الكرواتي جوران ايفانيسيفيتش الحصان الأسود
 

كان الكرواتي جوران ايفانيسيفيتش الحصان الأسود في بطولة ويمبلدون المفتوحة للتنس، قلب كل التوقعات وأحدث مفاجأة أشبه بالمعجزة، فكافة المراهنات والتكهنات ليست في صالحه بنسبة 125 إلى ،1 كما انه يحتل أيضاً المركز الخامس والعشرين بعد المائة في الترتيب العالمي وغير مصنف، وتمت دعوته من باب التكريم له، علاوة على أنه خسر ثلاثة نهائيات في تسع سنوات، واضطر والده- الذي كان يشاهد المباريات ويشكون من مرض خطير في القلب وأجرى من قبل ثلاث عمليات جراحية- إلى أن يهدىء من روعه وانفعالاته بالعقاقير المسكنة، لكن جوران المعجزة تغلب على الاصابة، وعامل السن، والجمهور والأرض ليتفوق على هينمان الانجليزي في عقر داره، ويتأهل إلى المباراة النهائية ليلاقي رافتر الاسترالي، ومثلما فعلت الدنمارك من قبل حينما وجهت لها الدعوة للمشاركة في بطولة أمم أوروبا 1998 بديلاً ليوغوسلافيا ففاجأت الجميع بالفوز بها، ومثلما كان بوريس بيكر أول لاعب غير مصنف يصل نهائي ويمبلدون عام 1985 نجح جوران ايفانيسيفيتش في التغلب على الاسترالي رافتر، وتحقيق الفوز ببطولة ويمبلدون لأول مرة في مشواره الرياضي منذ احترافه اللعبة، كما انها المرة الأولى التي يفوز فيها ببطولة جائزة كبرى جراند سلام ·
وكانت المباراة النهائية غاية في الروعة والإثارة والندية، استمرت خمسة أشواط، وأعادت إلى الأذهان ذكريات منافسات ويمبلدون القديمة التي افتقدتها عدة سنوات منذ اختفاء جيل العمالقة ماكنرو، وبورج، وليندل، وبيكر، وادبيرج· وتخليداً لهذه المعركة الفاصلة قرر ايفانيسيفيتش تخصيص مبلغ من جائزته- التي تقدر بحوالي 500 ألف جنيه- لنقش وشم في جسمه يحمل شعار ويمبلدون ·2001
وبدأت احتفالات كرواتيا وشعبها من ملعب ويمبلي حيث احتشدت الآلاف منهم لتشجيعه ومؤازرته وانتقلت إلى العاصمة زغرب في تظاهرة لم تشهدها كرواتيا من قبل حيث كان في استقباله مئات الآلاف من الجماهير المحتشدة والمتعطشة للانتصارات والفرح في دولة مزقتها الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، وعاشت الأحزان طيلة السنوات العشر الماضية·
وأهدى ايفانيسيفيتش هذا الفوز لصديقه نجم السلة الكرواتي الراحل درازن بيتروفيتش الذي يعتبره أفضل لاعب سلة أنجبته أوروبا الذي لقي مصرعه في حادث تحطم سيارة عام 1993م·
ويعتبر ايفانيسيفيتش ثاني لاعب يفوز ببطولة ويمبلدون يوم الاثنين حينما فاز بها ستيفان ادبرج عام 1988 بعد تغلبه على الألماني بوريس بيكر بعد أن تأجلت المباراة النهائية إلى يوم الاثنين بسبب الأمطار التي وصفها ايفانيسيتفيش بأنها رحمة من السماء حيث أسهمت في تأجيل مباراته مع هينمان ليفوز في اليوم التالي ويتأهل الى النهائي·
ينحدر ايفانيسيفيتش من أسرة مثقفة وميسورة الحال حيث يعمل والده محاضراً في الجامعة ووالدته مهندسة كيميائية، وقد شجعاه منذ الصغر على الانخراط في لعبة التنس التي كان يعشقها منذ سن السادسة·
وفي سن الرابعة عشرة اضطرت أسرته إلى إخراجه من المدرسة لإدخاله عالم الاحتراف، وقاده المدرب لاديسلاف كاتشار على مدى 10 سنوات الى النجومية·
وكان ايفانيسيفيتش معجباً بالأميركي ماكنرو، ويبكي إذا شاهده يخسر إحدى المباريات، وهناك الكثير من الصفات المشتركة بينهما، لعل أبرزها المزاج العصبي، ويعتبر ايفانيسيفيتش من أبرز نجوم التنس العالميين لكنه غير محظوظ، ولم يفز قط بأية بطولة جائزة كبرى في حياته، ويعتبره الكثيرون فاكهة المباريات التي يشارك فيها حيث أنه يضيف عليها زخماً اضافياً من الإثارة والانفعال والحركات العصبية التي تتفاعل معها الجماهير، لكنها كثيراً ما أدخلته في مشكلات ومشادات مع الحكام ورجال الخطوط·
وعاش ايفانيسيفيتش حياة مليئة بالحزن والآلام بسبب اصابة والده بمرض في القلب وشقيقته الصغرى بمرض عضال فكان يكرّس كل جهده وحاله من أجل علاجهما إلى أن شُفيت تماماً، لتندلع الحرب في يوغوسلافيا السابقة، ويتشتت شمل الأسرة، كما تلقى أيضاً تهديدات بالقتل حتى أن الحكومة البريطانية شددت الحراسة على منزله في لندن إبان الحرب الأهلية في التسعينات·
وتعرض ايفانيسيفيتش في عام 2000 لإصابة في ذراعه ليغيب عن الملاعب، ويهبط إلى المركز الخامس والعشرين بعد المائة في التصنيف العالمي، ليعود في خريف العمر ويفوز بأول- وربما آخر- بطولة جائزة كبرى في تاريخه وهو على أعتاب الاعتزال لتكون مسك الختام لحياة رياضية امتزجت فيها الدموع والآلام ودموع الفرح لتبتسم له الدنيا في نهاية المطاف·