15/10/2004, 06:25 AM
|
زعيــم متواصــل | | تاريخ التسجيل: 16/09/2004
مشاركات: 165
| |
من حين لآخر تعلو اصوات ظاهرها الاخلاص وباطنها الالحاد تدعو لقراءة جديدة للقرآن ويبدو ان هدفها تحريف القرآن او تعطيله كليا وبالتالي تعطيل الاسلام اوعلى احسن الفروض اخراجه من الحياة العامة ومن الحكم والسياسة والقضاء وقصره على العبادات لمن يريد ان يتعبد « ان لم تصل الامور الى المنع عن العبادة».
وتركز بعض هذه الاصوات على تجديده علميا بمعنى البحث بالعلم عن العلم في آيات القرآن فتدعو الى قراءة معاصرة بمنظار القرن العشرين او الحادي والعشرين وادواته العلمية والهدف اظهار القرآن بالقصور عن مواكبة العلم وتنادى بعض الاصوات بتفسيره بعلم الفلك، وتنادي اخرى بتجريد القرآن من التقديس ظنا منهم ان التقديس يعتم الرؤية ويغلق الفهم ويمنع التراجع عن الاسلام ولنا ان نتساءل من هم المدعوون لتجديد القرآن؟ فلم يوضح اصحاب هذه الدعوات ذلك ولن يوضحوا وفيما يلي محاولة للرد عليهم:
اولاً: واضح ان هذه الدعوات تغذي حملات التشكيك في الاسلام وتساند مقولة الالحاد بان القرآن من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ان ما جاء في الآية «40» من سورة الاحزاب يدحض هذه الفرية قال تعالى «ما كان محمدا ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين» فكيف عرف محمد انه خاتم الانبياء؟ ولماذا يقول هذا القول القابل للتكذيب ان كان القرآن من تأليفه ؟ولماذا لم يتوقع ظهور انبياء بعده وقد اثبت في «مؤلفه» ان الرسل والانبياء تترى وجاء في الاية «78» من سورة غافر «ولقد ارسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم لم نقصص» فبأي مفهوم ظن ذلك الظن؟ ولماذا لم يظهر نبي بعده على مدى اربعة عشرقرناً ونصف القرن وقد كانت المسافة الزمنية بينه وبين سيدنا عيسى خمسة قرون فقط؟
ثانياً: رد على هذا الادعاء فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي من خلال تفسيره للقرآن الكريم وقد اضاف لتفاسير السابقين الذين فسروا عبر القرون كل حسب فكره وزمانه وتلقي انسان زمانه وتبحر الشعراوي وغاص وتعمق في بحور القرآن فأفاض حتى اقنع في عصر الفكر والجدل والعلم عقولا متشككة وثبت نفوسا مترددة واعاد اخرى خارجة ملحدة فايقنت يقينا تاما بان القرآن ليس من تأليف سيد البشر بل تنزيل من رب البشر.
ورد فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتبه سلسلة « توحيد الخالق» فاورد ايات شارحا وموضحا كيف اثبت العلم الحديث صدق القرآن بما لا يدع مجالا للشك في ان القرآن ليس من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ورد دكتور مصطفى محمود ردودا مقنعة تدحض هذه الفرية الملحدة ولا يتسع المجال هنا لذكر بعض من اقوالهم.
ثالثاً: ولدعاة تجريد القرآن من التقديس ليس هو سبب تقوى القلوب وانما تقوى القلوب هي سر التقديس قال تعالى:« انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون» «الانفال» ان كتاب القرآن ليس كتاب رياضيات يتم التعامل معه بالعقل مجرداً من تأثير القلب او بمعزل عنه والقلب هو الاصل فلم يطالبنا الله بفهم دقائق القرآن وقد طالبنا بالايمان به والايمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو «ما وقر في القلب وصدقه العمل»ونحن مطالبون بتلاوة القرآن تعبدا به وبالعمل بما جاء فيه نهيا او امرا فهمنا او لم نفهم ولو نظرنا في القرآن نجد ان القلب قد ذكر اسما في اكثر من مائة وسبعين آية بلفظه او لفظ في معناه مفرداً او جمعا وفي ايات نسب الله للقلوب المعرفة العقلية والسمع والرؤية البصرية قال تعالى :« ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون» «الاعراف» وقال:« لهم قلوب لا يفقهون بها»« الاعراف» وقال:« افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور» «الحج».
