للتاريخ في كرة القدم باب واحد لا يدخل منه سوي بطل وحيد!
والبطل ـ في عموم المفهوم ـ ليس شيئا مجردا ندركه بالعقل ولا نلمسه باليد.. بل هو في واقع الأمر صورة تتجسد أمامنا في ثلاثة عناصر لا غير..
الأول : اسم الوطن الذي ترتبط به تلك البطولة وتسجل له في كتب التاريخ
الثاني : اللاعبون الذين ساهموا في صنع البطولة نفسها
الثالث : المدرب الذي قاد المسيرة كلها منذ البداية وحتي التتويج
وإذا كان من الطبيعي أن يذهب كل الاهتمام وتتركز الأضواء علي اسم الوطن, وعلي اللاعبين.. فإنه من الطبيعي كذلك أن يحصل المدربون علي قدر مناسب من الاهتمام والأضواء لأهمية دورهم وما يقومون به..
وربما كان ذلك هو السبب الأول والمباشر في سعي كل بلاد الدنيا لاختيار أفضل مدرب ليقود فريقا لها في بطولة ما من البطولات .. وهو نفس ما حدث من قبل كثيرا, ونفس ما حدث ـ أيضا ـ في كأس الأمم الإفريقية التي تهل علينا في تونس بعد أيام معدودات ..
كل المنتخبات ـ دونما استثناء ـ دققت جيدا عند اختيار هذا المدرب أو ذاك .. وكان الاستقرار علي واحد دون الآخر نابعا من متغيرات كثيرة في مقدمتها ـ بالطبع ـ كفاءة المدرب وقدرته علي تحقيق الانتصار والوصول إلي المنافسة الحقيقية علي اللقب .. ويبدو هذا الأمر منطقيا وطبيعيا باعتبار أن للمدرب دورا لا يستهان به, ومن الممكن أن يحقق مدرب البطولة في وجود فريق عادي لا لشئ سوي أنه صاحب إمكانات فنية كبيرة, ومن الوارد أن يفشل فريق قوي في المنافسة من الأصل بسبب تواضع مستوي مدربه ..
اختيار منتخبات كأس الأمم الإفريقية لمدربيها ـ وفق رؤية وظروف كل واحد علي حدة ـ أفرز تنويعة من الجنسيات صنع وجودها لوحة من الموزاييك متعددة الألوان ..
جنسيات مدربي فرق البطولة الستة عشر توزعت ما بين مدربين وطنيين ـ وعددهم سبعة ـ ومدربين أجانب ـ وعددهم تسعة ـ ويكاد المدربون الفرنسون يفرضون سيادتهم الكاملة بوجود خمسة منهم علي رأس القيادة الفنية ..
المدرب الوطني موجود مع منتخب مصر ممثلا في محسن صالح - ومنتخب الجزائر ممثلا في رابح سعدان - ومنتخب كينيا ممثلا في جاكوب مويلي - ومنتخب المغرب ممثلا في بادو الزاكي - وجنوب إفريقيا ممثلا في ستيلس فومو - ومنتخب زيمبابوي ممثلا في صنداي ماريمو - ومنتخب نيجيريا ممثلا في كريستيان شوكو ..
أما المدربون الفرنسيون فقد احتلوا القيادة الفنية لمنتخب بوركينا فاسو وفيها جان بول رابيه, ومنتخب غينيا وفيها ميشيل دوسيه, ومنتخب مالي وفيها كريستيان دالجي, ومنتخب السنغال وفيها جي ستيفان, ومنتخب تونس وفيها روجيه لومير ..
باقي منتخبات البطولة استعانت بجنسيات أخري, حيث يتولي الألماني ونيفرد شيفر المنتخب الكاميروني, وهو المدرب الوحيد الباقي من البطولة السابقة ـ ويتولي راتومير ديكوفيتش الصربي منتخب رواندا, والإنجليزي ميك وداس ورث منتخب الكونغو الديمقراطية, والغاني سيسل جونز منتخب بنين, وربما كان يمثل وجوده تعويضا عن غياب بلاده الغريب عن البطولة باعتبارها شريكا أساسيا في الرقم القياسي لمرات إحراز اللقب, وهو أربع مرات!.
من المهم الإشارة هنا إلي أن سبب الوجود المكثف للمدرب الفرنسي يعود إلي سببين
الأول: ارتباط أغلب الدول التي يتولون منتخباتها باللغة الفرنسية.. أي أنها من الدول الفرانكوفونية ..
