لأنه محمد صبحي .. ولأن العرب يمرون حاليا بلحظة تاريخية حاسمة في مصائرهم, لم نكن نملك رفاهية إجراء حوار فني خالص, فنجم المسرح العربي الأول الذي أعاد حاليا عرض مسرحية ماما أمريكا زار العراق حين كان يعتبر الأرض المحرمة, وأعلن وقتها أن صدام أشرف حاكم عربي, فهل ياتري لايزال عند موقفه؟ وهل يمكن أن تتجدد اعتراضات السفير الأمريكي علي هذا العرض المسرحي الذي صاحبه زخم سياسي هائل عند عرضه للمرة الأولي قبل عشر سنوات.
دعني أسألك في البداية كيف تشعر إزاء التطورات الأخيرة والقبض علي صدام حسين؟
إذا حاولت أن أعبر عن مشاعري الحزينة وأبوح بجرحي كإنسان عربي سيقال إنني أنتمي للصداميين أو أنني من أتباع صدام حسين, وسيقال إنني لاأزال أقبض منه حتي الآن, أقبض لأنني أدافع عن الرمز العربي, لأنني أحاول أن أحفظ ماء وجهي كعربي, لكن هناك من يسعي لتلويثنا وإلقاء التهم جزافا, لكن لن أصمت لأنني لم أر في وجهه ملامح صدام حسين, بل رأيت ملامح كل حاكم عربي بصرف النظر عن الفوارق بينهم.
رأيت الكرامة العربية مهانة يعرضها الأمريكيون عبر شاشاتهم, رأيت الإنسان العربي مهزوما, مذلولا في داره, مستباحا في كل شئ حتي في عرضه, لا أنكر كم الجرائم والمظالم التي وقعت في عهده, لكنني تخيلت أن يعاقب بأي عقاب في العالم باستثناء هذا المنظر البشع.
لقد بكيت عند قتل شاوشيسكو وزوجته في رومانيا رميا بالرصاص, ورغم أنني لم أعش ظلمه, ولست رومانيا, لكنني أناقش فكرة الإنسان وإهانة إنسانيته.
يبدو أنك تأثرت للغاية بملامح وجه صدام علي الشاشة؟
هذا صحيح, فقد وجدت في وجهه ملامح الحلم العربي المنهار, والتخبط في المعايير والقيم, فلم نعد نملك حريتنا, أو نتحكم في شئ, خرجت مقاليد الأمور من بين أيدينا, لتذهب إلي ذئب جائع مسعور لا هم له سوي أن ينهش لحمنا ويذلنا أمام العالم كله, وكأن هناك تار بايت بيننا وبين الأمريكيين.
هل ما فعله بوش يريد توصيل رسالة إلي بقية الحكام العرب؟
نعم هناك رسالة موجهة منذ زمن وليست الآن فقط, والنغمة السائدة حاليا أن صدام جبان, وأتساءل لماذا؟ هل لأنه لم ينتحر؟ والمشكلة أنه لو كان قد انتحر لقالوا عليه جبان, وانتحر ولم يواجه.
وشخصيا أري أن الجبن الحقيقي هو أن تنتحر وتهرب من الميدان, والرجل لم ينتحر وقبض عليه داخل العراق رغم ما تردد عن أنه أجري صفقة مع الأمريكيين وذهب إلي روسيا, وباع البلدو تركه دون مقاومة, وأنه يعيش في رغد ونعيم. الآن قبض عليه في بلده حيث قتل أولاده أيضا.
كيف تقيمه الآن بعد نهاية عصر كامل اسمه عصر صدام؟
رغم ظلمه وظلم أولاده وطاغوتهم وارتكابهم العديد من الجرائم, إلا أنه من أشرف الحكام العرب, وأشرف من هؤلاء الذين أعطوا الأمريكيين الفرصة لكي يضعوا أقدامهم في أراضينا التي جاءوا للاستيلاء علي خيراتها, وفي النهاية سيسلمونها إلي نصف مليون صهيوني بدأوا يشترون الأراضي والعمارات الآن, وهو نفس السيناريو الذي حدث في فلسطين, فحلمهم القديم من النيل إلي الفرات لايزال قائما, والمشكلة أننا لا ننتبه إلي هذا المخطط القذر, ولو كان الشعب العراقي هو الذي قبض علي صدام حسين وفعل ما فعل فيه لخرست ألسنتنا ولم نتكلم, لكن من فعل ذلك هو محتل يغتصب الأرض وينهب خيراتها.
لكن بعض الصحفيين والمواطنين في بعض الدول العربية رفعوا الأعلام ابتهاجا بما حدث؟
هؤلاء يتناسون أن حضارة عظيمة تنهار ودولة كبيرة تسقط, وعليهم أن يعرفوا أن الدوائر تدور علي الجميع.
