المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 03/09/2001, 10:23 PM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 05/08/2001
المكان: الرياض
مشاركات: 122
Arrow امرأة

حين استلم أول شيك في حياته .. عام 1394 هـ .. كان الشيك بمبلغ 372000 ريال .. ذهلوا .. قالوا له متعجبين : ما يبكيك يا محمد ؟؟
قال وهو يجفف دموعه : لا تظنوا أني بكيت فرحاً فالدنيا عابرة , تذكرت أمي رحمها الله حين أخرجتني إلى العمل وأنا الطفل اليتيم وأغلى شئ في الحياة عليها وأعمل بلقمتي فقط .. فلم يكن في بيتنا لقمة ..
ومحمد الآن في الخمسين من عمره .. الذكرى تتسرب أمامه كسرب القطا .. في تلك القرية الصغيرة من قرى نجد .. انه لا يزال يذكر .. أنه كأنما يراها الآن في ذلك الماضي البائس القديم .. مع غروب الشمس تشتد الحركة في القرية الراكدة .. فالرعاة يقبلون .. والماشية تزحم الطرقات وترسل ثغاءها الحزين في عنان السماء .. آسفة على انصرام النهار وإقبال الليل .. والأهالي يخرجون لاستلام مواشيهم .. والسواني تحن بمواوليها .. وطيور المساء تصوّت منادية إلى الأعشاش .. والفلاحون يقبلون على حميرهم الهزيلة ليأووا إلى بيوتهم بعد يوم من الكد عصيب .. وبعضهم يقبل سائراً على قدميه رث الهيئة خاوي النظرات .
مع غروب الشمس يخرج الأهالي لاستقبال ماشيتهم ليقوموا بدورهم بمصادرة ما رعت تلك الأغنام الهزيلة من نبات صحرائهم القليل .
يذكر كأنما حضرت الذكرى أمامه فهي لا تميل ولا تزول .. حين أقبلت أمه رثة الهيئة .. وحيت الراعي على استحياء .. ثم أمسكت شاتها الهزيلة بحنان وقادتها في الطرقات الضيقة الشاحبة .. وقادته هو باليد الأخرى وهو طفل في التاسعة من عمره حافياً رثاً شاحباً كتلك الطرقات .. حتى وصلت إلى باب هو جذع مُشَذَّب لنخلة مريضة .. دفعت الباب فصدر له أنين .. دخلت تجرجر شاتها ووليدها حتى انتهت إلى حوش كريه الرائحة .. هنالك تركت الشاة وأسرعت فأحضرت إناء قديماً لا يُدْرَى أمربع هو أم مدَّور .. ثم مسحت على الشاة بحنان وابتدأت تحلب من الشاة .. ووجهها ينعصر خشية أن يشح الحليب .. بعد مزيد المحاولات اليائسة لمزيد من الحليب نهضت المرأة وهي تنظر إلى الشاة برحمة كأنما تعتذر لها عن إلحاحها في طلب الحليب .. وتقول لها : (( لو عقلت الكلام يا شاتي لعذرتيني فإن ورائي أربعة أيتام لا يعرفون للزاد حتى تعودي )).
أمسكت بالإناء كأنما تمسك خيط الحياة وخطت وهي تسمي وتحوقل .. وخرجت من الغرفة القذرة إلى غرفة صغيرة فيها فتيلة من النور تومض بضعف ولكن فيها نور الأرض بأجمعه ونور العين طفلاتها اليتيمات الثلاث .. وطفلها وسندها الذي يسير وراءها كالخروف الصغير الضعيف .. دخلت فوضعت الإناء بحذر على حجر صغير ثم أوقدت النار ووضعت عليها الإناء بعد أن ملأته بالماء .
