عشرة أعوامٍ مرت على وفاة ذاك الذي كان يقود سيارته في السباقات لأنه كان يشعر في تلك الأوقات كم أن الموت قريبٌ منه. إسمٌ إسطوري تمكن من الخلود حتى بعد أعوامٍ على وفاته ورغم المواهب الشابة التي ظهرت كل عام، ذلك الشخص هو ببساطة... أرتون سينا .
سينا المثير للجدل
شخصيةٌ مثيرة للجدل، شغل الناس في حياته ولم يترك أذهانهم حتى بعد وفاته. من الصعب جداً أن تجد سائقاً لم يتأثر بشكلٍ أو بآخر بسينا الإنسان أو سينا السائق والتأثير لم يقتصر فقط على التأثير الإيجابي بل أحياناً كان تأثيراً سلبياً.
يُقال بأن سينا لو بقي حياً حتى اليوم فهو بكل تأكيد كان ليجذب الأنظار وربما يكون هو أيضاً أسطورة الفورمولا واحد وكنا نحن قد شهدنا تنافساً حماسياً بينه وبين شوماخر.
تمازج المشاعر
عالم الفورمولا واحد عالمٌ مليءٌ بالمشاعر: الفرح، الحزن، التنافس، الكراهية... والخوف. الخوف من الحوادث الخطيرة والخوف من الموت. فهل يمكن أن تتصوروا شعور السائق الذي تتطاير أشلاء سياراته أمام عيني؟ أو شعوره وهو يفقد السيطرة على سيارته؟ ولكن كم من هؤلاء تتصورون قد يقدم على ترك المقود في أوقات الخطر؟
قال سينا في فترة ما قبل وفاته أنه لا يمكن أن يترك الفورمولا واحد ومن المستحيل أن يتوقف. فعدا عن كونه معبود البرازيل وأمل العديد من الشبان الذين كانوا يموتون من الجوع، قاد أرتون سينا لأنه أحب المخاطرة والقيادة.
حلم يتحقق
في الـ١٩٩١ تحقق الحلم وتمكن سينا من تحقيق فوزٍ على أرضه الأم. وقال سينا أن السباق كان صعباً وشرح مشاعره فصرّح بأنه كان يحاول أن يستوعب كل ما كان يجري حوله من دون التأثر. لم يقدر أن يظهر مشاعره بالرغم من أن أموراً عديدة كانت تجري في عقله وجسده.
ألمٌ كبير عاشه سينا ومشاعر الناس كانت مُعدية فكان عليه أن يكافح ليبقى صامداً وليتمكن من إنهاء السباق.
إعرف حدودك
من أبرز ما قاله سينا كان عن الإستسلام: هنالك أوقاتٌ يجب على السائق فيها أن يجد حدوده من دون أن يستسلم. يجب عليه أن يعطي كل ما عنده وفي بعض الأحيان عليه أن يخلق أكثر مما عنده لأن الموقف يتطلب هذا ولكنه في أحيانٍ أخرى يجب عليه أن يكبح نفسه ويكتفي بتخزين الباقي لمناسبةٍ أخرى.
شكوكٌ وأوهام
أحس سينا في أوقاتٍ كثيرة بأنه ضعيفٌ وفي خطر وأحياناً تساءل إن كان الأمر يستحق العناء. فهل تستحق الرياضة المخاطرة بحياته وتعريضها للخطر؟ ولكنه وبعد طرح تلك الأسئلة كان جوابه دائماً واحد: لا أستطيع التوقف
رياضةُ جماعية
قد يظهر السائق وحده في السيارة ولكنه أبداً ليس بمفرده في فوزه أو في خسارته. قال سينا بأن ملايين الناس وراء كل إنتصار وعدّد كل من ساهم فذكر الميكانيكيين، وأعضاء الفريق الذين يعملون بجهد لتحضير سيارات السباق، كما ذكر مئات الموظفين في المصنع من مهندسين وموظفي البحث والتدقيق... وكل الشركات التي ترعى الفريق. كل هذا جعله يحس بالعبء الكبير الملقى على كتفيه ولكنه في الوقت عينه أعطاه دفعاً جديداً إذ أنه أدرك أن كل هؤلاء الناس هم مؤمنون بقدرته.
الفوز والإنتصار وتحقيق المركز الأول
قال سينا أن الإنتصار جميلٌ جداً لا بل رائع. مركزٌ واحد للمركز الأول وللبطل الوحيد.
