
24/07/2005, 04:01 PM
|
زعيــم متألــق | | تاريخ التسجيل: 21/10/2004
مشاركات: 1,339
| |
عندما يتحول قميص المنتخب الأرجنتيني إلى شيء مقدس علم ممزق وسلام وطني تعرض لسخرية الجماهير وصرخات مدوية من النجم الكبير دييغو مارادونا في وجه عشرات الالاف من الجماهير الايطالية قبل انطلاق نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم إيطاليا 1990 مع ألمانيا.. كانت تلك هي الرموز الوطنية التي قادت المنتخب الارجنتيني إلى نهائي البطولة بطريقة لم يعرفها أحد من قبل.
والان وبعد مرور 15 عاما وقبل أقل من 12 شهرا على انطلاق بطولة كأس العالم في ألمانيا بالعام المقبل مازال فخر الجماهير الارجنتينية بقميص منتخبها الوطني هو المحرك الروحي للفريق برغم أن التجاوزات التي شهدتها أيام التسعينيات أصبحت شيئا من الماضي الان، ويقول المدافع الارجنتيني غابرييل هاينزه: كلما أرتدي هذا القميص أبذل كل ما في وسعي لئلا أفقد مكاني في المنتخب.
بينما أكد قائد المنتخب الارجنتيني السابق خافيير زانيتي لوكالة الانباء الالمانية أن كل لاعب أرجنتيني يصنع المستحيل ليلعب لمنتخب بلاده لارتداء قميص الفريق، وأضاف بابلو سورين قائد الارجنتين الحالي: أشعر بالفخر عندما أرى وأسمع ما يشعر به زملائي عندما يلعبون لبلادهم.
ولكن ما الذي يجعل ارتداء قميص المنتخب الارجنتيني مرغوبا إلى هذا الحد؟ والاجابة ببساطة تأتي من زانيتي الذي يقول: إننا وطنيون للغاية ونحب بلادنا كثيرا.
ومنذ وقت ما يصارع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لتقوية دور المنتخبات الوطنية في العالم الذي تنمو فيه قوة وجاذبية كرة قدم الاندية عاما عن آخر.
ففي أسبانيا حيث تنتشر اللامبالاة تجاه كل ما له علاقة بالمنتخب الوطني.. خسر الفيفا معركته بالفعل ولكن في الارجنتين لا يوجد سبب يدعو الفيفا للقلق على معركته، فالمنتخب الوطني في الارجنتين كنز لا يقدر بثمن لكل فرد في هذا البلد ولا يبدو واردا بالنسبة لاي لاعب أن يرفض يوما الانضمام لمنتخب بلاده.
فقد سبق وأن فعلها فيرناندو ريدوندو الذي اعتذر عن الانضمام إلى منتخب الارجنتين مرتين خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي ولم ينجح قط في التخلص من اشمئزاز الجماهير الارجنتينية منه.، ولكن حتى الجماهير الارجنتينية مرت بتلك اللحظة التي بدا فيها حبها الجارف لمنتخبها الوطني وكأنه قد خف قليلا.
وكان ذلك قبل ثلاثة أعوام عندما خرج المنتخب الارجنتيني بقيادة المدرب مارسيلو بيلسا من الدور الاول لبطولة كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية واليابان، فالعديد من الجماهير الارجنتينية لم يرضوا عن طريقة أداء المنتخب الارجنتيني وقتها وللمرة الاولى منذ سنوات طويلة كان من الممكن أن تسمع الارجنتينيين يقولون أنهم لا يعبئون بما يحققه منتخب بلادهم من نتائج، وقال أحد المشجعين "أراهم يلعبون ولا أشعر أنهم يمثلونني" وقال آخر "إنني أفضل حتى عدم مشاهدة المباريات".
وكانت الارجنتين تمر بحالة كساد اقتصادي ظهرت في كانون الاول/ ديسمبر 2001 كأحد أسوأ الازمات في تاريخ الارجنتين، وخلال تلك الفترة كانت الارجنتين تفقد يوميا الالاف من مواطنيها الذين يغادرون البلاد بحثا عن حياة أكثر استقرارا، وبدا فخر الارجنتينيين بفوزهم ببطولة كأس العالم في 1978 و1986 أمرا تافها في ضوء كل هذه المشاكل الاقتصادية.. في بلد كان المستقبل فيه شديد الظلام، فكيف يمكن لأحد أن يتحدث عن حبه لمنتخب بلاده الوطني في الوقت الذي لم يكن يجد فيه الملايين ما يكفي من مال لسد جوعهم.
لكن مع بداية الانتعاش الاقتصادي وعودة الاستقرار إلى مؤسسات البلاد بدأ الارجنتينيون يستعيدون ثقتهم في أنفسهم ويعيدون اكتشاف حبهم للرموز الوطنية، ولا يوجد من هذه الرموز ما قد يشير إلى المواطن الارجنتيني أكثر من المنتخب الوطني للبلاد.
وتأثرا بالانهيار الاقتصادي الذي كانت تمر به الارجنتين، بدأت العديد من العادات الارجنتينية تتحول إلى موضة في العديد من الدول التي يطلق عليها دول العالم الاول.
كان نوعا غريبا من الاستجابة.. نوعا أشبه "بتضامن الموضة"، وفي لندن وباريس وروما وبرلين وبرشلونة ومدريد كان ومازال بوسعك مشاهدة مواطنين أوروبيين يرتدون قميص المنتخب الوطني لبلد بعيد وصعب الفهم- الارجنتين.