قالت ابنتها الكبرى ذات العشر سنوات وهي تشرب الحليب : يا يمه .. ما جاء أهل الصدقة ؟؟
قالت الأم بتحسر : لا .. لو جاءوا لقدمت لكم خبزاً مع الحليب .رمشت الصغيرة ببراءة .. وتسلى هو باللعب على يديه ورجليه : (( كم كان أبوك يضحك حين كنت تلعب هكذا .. ايه .. الدنيا ما هي بدايمة .. الله يرحمه .. الله يجمعني به في عليين .. تسألني البنت عن أهل الصدقة .. وأنا أسأل نفسي بالليل والنهار .. إذا قدموا سأقدم للصغار خبزاً .. وسأشعل التنور .. الذي عاد قبراً .. وسأسمع بكل أعصابي إلى أسنان الصغار وهي تطقطق في الخبز لي ثلاثة أشهر بلياليها لم أسمع صرير أسنانهم .. لم أوقد التنور )) .
تمر الليالي أبطأ من خطى المريض .. يقدم أهل الصدقة .. وتكاد الأم تطير فرحاً .. وتخبره وتخبر الصغيرات .. ويطوف أهل الصدقة يعطون كل بيت فقير خمسة عشر صاعاً من البُرِّ .. وتظل الأم تستيقظ مع الطير .. فتفتح باب بيتها وتجلس عنده بترقب وشوق .. يفز قلبها كلما لمحت زولاً .. تحسبهم أهل الصدقة .. تظل عند الباب من الصباح إلى المساء تخشى أن يتعدوها أو يحسبوا بيتها بيت أموات .. كثيرة البيوت الصامتة في القرية والميتة .. منذ سنة جاء الوباء فجعل الأشياء كالرميم .. حتى إذا اقترب أهل الصدقة من بيتها أحست أن قلبها يمشي في صدرها .. يتحرك ويحتر وتملؤه الغبطة .. ولكنهم يسألون عنها فيقول كهل كان قد خطبها بعد وفاة زوجها فرفضته : (( هالمرأة مات زوجها ونامت على أموال ما تستحق الصدقة )) .
ويميل أهل الصدقة عن بيتها ويجن جنونها ويبلغ من القهر نهايته وتلحقهم في الطرقات لاهثة منهوكة تتضارب على فمها الكلمات : ((خافوا من الله وهل ترك زوجي أموالاً حتى أنام عليها ؟؟ إنما ترك طفلاً وثلاث بنات أقرحت أفواههم من أكل الشجر .
ويرد أهل الصدقة : يا امرأة .. نحن لا نعرفك .. أهل ديرتك أخبر بك .
وتعود لا تدري أين تعود .. تتلمس الطريق كمضروب على رأسه تظلم الدنيا أمامه فيترنح .. وتخرج إليها اليتيمات في تساؤل ذليل .. وتندفع إلى سطح البيت الهزيل .. ترفع يديها إلى السماء وترفع قلبها في اليدين : (( رب أشكو إليك ضعفي وجوعي .. يتيمات مدفونات بالحياة .. وطفلا على بابك .. لا خاب طلابك )) .. وأحست بالدمع الحاد على العين والخد .. وبجسمها كله ينتفض .. ثم رأت الأطفال في لوعة .. تجلدت وصمتت .. وفي الصباح فتحت بابها من جديد .. وظلت خمسة عشر يوماً تجلس عند الباب من طلوع الشمس إلى الغروب .. لعل أهل الصدقة يعودون .. عسى .. عسى .. ولكنهم لم يعودوا .
الجفاف يشقق الأرض .. والدهر ينوخ كبعير لا يريم .. الصمت والجوع والعمل الكادح .. عملت بيديها حتى تشققت اليدان واللقمة لم تملأ اليد ولم تملأ الفم .. في فجر القرية وقبل أن يبزغ النور كان هناك نسوة متلحفات السواد .. متحجبات لا يُعْرَفْنَ ولا يردن أن يعرفن .. يطرقن أبواب القرية بصمت .. الكل يعرف ما يردن .. تمرة .. كسرة .. ما يسد الرمق ويدفع غائلة الموت .. لا يتكلمن .. لا ينبسن .. يكتفين بقرع الأبواب .. إذا تكلمن عُرِفْنَ .
