جامعة لله يا محسنين


* انتهت امتحانات الثانوية العامة وبدأ موسم خيبات الأمل؛ فبعد 12عاماً من الجهد والتحصيل سينتهي الحال بمعظم طلابنا في الشارع.. فلا كليات تقبل، ولا جامعات تستوعب، ولا نقود للدراسة في الخارج.
أما سعداء الحظ فسيضطرون للتخلي عن بعض آمالهم فيرضى راغب الطب بكلية التربية وعاشق الهندسة بالجغرافية وعبقري الإليكترونيات بالمعلقات السبع.. ويا لله السلامة!!
والمشكلة تتحدث عن نفسها وتعود إلى قلة عدد الجامعات في السعودية. ففي حين توقف تأسيس الجامعات منذ زمن بعيد تخرج الثانويات كل عام آلاف الطلاب. وفي حين سبقت السعودية دول مجاورة في تأسيس الجامعات ها هي اليوم تتخلف عنهم بنسبة مفزعة. ففي الثمانينات الهجرية تبرع الملك فيصل بإنشاء "معهد علمي" في الإمارات، واليوم تملك الإمارات 12جامعة (رغم أن سكانها لا يتجاوزون ثمن سكان السعودية). أما الأردن فتملك 30جامعة أهلية و 12حكومية لسكان لا يتجاوزون 5، 4ملايين نسمة.
* ونشير هنا إلى أن وفرة المقاعد الجامعية تتضح (بقسمه) عدد السكان على عدد الجامعات في الدولة نفسها. فالسعودية مثلاً يبلغ عدد سكانها 16مليون نسمة وفيها 8جامعات. وبقسمه العدد الأول على الثاني يتضح أن لدينا جامعة واحدة لكل مليوني نسمة!!!
وهذه النسبة متأخرة وخطيرة ـ حتى إذا قارنا بالمستوى العربي؛ فحين نقسم عدد السكان في الأردن على عدد الجامعات فيها تصبح النسبة (جامعة لكل 107آلاف مواطن).. ولو اعتمدنا على نفس المعادلة لوجدنا أن هناك:
ـ جامعة لكل 200ألف نسمة في الإمارات.
ـ وجامعة لكل 124ألف نسمة في الهند.
ـ وجامعة لكل 123ألف نسمة في بنغلادش.
ـ وجامعة لكل 112ألف نسمة في اليابان.
ـ وجامعة لكل 109ألف نسمة في الصين.
ـ وجامعة لكل 107ألآف نسمة في الأردن.
ـ وجامعة لكل 73ألف نسمة في أمريكا.
ـ أما في السعودية ـ فكما قلنا ـ هناك جامعة لكل مليوني نسمة!!؟؟
.. ولو أردنا الارتفاع إلى مستوى بنجلادش (نعم بنجلادش) لكان من المفرض امتلاكنا لـ 130جامعة، أما إذا أردنا مقارعة أمريكا لتوجب امتلاكنا لـ 219جامعة على الأقل!!!
الوضع مخز بلا شك ويترتب عليه مخاطر كثيرة؛ فهذا الزخم المتراكم من الطاقات الشابة قد ينفجر في أي لحظة. كما أن قلة الخريجين ستؤدي إلى تخلف كامل البنية التحتية بسبب نقص التخصصات الدقيقة.. أما التفكير بالدراسة في الخارج (وهو ما لا يتحمله معظم المواطنين) فنزيف مادي يمكن بثمنه بناء المزيد من الجامعات المحلية!!
* اعرف أن اليأس دب في القلوب، واعرف أن هناك من لا يشعر أصلاً بوجود المشكلة؛ ولكن بقي حل أخير (لا أقول إنه كامل أو نهائي) ولكنه على الأقل سيمنحنا فرصة لتعديل الأوضاع.. هذا الحل هو إنشاء جامعة مفتوحة واستغلال الإنترنت لتوفير الدراسة الجامعية لآلاف المحرومين. فإنشاء جامعة إليكترونية واحدة من شأنه استيعاب ما يفوق جميع المنتسبين لجامعاتنا التقليدية. كما أن تكلفة جامعة كهذه لن تتجاوز ميزانية كلية صغيرة ـ وبمجهود لا يزيد على موقع جريدة "الرياض" الإليكتروني.. وقد يكون من المناسب تحويل جميع التخصصات النظرية (كالتاريخ والآداب والدراسات الإسلامية) إلى الجامعة الإليكترونية والاستفادة من المباني والإمكانيات المتوافرة لتعليم التخصصات التطبيقية (من طب وهندسة وجيلوجيا).
أما البقاء على هذا الحال فتقاعس غير مفهوم ولغز يعجز الآباء عن حله.. فمن غير المفهوم مثلاً كيف تفتح محلات التسوق وقطع الغيار مواقع على الإنترنت ولا تفكر جامعاتنا بفتح موقع واحد للتعليم عن بعد. ومن غير المفهوم كيف تصبح (جامعات الإنترنت) ظاهرة عالمية وتمنعنا وزارة التعليم العالي من الدراسة عن طريق الشبكة في جامعات مثل اكسفورد وهارفارد والسيربون!؟
.. يا ناس.. يا جماعة.. "فكوها شوية"!!