الا يبين ذلك ما للقلب من حضور في المسألة الايمانية؟ الا يبين ذلك ان تلاوة القرآن والتعبد به والامتثال لاوامره ونواهيه عمل قلبي اكثر من عقلي؟ وما ذلك الا لان الحب حب المؤمن لله ولرسوله ولاخيه المؤمن حب الخير للغير يمارس بخلجات القلب لا بحسابات العقل ولو ساد الحب بين المؤمنين فغمر القلوب وعمر الوجدان لانعدمت الشرور وعاش المؤمنون وفي تواد وتراحم ووئام ووحدة وامن وسلام.
رابعاً: ولدعاة قراءة القرآن بمنظار القرن العشرين او مابعده وادواته العلمية فان العلوم البشرية التجريبية والنظرية ليست من ادوات البحث في القرآن وادوات البحث فيه هي قوة الايمان وحسن الاسلام وسلامة الوجدان وعمق التفكير وشمول الفهم والموهبة الالهية ودراسة اللغة العربية ودراسة علوم القرآن فمن يملكون هذه الادوات مجتمعة هم فقط المدعوون لقراءة القرآن قراءة معاصرة تمكنهم من معرفة وتأكيد واثبات ان القرآن منزل وانه صالح لكل زمان ومكان ولن يستطيع انسان تغيير حرف في القرآن لانه محفوظ من خالق الانسان قال تعالى:«انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون» «الحجر» ولن يستطيع عالم كيمياء او فيزياء او فلك البحث في آياته القرآنية بادواته العلمية والعقلية او الصناعية لانها ادوات للبحث في آياته الكونية لا القرآنية ان القرآن هو المنهج لصنعة الله «الانسان» وليس كتالوجا لصناعات البشر وقد انزل الله القرآن على رسوله الكريم لتقويم حركة الانسان في الحياة الدنيا ولو اراد الله ان يحرمنا نعمة التفكير والابداع والاكتشاف والاختراع ويعطينا المعلومات جاهزة عن كل شيئ لاحتاج لتنزيل ملايين الكتب منذ اكتشاف الانسان للنار في العصر الحجري الي عصر الكمبيوتر وثورة الاتصالات وتطور العلم ووفرة المعلومات.
خامساً: ان السفسطات حول العلم والدين لا محل لها فلا يمكن وضع الدين مع العلم البشري التجريبي و النظري في مقارنة او مقابلة او تناقض او تعارض او دمج او اقصاء الا من خلال الانسان. سأل احدهم صاحبه هل اسرع السيارة ام احلى الحلاوة فاجابه ابعد القضارف ويبدو ان هنا الا صلة البتة بين السيارة والحلاوة والقضارف ولكن توجد علاقة قوية هي الانسان الذي يركب السيارة ويسافر الي القضارف ويأكل الحلاوة وكذلك فان العلاقة بين الدين والعلم والانسان فالانسان هو موضوع الدين والعلم هو موضوع الانسان والتدين الحق يجعل الانسان تقيا نقيا خيرا محبا للحق والعدل والمساواة مستغلا علمه في ما يفيد الانسان لا في اختراع وسائل الشر وسبل الضلال او تصنيع ادوات القتل والحرب والدمار ان اقوى واجمل واسمى علاقة بين العلم والدين هي ان يدفع العلم بالانسان في طريق الايمان وبالمقابل فان اوهن واقبح واسوأ علاقة بينهما هي ان يدفع العلم بالمؤمن في حضيض النكران ولم يحجر الله على الفكر ولم يحرم العلم فآيات كثيرة تدعو للتفكير والكون متاح مباح قال تعالى «قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق» «العنكبوت» وقال :« ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان» «الرحمن»
سادساً: هل ينطبق نوع العلاقة بين الدين والعلم على العلاقة بينه وبين الدولة والسياسة؟ بأمر القرآن ليس للأمة المسلمة الا تتخذ الاسلام دينا ودولة وسياسة وحياة عامة بكل ابعادها قال تعالى:« انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله» «النساء» وقال في ثلاث آيات من سورة المائدة «ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم ...» في الاولى الكافرون وفي الثانية الظالمون وفي الثالثة الفاسقون وقال:« ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون» «المائدة» ولم يترك القرآن صغيرة ولا كبيرة حتى التحية فقال تعالى:«واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها او ردوها ان الله كان على كل شيئ حسيبا» «النساء» وقال تعالى:« ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين» «النحل» وعليه فخليق بالمسلمين التخلق بخلق القرآن والتأدب بأدب القرآن والاقتداء بالرسول الكريم الذي قال الله فيه «وانك لعلى خلق عظيم» « القلم»وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء مفصلا او مفسرا او مضيفا للقرآن الكريم شاملاً لكل العبادات والمعاملات والعلاقات والممارسات . ولا يقيدنا القرآن بشكل معين للدولة الاسلامية بل يطالبنا بالالتزام بالجوهر دون تحديد للمظهر سواء في نظم الدولة او مؤسساتها او اداراتها ولكنه يأمرنا ويفرض علينا ان تبنى اساسياتها على منهج الاسلام وان يقوم نظامها علي قيمه ومبادئه وان يصاغ دستورها من كتاب الله وسنة رسول الله واجماع الامة « الذي ينبغي ان يستند الى القرآن والسنة» فلا تضع او تجيز او تنفذ اي من سلطاتها التشريعية او التنفيذية او القضائية تشريعا مخالفا لشرع الله ولسنة رسول الله ولا تعطل تشريعا انزله الله في كتابه بما في ذلك الحدود التي يعطلها الحكام في الدول الاسلامية بلا مبرر وبلا وجه حق فان الله هو الذي خلق البشر وهو الذي يعلم ما يصلح للبشر وما يقوم اعوجاج سلوك البشر وعدم فهمنا لشرعه لا يعطينا الحق في الخروج عن منهجه ومخالفة امره.