أهل القرية يعرفون القصد .. وعلى الشظف والجوع يقاسمون الطارقة بليل الكسرة والتمرة ويسير اللبن .
ربما كانت منهن .. ربما كانت تطرق الأبواب والفجر مقبل .. لا يدري .. كل ما يدري أنها نظرت إليه .. بحنان ورحمة وطلبت أن يشتغل مع آل فلان .. وهو في التاسعة .
وخرج معهم قبل بزوغ الشمس .. وحرث وسقي .. وأعمل يده الطفلة بين المساحي والشوك والأفاعي .. مقابل تمرة يأكلها .. مقابل كسرة تبقي أنفاسه تتردد .. الأم تعمل وهو يعمل وأخته الكبيرة ذات العاشرة من طلوع الشمس إلى الغروب .. على مدى سنوات .
مرت سنوا ت ونزحت الأسرة إلى الرياض .. وتغيرت الأحوال كلها .. وأصبح الطفل اليتيم موظفاً .. وصار يعول أهله .. أمه وأخواته .. لا تزال الحال بسيطة ولكنها رائعة .. البيت الصغير بالإيجار والمائدة متواضعة .. ولكن بين يدي من يعلمون قيمتها حق العلم ويرفعونها على رمش العين .. لا تزال تجلس على المائدة عجوز كفيفة لا يفتر لسانها عن ذكر الله .. تحمده كلما وضعت يداً أو رفعت أخرى .. بين عينيه كأنما يراها بمهفتها الصغيرة تحركها يميناً وشمالاً وتقرأ ما تحفظ من القرآن وتترحم على والديها .. بسجادتها القديمة لا تكاد تقوم عنها من صلاة إلى صلاة .. لا يزال يذكرها بين عينيه كأنما يراها .. تأكل من فتاة المائدة .. وتهدي الجيران ولا ترد طارقاً على الباب .. وماتت فما حزن حيٌّ على ميت كما حزن عليها .
كان يوم جمعة .. وصلى عليها ودعا لها .. وبكى عليها وأحس أن جزءاً من قلبه يودع بارد الثرى .
دارت السنين دورتها ووضع يده في العقار .. فإذا النقود تنهال عليه .. ودون جهد ودون أن يخرج طفلٌ في صقيع الفجر يعمل بلقمته ودون أن تجلس امرأة مسكينة أمام بيتها في انتظار أهل الصدقة .. وكان يحمد الله على النعمة التي عرف قيمتها .. لأن إنساناً لم يكابد ما كابد ولم يكافح ما كافح ولم ير ما رأى .. لأن إنساناً لم ير القراح في شفاه أخواته من تتابع الفقر والجوع .. لأن إنساناً لم يجرب كيف يعمل طفل بأظفاره وأسنانه من طلعة الصباح حتى غيبة الشمس التي لا يكاد يميزها من الكلل والتعب ليظفر بتمرة أو كسر لا تسمن ولا تغني من جوع .. ليعود لأم مريضة وأخوات جائعات .
إنه اليوم يجلس بين أولاده مرفهين منعمين وبسمة السرور .. لا يزال يرى للنعمة حقها كل حقها .. لا يزال يرعاها كما لم يرع إنسان نور بصره .
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13/09/2001, 01:40 PM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 29/04/2001
المكان: ثرمـــــــــــــــــــــــــداء
مشاركات: 518
تسلم يمينك يا/undertaker
ففعلا هذه القصة تحكي واقع كثيرا من الأسر في السابق0
لا أخفيكم سرا فقد خنقتني العبره وكدت أبكي رحمة وشفقه بحال تللك المرأة ، وحقدت على ذلك الرجل الذي منع رجال الصدقه من أعطى تلك المرأةمايسد جوع أطفالها وتمنيت أن أراه الآن لكي أذكره بالله وظلمه لتلك المراه المسكينه0
ســـــــــــــــــــــــــؤال؟
هل هذه القصة حقيقية أم من نسج الخيال؟
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 10:39 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube