هذه صفحة من مذكراتي تحكي لحظة من الحظات العصيبة التي تمر بها عائلتي من خلال قضية ملفقة .. مزيفة لا أصلا لها من الصحة ..هراء.. كذب.. صُب على والديّ هم منه براء والله شهيد على ذلك..

منذ قرابة تسعة أشهر ونحن نتردد على المحاكم...
من هنا أسطر حدث أو موقف من هذه المحاكم...

في صباحً باكر من يوم الخميس رافقتُ والديّ أنا وأختي نورة وأخي تركي حيث موعد محكمة المقاطعه, والكل يشعر بقلق شديد وتوتر, وهذا الشعور يراودنا في كل محكمة..كان الجو البارد.. الثلج يتساقط بشدة ..توقعنا إلغاء المحكمة لسؤ الجو.. الطريق مزدحم بالسيارت.. الرؤية منعدمة..وصلنا إلى المحكمة بعد عناء... استقل بنا المصعد إلى الدور الرابع حيث القاعة 402 اتجهنا إليها إذا بهيئة الدفاع تنتظر بالخارج لحين بدأ المحكمة ألقينا عليهم التحية توجهت والدتي الى محاميتها لتتاكد أن المحكمة اليوم هي محكمة عادية وغير مقلقة, فطمئنتها المحامية.. جلسنا على كراسي الإنتظار بدأء الحضور بالتوافد منهم إخوننا المسلمين ومنهم أساتذة وطلاب من جامعة والدي..بعد برهة فتحت أبواب القاعة وأذن لنا بالدخول دخلنا وتبعنا هيئة الدفاع والكل أخذ مكانه في القاعة,حيث تقدم هيئة الدفاع إلى منصة الدفاع وجلس الحضور في المقاعد الخلفية جلنسا وجلس والديّ معنا لحين أن يؤذن لهما بالتقدم الى منصة الدفاع..

فجأة حدثت مساورة وأخذ وعطاء بين محامي والدتي وبين المدعي العام ,بعدها طلب محاموا والدتي أن ترافقهم خارج المحكمة..

فوجئ والديَ بذلك.. تمتم أبي في أذن أمي بكلام لم اسمعه علمت فيما بعد أنه كان يوصيها بالثبات والإتكال على الله سبحانه والإستعانة بالإستخارة..
مضت عشر دقائق ثقيلة وكأنه ساعات بدأنا نشعر بالقلق على والدتي ,طلبت من والدي أن نذهب أنا وأختي لنطمئن عليها لكن والدي طلب منا التريث في الأمر..
مضت عشرون دقيقة ... ثلاثون ... لم أتمالك نفسي خرجنا من القاعة وأخذنا نجوب الممرات نبحث عنها بكل قلق. نزلنا الى الطابق الأسفل وجدت قاعة إجتماعات كبيرة فتحت الباب فهالني ما رأيت ..رأيت أمي المسكينة محاطة بمحاميها وأُناس لم أعرفهم , اقتربنا منها وجدنها قلقة تخنقها عبرات الحيرة ,سألتها هل أنت بخير طمئنتنا وطلبت منا أن نكون بعيدين خشية أن نسمع ما يدار .. طرقتْ إلى مسامعي بعضاً من التهديدات المُرعبة التي كانوا يوجهونها لوالدتي...أصغيتُ مسامعي ....أقتربتُ لاشعوريا.. سمعتُ تهديدات بالسجن ...سنة كاملة...سبع سنوات ..سجن مؤبد ...علمتُ أنهم يتكلمون عن العرض الذي قُدم لأمي منذ عدة أشهر (هو الإعتراف بتهمة واحدة وإسقاط باقي التهم عنها والسجن لمدة تسعين يوم مقابل الموافقة) ولكن أمي كانت رافضة تماما لهذا العرض ,فكيف تعترف بشئ وهي منه بُراء ..علاوة على ذلك أن فيه الإلحاق بالضرر على قضية أبي.
أحسست بالفاجعة حينما فكرت لوهلة أني سأفقد حبي وحناني..سأفقد أمي وضمت صدرها.
ومع كثرت الإلحاح والضغط طلبت أُمي لحظات تخلو بها مع نفسها ..حاولت اللإقتراب منها في هذه اللحظات فأشارت لي بيدها ان أبقى بعيدة ..
لن أنسى ذلك المشهد ... رأيت أمي ترفع يديها تدعو الله وتلتجأ الى الله في هذه اللحظات العصيبة ...
بدأت أختي نورة تجهش بالبكاء وتعلقت بذراع أمي وأصبحنا نترجاها ونتوسل إليها بدموع تشهد عمق مأساتنا لقبول العرض خوف عليها من السجن وذلته,لكنها تثبت نفسها وتظهر لنا القوة.. وقلبها يتقطع ألما وحسرة من شدة الحدث..
بكائنا واصرارنا شجع المحامين على الضغط عليها للموافقة وأخذ العرض من أجل أطفالها, لكن أمي اصرت على الرفض..ازداد ضغط المحامين مع ازدياد هلعنا لعلها توافق في أخر لحظة فما كان من أمي إلا أن انتفضت قائمة بكل عزة وشموخ معلنة بذلك إنتهاء الجلسة والتوجه إلى قاعة المحمكة ..
استبقتهم أمي إلى القاعة ونحن بين ذراعيها تضمنا إلى صدرها مما اشعرنا بدفء الحنان الذي طمئننا تلك الحظات..
أقبلنا على القاعة فإذا بأبي ومحاموه خارج القاعة أقبل وأبي علينا وقد بدا عليه قلق شديد.
طمئنته أمي علينا وبعدها توجه الجميع إلى المحكمة لبدء المحكمة ...
موقف بسيط من مواقف كثيرة عصيبة نمر بها دائما قد حفر في ذاكرتي.. أذكره بالليل والنهار يثير في نفسي دواعي الصبر على الإبتلاء لكنه في نفس الوقت ومع مرور الأيام يشعرني بالفخر والإعتزاز بوالديّ الحبيبين على ثباتهم وقوة صبرهم .
حبيبي أبي ...حبيبتي أمي...
إن بعد الليل فجرا.. وبعد الظلام نورا... وبعد العسرِ يسرا.
النصر قادم والفرج قريب
عهداً لكما علي أنا وإخوتي بالدعاء بالفرج طالما راية النصر لم ترفرف على بيتنا
أملي أن يكون هذا هو ديدن كل محبٍ لعائلتنا المظلومة بالنصر والفرج القريب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمى التركي
ابنة المعتقل الطالب السعودي حميدان التركي
25-2-2006