ولنأخذ حد السرقة مثلا فهل يريد الله بشرا باطراف ناقصة وقد خلقها كاملة؟ الاجدر بنا ان نأخذ هذه العقوبة على انها هي الطريقة الحاسمة لحفظ الايدى سالمة مع حفظ حقوق الاخرين في ممتلكاتهم؟ هذا ان لم نقلب الوجه الاخر ونأخذها على انها تربية للسارق نفسه فالسرقة مهما كانت دواعيها ومهما قلت قيمة المسروق جريمة كبيرة ومهينة للنفس البشرية التي كرمها الله وفضلها على كثير ممن خلق والطبيعي ان يحتقر فاعلها نفسه وبما انه لا يفعل فالخير في قطع يده رحمة به من ربه وايقاظا لضميره وبعثا لاحساسه لئلا يستمر مستمرئا امتهان واحتقار نفسه وفي نفس الوقت يكون عبرة وعظة لغيره وان يعيش انسان باطراف مبتورة عرف سببها او لم يعرف خير من ان يعيش «لصاً» مضرا لغيره ولنفسه ولن ينام انسان آمنا مطمئنا وماله عرضة للسطو عليه ولن يعيش انسان راضيا عن نفسه وهو سادر في غيه وقد ينبهه قطع يده لسوء فعله وسوء منقلبه فيراجع نفسه ويعود تائبا مستغفرا الى ربه فيكسب دنياه وآخرته ومن عجب اننا نتقبل ان يعيش بيننا شباب اخيار عائدون من جبهات القتال باطراف مبتورة ونستنكرها «للحرامي» مراعاة لكرامته المفقودة اصلا وقد اهدرها بنفسه او تقديرا لظروف حاجته وبيننا مئات من الشباب الشرفاء في حالة عطالة وحاجة. او عطفا عليه ورحمة به وهو لا يستحق العطف ولا الرحمة.
جاء في «رياض الصالحين» عن السيدة عائشة رضى الله عنها ان قريشا اهمهم امر المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترئ عليه؟ الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟ وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ثم امر بتلك المرأة فقطعت يدها.
ونلاحظ ان اللصوص بصفة عامة ليسوا هم من النساء ولا الشيوخ العجزة ولا ذوي العاهات بل هم شبان اقوياء اسوياء قادرون على العمل الشريف.
ايها الناس ان من صدق الايمان وحسن الاسلام ان نحسن الظن بالله ولاننحدر الي حضيض التصور باننا نعلم ما يصلح لتقويم وتربية عباده اكثر منه ولا ينبغي ولا يليق بنا ان نجعل الجهل الذي يلف عقولنا والخلل الذي يكتنف تفكيرنا والغشاوة التي تغطي قلوبنا والكبر الذي يطغي على نفوسنا سبيلنا للعلم والحكم على ما جاء في كتاب الله . قال تعالى:« هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولو الالباب» «آل عمران» ولا ينبغي ان نخرج عن طاعته ونرفض اوامره التي جاءت «محكمة» واضحة بينة قاطعة ملزمة «فذلك عصيان وعن ظن باطل» والقرآن كما جاء في الآية «42» من سورة فصلت « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» صدق الله العظيم
منقول من صحيفة الرأي السودانيه
وجدته مناسب لهذا الحدث
تحياتي |