هذا ما حدث بالفعل دون إضافة أو تعديل. فقد أدين الصحافيان بتهمة "التآمر لخرق قانون الخدمات المالية" من خلال التلاعب في معلومات تتعلق بالأسهم

لحث المستثمرين ونصحهم بشراء أسهم في شركات معينة كانا يملكان فيها أسهما من خلال تحليلاتهما الصحافية. وقد عرف عن الصحافيين بأنهما
كانا "يشتريان أسهما في شركات معينة ثم يكتبان عنها تقييما إيجابيا في عمودهما اليومي وبعد أن ترتفع الأسهم يقومان ببيعها بنسبة أرباح معتبرة".

الصحافيان يواجهان عقوبة السجن لمدة سبع سنوات أو بفرض غرامات كبيرة. أعتذر من القارئ الكريم أنني لم أشر إلى مكان الحادثة حيث تذكرت ما يعانيه

متداولو الأسهم في السوق السعودية من بعض محللي القنوات الفضائية، وهم قلة، وما يعانونه من محركي مواقع الإنترنت وشبكات الجوال وباعثي رسائل

التوصيات اليومية دون أن يتخذ أي إجراء رسمي ضدهم، فأردت أن أدخلهم في جو من الأحلام الواقعية التي تحدث وقائعها خارج الحدود فيفرحون وكأنهم

جزء من المستثمرين الذين يسجن من أجلهم صحافيان يعملان في إحدى الصحف الواسعة الانتشار وذات النفوذ القوي من أجل بضعة آلاف من الجنيهات

الاسترلينية. نعود إلى الخبر، فالخبر نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" ووقعت أحداثه في بريطانيا. تشابكت خيوط القضية حتى أصابت رئيس التحرير وزوجته

ومستثمرين آخرين أحدهم يمتلك موقع إعلانات على شبكة الإنترنت بتهمة "التآمر مع الصحافيين لإعطاء انطباع مضلل حول قيم الاستثمار". وجاء في الخبر

أيضا أن "نتيجة المحاكمة تمثل انتصارا لوزارة التجارة والصناعة البريطانية التي كرست خمس سنوات من جهودها ووقتها الثمين من أجل إنهاء القضية بطريقة

تحفظ حقوق المواطنين" بقي أن أذكر أن الأرباح التي تحققت من تلك الصفقات لم تتجاوز 100 ألف جنيه استرليني خلال أربعة أشهر فقط. 100 ألف جنيه

دفعت وزارة التجارة لفتح تحقيق موسع مع جهة صحافية نافذة ولمدة خمس سنوات من أجل حماية المواطنين!!!. ماذا تراهم يفعلون لو أن خسائر المتعاملين

في سوق الأسهم تجاوزت مئات الملايين كما يحدث هنا؟!.
نعود إلى الواقع، إلى سوق الأسهم السعودية وما يحدث فيها من تجاوزات تسجل ضمن "التآمر لخرق قانون الخدمات المالية"، ونبدأ بمحللي القنوات الفضائية

وهم كثر ومنهم المتخصصون وأصحاب الخبرة وقلة منهم تشعر من خلال تحليلاتهم بأنهم يدفعون نحو اتجاه معين لتحقيق هدف محدد من خلال قناة فضائية

مؤثرة. يتحدثون بكل أريحية وبأسلوب تحليلي متقن لكنه لا يخلو من الأهداف غير المعلنة. هؤلاء القلة هم ممن يديرون محافظ استثمارية للمتاجرة بالأسهم

السعودية ولا يمكن لهم بأي حال من الأحوال الفصل بين رغباتهم الشخصية وبين تحليلاتهم المالية وتوقعاتهم المستقبلية. امتلأ الفضاء بالمحللين وأصبح

المستثمرون عرضة لآرائهم بل إن سوق الأسهم باتت تتجاوب مع ما يصدر عنهم في لحظته. أتذكر جيدا عندما أخطأ أحد المتخصصين، دون أن يتعمد، وحدد

نقاط التصحيح المتوقع حدوثها في ذلك اليوم بالذات، وخلال دقائق معدودة هوى المؤشر بسبب تدافع صغار المستثمرين على البيع بسعر السوق. يتجاوبون

مع ما يصدر عنها دون تدبر أو تفكير ويحددون بعض قراراتهم الاستثمارية بطريقة انفعالية مفاجئة تضر بمصلحتهم ومصلحة الآخرين. وأتذكر أيضا كيف خرج

أحد كبار المستثمرين بعد أن فقد جزءا كبيرا من أسهم شركته وهو يتحدث عن تلك الشركة بأسلوب حاد ويصف سهمها بأنه "فقاعة ستنفجر" وقد انفجر

السهم بالفعل بعد تصريحاته ولكنه ما لبث أن تضاعف سعره في غضون شهرين فقط. البنوك جهزت صالات الأسهم بشاشات تلفزيونية تتعلق بها عيون

المستثمرين. يدور في الخفاء أن إحدى القنوات الإخبارية أقدمت على استبعاد أكثر من محلل بعد التأكد من ترويجهم أسهما معينة، وهذه خطوة جريئة

وحيادية في الوقت نفسه، ولكن على النقيض من ذلك، يقال إن إحدى المحطات استبعدت بعض أفضل المحللين تجاوبا مع ضغوطات خارجية ليس لها علاقة

بالكفاءة.يفترض أن تكون هناك شروط محددة لاعتماد محللي الأسهم في المحطات الفضائية على وجه الخصوص طالما اعتقدنا بقوة تأثيرهم المباشر على

مجريات السوق اليومية. لماذا لا تتدخل هيئة السوق المالية للحد من تلك التجاوزات المفضوحة من قبل بعض المحللين الذين يديرون محافظ الأسهم، أو يعملون

كمستشارين لصناديق المتاجرة بالأسهم؟ ولماذا لم نسمع قضية واحدة تسجل ضد المحطات الفضائية وضد المحللين الذين يستخدمونها من أجل تحقيق أهدافهم

الخاصة؟ قد لا تكون المحطة الفضائية على علم مسبق بنوايا المحلل، لكن يجب أن تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب تراخيها في تطبيق معايير الاختيار،

وأحيانا لتجاوب مقدم البرنامج مع توجهات المحلل.

نخرج من القنوات الفضائية إلى عالم الإنترنت ومواقع التوصيات ومنتديات الأسهم التي أصبحت تشكل مصدرا مهما من مصادر الأخبار والتحليل لغالبية صغار

المستثمرين. بعض المنتديات تتفوق كثيرا على بعض الصحف اليومية في عدد المتصفحين للموقع. أحد المواقع شهد أكثر من 100 ألف زيارة في أقل من

ساعتين، في الوقت الذي شهد فيه أحد مواضيع الموقع نفسه أكثر من 50 ألف زيارة في يوم واحد. بعض تلك المنتديات تحفل بكتاب يمتلكون قدرات تحليلية

فائقة وقدرة على قراءة السوق يعجز عنها الكثير من المحللين ما يعني أن خلف تلك المعرفات يكمن مجموعة من المتخصصين والقياديين النافذين أيضا. من

الممكن تقييم أداء ومصداقية تلك المعرفات بسهولة من خلال ما يكتبون فيميز الجيد منهم، وهم قلة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، والآخرون الذين

يحاولون أن يستغلوا متصفحي مواقع الإنترنت لمصلحتهم الخاصة. تلك المنتديات أصبحت تشكل جبهة محركة للسوق ومكونة لقرارات الاستثمار. فهي تحدد

نوعية الأسهم التي يوصى بها والأخرى التي يتوجب على المستثمرين الخروج منها إضافة إلى تحديد نطاقاتها السعرية ويصل الأمر إلى تحديد أوقات الدخول

والخروج من السوق وهذه الجزئية بالذات تشكل خطرا كبيرا على السوق بأكمله.

فوضى عارمة تحدث على مسمع ومرأى من الجميع ولا أحد يريد أن يتدخل أو يعلق الجرس على أقل تقدير. ما حدث في بريطانيا وسجل على أنه خرق شنيع

لقانون الخدمات المالية وفتحت من أجله قضية استمرت خمس سنوات انتهت بإدانة المتهمين، تحدث في السوق السعودية بصورة شبه يومية دون أن تواجه

بردود أفعال مناسبة من المتداولين أو الجهات الرسمية ذات العلاقة. المحاكاة والاقتباس فن من فنون الإدارة يمكن من خلاله تطوير الأداء واختيار الأصلح دون

تحمل تكاليف التطوير، لكنه فن كما ذكرت لا يتقنه إلا القليلون.

للكاتب في جريده الاقتصاديه فضل بن سعد البوعينين - 13/11/1426هـ