أما في الارجنتين نفسها فقد عاد حماس الجماهير لمنتخبهم في أعقاب الفوز بذهبية كرة القدم في دورة الالعاب الاوليمبية السابقة أثينا 2004 في آب/أغسطس الماضي، كما عاد هذا الحماس بفضل العروض القوية للمنتخب الارجنتيني بقيادة لاعب الوسط خوان رومان ريكيلمي الذي يمثل طريقة الاداء الارجنتيني – وهي طريقة يصعب تعريفها ولكنها شديدة التميز بفضل قدرة اللاعبين على السيطرة على كرتهم والمناورة والتحكم في المباراة.
وتشمل هذه الطريقة أيضا ما يفعله اللاعبون قبل المباراة نفسها عندما يضع سورين يده على قلبه الذي يخفق بقوة داخل القميص الارجنتيني بمجرد أن يبدأ عزف السلام الوطني للبلاد، ويقول سورين: إنها اللحظة التي يعزف فيها لحنا يميزه تماما كل أرجنتيني، ليس فقط من يحضرون المباراة وإنما الشعب كله سواء كانوا واقفين على أقدامهم أم يشاركون في الغناء أم يستمعون في صمت.. إنه يرمز إلى بلادنا، إنها لحظة مهمة ومؤثرة.
وعن شعوره أثناء عزف السلام الوطني الارجنتيني يقول سورين: أعتقد أن كل واحد يشعر بشيء مختلف عن الاخر. إنني أفكر وقتها في كل هؤلاء الارجنتينيين الذين ربما لا ألقاهم أبدا، الاشخاص الذين يعيشون في الاركان المظلمة ببلادنا وفي هؤلاء الذين نستطيع منحهم ساعة ونصف الساعة من الانفعالات العفوية والبهجة حسبما أتمنى، إنهم يؤمنون بنا ولذلك يجب أن نبذل ضعف ما في وسعنا من أجلهم.
ويعرف سورين الذي سبق له اللعب في الارجنتين والبرازيل وإيطاليا وأسبانيا أن الوضع ليس متشابها في كل الاماكن، فهو يعلم أنه في بعض البلاد مثل أسبانيا فإن عزف السلام الوطني يثير الجدل بينما يثير قميص المنتخب الوطني مشاعر الاحباط واللامبالاة، ولكن سورين الذي يلعب بنادي فياريال الاسباني يرفض التعليق على البلدان الاخرى ويقول: لا أحب الحديث عن البلدان أو اللاعبين الاخرين، فلكل واحد رأيه الخاص وكل أمة لها تاريخها. ربما توجد في البلدان الاخرى انقسامات أو مشاعر تتعلق بالمكان لا توجد في الارجنتين.
ومثل سورين قرر إستيبان كامبياسو لاعب ريال مدريد السابق وإنتر ميلان الايطالي الحالي عدم الاجابة بصراحة عن السؤال وقال: إن عقد المقارنات لن يفيد أحد، ولا أحب ذلك، وما أنا متأكد منه هو أن الفخر الذي ألعب به أنا وزملائي بالمنتخب الارجنتيني مذهل، فبالنسبة لنا اللعب لمنتخب البلاد هو أكبر وأقصى طموحاتنا.
ويؤكد كامبياسو أنه لا يمكن قول أن اللاعب الايطالي أو الاسباني لا يشعر بالفخر لدى ارتدائه قميص منتخب بلاده، واتفق معه زميله ماريو سانتانا الذي قال: إنني أرى كل تلك المجادلات حول المنتخب الوطني في إيطاليا، ولكن كل ما أستطيع قوله هو أنني ارتعدت من شدة الانفعال عندما ارتديت قميص المنتخب الارجنتيني للمرة الاولى.
ويوضح كامبياسو أن اللاعبين الارجنتينيين يستمتعون بكل لحظة يقضوها في صفوف منتخب بلادهم، ليس فقط أثناء المباريات ذاتها وإنما أثناء التدريبات أيضا وأثناء تواجدهم سويا، ويضيف أنه مع وجود كل هذا الحماس فإن تحقيق النتائج الايجابية يكون أسهل بكثير. وقال: كلاعب كرة قدم أرجنتيني لا يوجد ما هو أهم من المنتخب الوطني.
وتصف صحيفة "بيلد أم سونتاج" الالمانية الارجنتين بأنها "ملعب كرة قدم هائل" حيث يحدد المناخ والثقافة أسلوب كرة القدم الذي تستخدمه البلاد.
وكان ذلك سر تألق الفريق الارجنتيني في كأس العالم 1990 والذي جمع بين عدة عوامل نفسية ووطنية ومهارية ليصل الفريق الارجنتيني بقيادة النجم الكبير مارادونا وتصاحبه مشاعر الفخر والحماس الشديد إلى نهائي البطولة، وهو الانجاز الذي لم يكن بوسع الارجنتين تحقيقه وقتها لو كانت قد اعتمدت على الجانب المهاري فحسب.
فقبل يومين من نهائي تلك البطولة استيقظ لاعبو الارجنتين على نبأ تمزيق علم بلادهم في الملعب الذي يجرون به تدريباتهم. وطالبهم مدربهم على الفور بالرد على هذه الاهانة "ببذل أرواحهم في المباراة".
وإن كانت بعض الشائعات قد أكدت أن اليد التي مزقت العلم الارجنتيني قبل نهائي 1990 هي نفسها اليد التي وضعت المهدئ في زجاجة مياه اللاعب البرازيلي برانكو قبل مباراة الارجنتين والبرازيل في دور الستة عشر بالبطولة ذاتها، تلك اليد التي تؤمن بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وبأن الفوز هو كل شيء.
وهذه اليد هي بالتأكيد لناس تعرف أن تمزيق الالوان البيضاء والزرقاء لقميص المنتخب الارجنتيني هي أفضل وسيلة لتحويل اللاعب الارجنتيني إلى وحش كاسر على أرض الملعب. |