب النزعة الهجومية أكثر منها دفاعية، وأكد حجم الخطأ الذي ارتكبه الفريق الكاتالوني بالتخلي عن الهولندي مارك فان بومل الذي أحدث فارقاً واضحاً خلال مباراتي ريال والفريق البافاري، في منطقة الوسط التي تحتاج إلى لاعبين أشداء في صراعات مماثلة، وهذا ما قد يدفع برشلونة إلى بدء التفكير باستقدام لاعب في مركز الوسط المدافع للموسم المقبل عوضاً عن تعزيز خط الهجوم.
ومن الناحية المدريدية أيضاً، لعبت خبرة فان نيستلروي دورها مقتنصاً الهدف الأول الذي حشر برشلونة في الزاوية بعدما دخل الكاتالونيون المباراة متسلحين بثقة أكبر بفعل خوضهم إياها بتشكيلة كاملة مقابل غياب أكثر من عنصر أساسي عن ريال وعلى رأسهم المدافع الإيطالي فابيو كانافارو والإنكليزي ديفيد بيكهام وخوسيه انطونيو رييس.
واقلق فان نيستلروي راحة دفاع برشلونة رغم وجوده وحيداً في أحيان عدة داخل المنطقة، وهو عرف كيفية الهروب من الرقابة أثناء الهجمات المرتدة السريعة التي اعتمدها فريقه، إلى حمايته الكرات التي وصلته بانتظار انطلاق زملائه لزعزعة خط الظهر الكاتالوني، ولم يعيب الهولندي سوى الأنانية في مناسبتين مفضلاً إصابة الـ"هاتريك" الذي حرمه منه الحارس فيكتور فالديس بصدة أسطورية.
ريكارد يخطئ مجدداً
أما ريكارد فقد وقع في المحظور مرة أخرى، إذ تأخر مجدداً في قراءة أحداث المباراة على غرار ما حدث منتصف الأسبوع الماضي أمام ليفربول الإنكليزي ما تسبب بخروج حامل اللقب من المسابقة الأوروبية الأم.
ويبقى السؤال الأبرز المطروح عن ماهية تخلي ريكارد عن خطة 4-4-2 التي جلبت النجاح للفريق على الصعيدين المحلي والأوروبي طوال الموسمين الماضيين، إذ أن اعتماده على ثلاثة مدافعين ثابتين في الخط الخلفي محتفظاً بشاغلي الأروقة على مقاعد البدلاء، منح ريال فرصة الإحكام على خط الوسط والانطلاق بالهجمات المرتدة ومعها تتحول خطته إلى 4-3-3 مما يفرز زيادة عددية واضحة وتترك بعض عناصر "الميرينغيز" بعيدين عن رقابة مدافعي "البلاوغرانا".
وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه إخراج ريكارد لديكو غير النافع لتعبئة الفراغ الذي خلفه طرد أوليغير على الجهة اليمنى، عمد الهولندي في خطوة غريبة إلى تعزيز الناحية اليسرى بإدخال سيلفينيو، قبل أن يتدارك الوضع في شكل متأخر بسحب البرتغالي والدفع بالظهير الأيمن البرازيلي بيليتي مقابل إسناد المكسيكي رافايل ماركيز (خاض مباراته المئة مع برشلونة في بطولة الدوري) الذي لم يكن في يومه دور لاعب الوسط المدافع، الأمر الذي أعاد السيطرة على الكرة لمصلحة أصحاب الأرض ومكنهم من تسجيل الهدف الثالث.
ميسي رجل المباراة
ويبقى ميسي رجل المباراة الأول الذي خطف الأضواء من الجميع محولاً ليلة الظهير مانويل توريس أبرز اكتشافات الموسم إلى كابوس حقيقي، والأمر عينه ينطبق على مدافعي ريال الآخرين الذين عجزوا عن إيقاف انطلاقته الصاروخية باتجاه المرمى في الدقائق القاتلة.
وعموماً كان ميسي (أول لاعب يسجل "هاتريك" في الـ"دربي" منذ البرازيلي روماريو موسم 1993-1994 عندما أسقط برشلونة خصمه اللدود 5-0) الوحيد تقريباً من بين لاعبي "البرشا" الذي عرف الهروب من الرقابة والانطلاق بسرعة في ظهر الدفاع (الهدف الأول)، مضطلعاً بالتالي بالدور الحر الذي لعبه سابقاً البرازيلي رونالدينيو أسير الرقابة الدفاعية اللصيقة وخطة ريكارد التي أجبرته على الالتزام بشغل الناحية اليسرى.
إلا أنه مما لا شك فيه أن الحلول الفردية التي اعتمدها "روني" وميسي إضافة إلى التمريرات البينية القصيرة كان لها وقعها في إعادة برشلونة إلى المباراة في كل مرة تخلف فيها.
مجمل القول إن كابيللو تفوق فنياً وريكارد هام في دوامة البحث عن الخلطة السحرية، ويبقى مصير الرجلين منوطاً بسيناريو الحلقات المقبلة في مسلسل "الليغا" الإسبانية وعنوانه "من سيسبق الآخر إلى مقصلة الإقالة؟".