سيدي..
أعرف أن مهامكم جسيمة، وأعرف أنكم تشرفون على النشء و توجيههم في كل ما ينفعهم، وبالذات في المجالات الرياضية . وقد قيل قديماً : العقل السليم في الجسم السليم . ولعل ثقة ولاة الأمور - حفظهم الله - بكم، تنبع من أنكم – بحول الله وقوته – أهلٌ لما أوكل إليكم من مهام ومسؤوليات، نسأل الله جل شأنه أن يُعينكم عليها، وأن يمدكم بتوفيقه .
سيدي :
بدرت من المدعو منصور حمدان البلوي بعض التصرفات، والتصريحات والممارسات، والاستفزازات، التي ليس لها علاقة بالرياضة من قريب أو بعيد . وهي بالمقاييس الوطنية إثارة للمناطقية، و إشعال للأحقاد بين أبناء الوطن الواحد، وتكريس لثقافة الكراهية بين الشباب . كل ذلك يتم تحت ذريعة المنافسات الكروية. ومثل هذه التصرفات لها تبعات ومحاذير، وربما تؤول بنا إلى نهايات، قد يكون فيها الشر كل الشر، نسأل الله جلت قدرته أن يجنب بلادنا شرورها.
والبلوي يتحملُ مسؤولية، وينوء بمهام، بصفته رئيساً لنادٍ جماهيري، لا تؤهله لها – على ما يبدو - إمكانياته و لا قدراته الثقافية والإدارية وربما العقلية أيضاً. مؤهله الوحيد أن لديه (مالاُ) وبعد ذلك لا شيء.. ويريد أن يوظف ثروته لخدمة نجوميته وزعامته وعشقه المرضي للظهور، دون أن يعي أن ما يمارسه، وما يقدم عليه، هو بكل المعايير إثارة للفتن بين أبناء الوطن الواحد، وتجديف نحو تكريس ثقافة (التقسيم) بين شبابه على أسس إقليمية، بحجة المنافسة بين الأندية. ومثل تصرفات هذا الإنسان المحدود، والذي يبدو أنه لا يعي خطورة ما يمارسه، ولا ما يقوله، ولا تبعات وآثار ما يصرح به لوسائل الإعلام على الوطن وشبابه، يجب أن نتنبه لها، ونرصد آثارها، ونستشرف مآلاتها، قبل أن تذهب بنا إلى نقطة اللا عودة.
وأنا هنا لا أتهم الرجل، ولا أقول أنه صاحب مشروع إفسادي يقوم به عن وعي وسابق تصور وتصميم، بل على العكس من ذلك تماماً.. هو إنسان بسيط محدود على ما يبدو، لديه رغبة في الظهور والنجومية، ومن أجل ذلك لا يمانع أن يضحي بنصف ما يملك في سبيل أن يصبح اسمه مشهوراً حتى وإن بالً في بئر زمزم.
انحدار وعي هذا الإنسان المتورم شكلاً ومضموناً قد يشفع له عند المحاسبة والعقاب، مثل ما يشفعُ للقاصر – مثلاً - صغر سنه وانحدار وعيه، ولكن لا يمكن أن يكون البتة مبرراً لأن يبقى ويعيث في البلاد وشباب البلاد فساداً وتخريباً بحجة أن لديه مالاً، وأنه معطاء في خدمة الرياضة والرياضيين، فليس بالمال وحده تبنى البلاد، وليس بالمال يُـقاد الشباب، وليس بالمال ترسّخ القيم وترتفع الأمم، وإنما بالعقول و الرؤية الحصيفة الهادفة التي من شأنها تكريس الوطنية والثقافة والوعي، والارتقاء بقيميّة الأخلاق، وشحذ الهمم من خلال التنافس الشريف، الذي يقوم على مبدأ أن التنافس وسيلة، وليس غاية تباعُ من أجلها قيمنا ومُثلنا وأخلاقياتنا وأعصاب شبابنا .
قبل البلوي كانت المنافسات الكروية تنطلقُ من المدينة الواحدة، ولم تكن – كما تعرفون – لها أية أبعاد مناطقية أو إقليمية، وبعد البلوي وتصريحاته واستفزازاته أصبحت هذه المنافسات تتمحور على أساس مناطقي، تذوب في غاياته و أبعاده ومراميه (الوطنية) التي هي أغلى ما نملك كسعوديين .
كانت المنافسات بين الهلال و النصر في الرياض، وبين الأهلي و الإتحاد في جده . وكانت جماهير الرياض الهلالية تقفُ مع الاتحاد انتصاراً لفريقها، أو مع الأهلي إذا كانت نتائجه تصب في مصلحة الهلال. وجماهير النصر كذلك . وما ينطبق على جماهير الهلال و النصر ينطبقُ على جماهير الأهلي و الإتحاد أيضاً، الأمر الذي خلق في المحصلة النهائية تواصلاً وتناغماً وتشابكاً بناءً بين شباب مناطق المملكة كان من أهم نتائجه تجاوز التعصب الإقليمي وتكريس الوطنية، التي كانت تتجلى في أبهى وأجمل وأرقى صورها عندما تمتلئ شوارع مدن البلاد، متوشحة بالأبيض والأخضر، لا يهمها منطقة، ولا تنتمي إلى مدينة، فكلها وملؤها وعشقها شيء يُسمى الوطن . فلماذا نترك هذا التافه المأفون يهدمُ ما بنيناه، ويكرس الأحقاد والبغضاء بين شبابنا، ويُضرم النار في أغلى ما نملك ؟
إنها – يا صاحب السمو – رسالة من مواطن يحملُ هموم هذه البلاد على كتفيه، ويسيلُ بها مَداد قلمه، ويعشق وطنه حتى الجنون، ويأبى أن يرى صغار القوم وسفهاءهم يعبثون بمقدرات الوطن ونحن عنهم غافلون . كل أملي أن تقرأها، وأن تجد ما أتمنى أن تجده من الاهتمام، وأنتم – ياسيدي – أهل لقيادة المسيرة الشبابية، وفقكم الله، وجعلكم خير خلف لسلفكم العظيم الأمير فيصل بن فهد رحمه الله . والسلام عليكم.