الثاني: استمرار حالة الإقبال علي المدرسة الفرنسية منذ تحقيقها للطفرة الهائلة التي تمثلت في إحراز لقب بطولة أوروبا, وكأس العالم, وكأس القارات في فترة زمنية تدور حول أربع سنوات تقريبا ..
ومن المهم في هذا السياق كذلك الإشارة إلي أن وجود المدرب الوطني في قيادة نسبة تقترب من نصف عدد المنتخبات المشاركة يعود إلي أمور عديدة ربما يكون من بينها العامل المادي نتيجة لعجز بعض الدول عن تحمل تكلفة المدرب الأجنبي, وربما لأن المدرب الوطني هو الأقرب من الأجنبي ـ أي في متناول اليد ـ باعتبار أن كثيرا من بلاد القارة لا تجد أدني مشكلة في إقالة المدرب بين الحين والآخر سواء كان ذلك راجعا لتذبذب في النتائج ـ وهو شئ منطقي ـ وربما كان راجعا إلي مجرد اختلاف حول اللاعب أو وجهة نظر مثلما حدث أخيرا مع مدرب جنوب إفريقيا إفرايم ماشابا الذي خسر منصبه, وهو شئ غير منطقي!
ويرجع وجود المدرب الوطني في البطولة ـ وربما أنه الشئ المؤكد ـ إلي السجل التاريخي الذي فرض فيه هذا المدرب اسمه وأعني به سجل البطولات, فقد كان المدرب الوطني وراء عشرة ألقاب مقابل23 لقبا للمدرب الأجنبي ..
قائمة المدرب الوطني صاحب الألقاب يتصدرها مراد فهمي الذي أحرز أولي بطولات كأس الأمم علي الإطلاق وأولها لمصر كذلك .. وفي القائمة نفسها ..
يأتي الغاني تشارلز جيامفي في مكان بارز باعتباره المدرب الوحيد الذي قاد منتخب بلاده لإحراز ثلاث بطولات في أعوام1962 - 1965 - 1982 .. والغريب أن اللقب الرابع لغانا كان وراءه مدرب وطني آخر .. وهو فريد أوسام دودو الذي أحرز بطولة عام1978 ..
وتعتبر الكاميرون حالة علي العكس تماما فقد كان وراء ألقابها الأربعة مدربون أجانب منهم اليوجوسلافي .. والألماني والفرنسي
وفي مقابل حالة غانا وحالة الكاميرون تقف مصر في نقطة وسط حيث يقتسم المدرب المصري والوطني رصيد الألقاب الأربعة .. مراد فهمي عام1957, ومحمود الجوهري عام1998, والمجري بال تيتكوش عام1959, والويلزي مايكل سميث عام1986
والمدرب الوطني تمكن من إحراز البطولة للجزائر وكانت علي يد عبدالحميد كرمالي عام1990, ولكوت ديفوار مع يومارتيال عام1992 ولجنوب إفريقيا مع كليف باركر عام1996
وكان محمود الجوهري هو آخر مدرب وطني في القارة, حيث قاد منتخب مصر لإحراز لقب1998 في بوركينا فاسو, ثم احتكر المدرب الأجنبي بطولتي عام2000 - 2002
حيث حافظت الكاميرون عليها بمدرب فرنسي, وآخر ألماني, وعليه يبقي السؤال: هل يواصل المدرب الأجنبي الاحتفاظ بالبطولة الثالثة؟, أم تعود الدفة مرة أخري إلي المدربين الوطنيين؟
الإجابة بالطبع ليست سهلة, ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بها أو يحاول التصدي لها, خاصة أن الدوافع والأحلام موجودة عند الكل, وبنسب متساوية .. ولكنها قد تزيد عند البعض دونا عن الآخرين لأسباب تتعلق ـ مثلا ـ بالرغبة في الاحتفاظ بالكأس مدي الحياة مثلما هو الحال بالنسبة للكاميرون التي يفترض ـ في حالة إحرازها للقب ـ أن تسجل رقما قياسيا غير مسبوق بالفوز بكأس الأمم ثلاث مرات دون انقطاع؟ فماذا يكون الحال؟ وماذا تكون النتيجة؟..
الإجابة معلقة حتي يوم14 فبراير المقبل.
-*---------------------*-
من جريده الاهرام ليوم الجمعه 16/1/2004