هل كنت فعلا من مؤيدي فكر أو سياسة صدام حسين؟
إطلاقا.. إطلاقا كنت أتعامل مع الشعب العراقي فقط, وعلي هذا ذهبت إلي بغداد وعرضت ماما أمريكا عشرين يوما, ورئيس الدولة أراد أن يستقبل الفرقة المسرحية, ولم يطلب مقابلتي بمفردي, فلماذا تتحدثون عني بمفردي؟ لماذا لم تتحدثوا عن لقائه بالفرقة؟ أما أن يعتبر الإخوة في الكويت أن كل من يزور العراق هو خائن, فهو اتهام مرفوض وغير عقلاني.
ألم تشعر بأن هذه الزيارة ستسبب مشاكل, ألم تخش ردالفعل؟
لا ولن يحدث لأنني كنت أعبر عن قناعاتي وأكررها مرة أخري, إن صدام حسين أشرف بكثير من حكام عرب آخرين. ثم لماذا أخاف وأنا أعيش في مجتمع حر؟
إذن موضوع أنك قبضت فلوس من صدام كان مجرد شائعة؟
لا أستبعد أن اللوبي الصهيوني له يد في الأمر, لأن هناك مركز شائعات يتم تصديرها إلي الوطن العربي, وهذه الشائعات لا تلاحقني أنا فقط, بل تطال آخرين.
لماذا عدت إلي عرض مسرحيتك ماما أمريكا؟
كنت في رحلة عمرة حين عرفت أن السفير الأمريكي بالقاهرة وجه إهانات شديدة للصحفيين في مصر, ونقابة الصحفيين لم تسكت إزاء هذا الأمر, لذا أقسمت أن أعود من العمرة وأعرض ماما أمريكا, لأري هل سيتدخل مرة أخري أم لا, ولا أعرف هل أعلن السفير نفسه مندوبا ساميا علينا ورقيبا علي حريتنا؟ وجاء العرض مجرد صرخة مؤيدة للصحفيين وانتقاما لكرامتهم, ولي عروض قادمة جاهزة, فهناك عرض اسمه خيبتنا وسيكون فيه أوركسترا لايف.
لكن المسرحية تم عرضها في المرة الأولي قبل10 سنوات, هل مازالت تصلح لعلاج المستجدات الراهنة؟
أقدم المسرحية كاملة دون تغيير أي كلمة, والمدهش أن ما قلناه قبل عشرات سنوات يتحقق الآن بالنص, بل أصبح أكثر مرارة.
المسرحية تنبأت بالتهم التي يوصف بها الإسلام والمسلمون والعرب بأن دولهم راعية للإرهاب, لكن لم يخطر ببالنا أن يطلقوا لفظ الإرهابي علي طفل برئ يقاوم دبابة بحجر يحمله في يده.
لماذا تبدو الحرية القضية الأكثر إلحاحا في أعمالك؟
لا توجد حرية في العالم الثالث, وإذا وجدت فهي مجرد بادج أو غوغاء, ولو كنت حاكما لخفت من منح الحرية لكل الناس, لذا سأقدم في مهرجان المسرح للجميع القادم قيمة العلم مع قيمة الحرية. وأناقش هل الأمي له الحق في الحرية؟ هل يستحقها؟ ولو منحت له حرية كاملة ماذا سيفعل بها؟
هل هذا هو مفهومك للحرية؟
أري أنه لا توجد حرية. الحرية هي سيادة الأقوي, الحر هو القوي, أيا كان نوع القوة التي يمتلكها- مال أم سلاح, أم فكر أم عقل- فالقوي هو الحر الوحيد الذي يصنع ما يشاء في الضعفاء.
هذا افتراس وليس حرية .. الافتراس أصبح الحرية الموجودة الآن.
لكن ما مفهومك الحقيقي للحرية؟
أن تكون مسئولة ومقيدة بدين, بقيم, بتربية.
كيف تري دور فنان المسرح في مجتمعه؟
الفنان عموما لابد أن يحمل هموم الشارع, ويستشعر أكثر ويكون كالسراج الذي ينير الطريق للآخرين.
أخيرا ألا تتفق معي أن الحرية المتاحة لك تفوق ما يمنح للآخرين؟
إطلاقا, لكن الآخرين لا يريدون هذه الحرية.
لكنك تتمتع بحرية تسمح لك بتقليد رئيس الجمهورية في عرضك؟
لأنني لا أقلد خطأ, أقلده في معيار درامي وليس لمجرد التقليد. ولا تنس أنني حين سافرت لعرض المسرحية في ليبيا وقطر والعراق لم أعرض جزئية التقليد هذه ..
لماذا؟
حتي لا يقال إنني انتهزت فرصة خروجي من بلدي وفعلت كذا وكذا, هذه هي الحرية المسئولة*
صدام من أشرف الحكام العرب ... 
الوضع الشجري