جمهور المجنون البرازيلي
جمهور سينا كبير، رافقه المعجبون أينما ذهب ولم يقتصر جمهوره على البرازيلين فقط. أحب سينا جمهوره وقدّر له تشجيعه ولكنه قال أنه في بعض الأحيان هناك أوقات لا يريد السائق أناساً من حوله، يريد أن يكون وحيداً ليركز على شيءٍ ما. ولكن هذا كان صعب المنال فأحياناً عانى سينا من هستيريا جمهوره.
سينا والأصدقاء
أصدقاء سينا قلائل على الحلبة. ويقول أحد أصدقائه من البرازيل أن سينا كان شخصاً مميزاً ولكنه كان من الضروري جداً الإنتباه وأخذ الحذر منه على المائدة لأنه كان يُلهي من معه ليتمكن من سرقة طعامهم في حال أنهى هو طعامه قبلهم.
سينا والله
كان سينا شخصاً مؤمناً جداً وتحدث عن الله أحياناً ولكنه في العديد من المرات صرّح بأن التكلم عن الله أمرٌ لا يجوز في كل مكان وكل زمان خاصةً أنه في العديد من الأحيان يسعى بعض الناس لإساءة فهم تعليقاته بدل فهمها.
أخطاءٌ وإستغلال
لطالما تم تشويه تعليقات البطل البرازيلي وأحياناً عن قصد والناس إستعملوا هذا ضده ولكنه لم ينفِ أن يكون قد إرتكب الأخطاء في بعض الأحيان ولكن أخطاءه كانت تُستغل. لطالما أحس سينا بأنه خُدِع من قبل الصحافة.
فمثلاً قال بأن الإعلام عامله كمجرم بعد حادثة اليابان بالرغم من أنه لم يتسبب بالإصطدام. حينها قال سينا بأنه فكر بعدم العودة للسباق مجدداً وأكد بأن العديد من الأمور مرت في ذهنه ولكنه في النهاية محترفٌ وهو إنسانٌ ذو مبادىء وقِيَّمه أكبر من رغبة بعض الناس الذين أرادوا تدمير تلك القيم.
أوقات الراحة
أوقات الراحة كانت دائماً في البرازيل بين أهله وأصحابه سواء كان هذا على شاطىء البحر أو في الجبل. وكان سينا يعتقد بأن الطريقة الوحيدة لتحمل الحياة الصاخبة كان في قضاء بعض الوقت في الطبيعة. برأيه كلنا أطفال ولكن الفرق بين الكبار والأطفال هي الألعاب التي نلعبها.
حتى في ألعابه لم يستثنِ سينا الخطر والمغامرة ولكن نداء السباق كان أكبر ورغبة التحدي والكون على قدر المسؤولية كانت دائماً تعيده إلى الحلبة.
سيارة سينا جزءٌ من كيانه
قال سينا بأن سيارته كانت جزءاً من كيانه فهي إمتدادٌ لجسده: صلابة الشاسيه هي التي تحمي السائق أوقات الإصطدامات، قوة المحرك هي التي تدفعه إلى الأمام، قدرة المكابح هي التي توقف السيارة أوقات الحاجة والإطارات هي التي تعطي التماسك.
الفرق بين الفوز والخسارة
في الأوقات الصعبة يكون على السائق أن يعرف كيف يعادل بين العدائية وإقامة حساباته الدقيقة. والعقل الصافي والمدرك هو أساس الفرق بين الخسارة والفوز إذ أن الفرق يكمن بقدرة السائق على معرفة متى عليه أن يلزم حدوده وهذا ما يجعل منه بطلاً.
هذا كان جنون سينا... جنون حب السباق. الفوز رائع ولا شيء تمكن من ردعه سوى الموت الذي كان سينا لا يخشاه. لطالما قال بأنه حصد إنتصاراتٍ عديدة ولكن أجملها لم يأتِ بعد وهو سيبحث عنه في المستقبل. ولكن البطل لم يعلم حينها أن المستقبل سيُكمل من دونه وأنه سيبقى مجرد ذكرى جميلة لسائقٍ شاب عاش للفورمولا واحد فكانت شغفه لدرجة أنه أمضى وقته على الحلبة حتى اللحظة الأخيرة.
الوضع العادي
