قبل وقت قصير عمم مدير العلاقات العامة في وزارة الصحة صورة الوزير الذي يحب أن تنشر في الصحف ، فتذكرت وزير الصحة السابق ، نفس التعميم وصل لكل الصحف لتنشر الصورة التي يحبها الوزير .
تذكرت أيضا .. ما حدث قبل أشهر في 22 (ذو الحجة) حين ذهل سكان منطقة السويدي بجريمة بشعة قام بها رجل (مريض عقليا) .. قتل زوجته وأخاه وأصاب أخاه الثاني بطلقة نارية ، ثم راح يضرب زوجته في الساطور بعد أن قتلها في المطبخ ، ولتكتمل الجريمة خرج للصالة ليضرب أخوه بالساطور أمام أبنائه الستة (أكبرهم فتاة عمرها 8 سنوات ، وأصغرهم طفل عمره سنتان).
كان القاتل قبل الجريمة بعشرة أشهر قد أدخل إلى مستشفى الصحة النفسية في الرياض ، بعد أن احتجز زوجته (مدرسة دين في مدرسة تحفيظ القرآن) وأبناءه في البيت لمدة أسبوع ومنع عنهم الطعام ، وجلس في المستشفى 45 يوما قبل أن يصرح له بالخروج , وكان قد صدر حكم من المحكمة آنذاك بتطليق الزوجة وإعطائها حق حضانة الأبناء بسبب مرض الأب وأنه عاطل عن العمل ، لكن الزوجة رفضت الطلاق وقررت أن تساعده لأنه عاطل عن العمل ، وراحت تصرف عليه وعلى أبنائه .
تخيلت تلك الصورة التي وصفها أحد شهود العيان حين قال : (شاهدت الأبناء الستة وهم يخرجون من البيت زحفا إلى أن صعدوا للدوريات وهم يحبون على أياديهم وأرجلهم ) .
فجاء السؤال حادا .. لماذا أخرج من مستشفى الصحة النفسية ، ومن سمح له بالخروج ؟
لكن الوزير السابق مضى وترك السؤال معلقا على قارعة الطريق .. وبالتأكيد لا يحق لنا تحميل الوزير الجديد مسئولية الماضي .. ولكن من يتحمل مسئولية الماضي .. هذا الماضي الذي يحمله لنا الغد كثيرا ؟
هل يتحمله مدير المستشفى الذي وقع على خروجه .. أم الطبيب الذي وافق على خروجه .. أم أسرته التي طالبت بخروجه من المصحة ؟
ولكن وإن وافقت أسرته .. هل تفهم أسرته بالطب أكثر من المدير والطبيب ؟
هززت رأسي لأطرد تلك الصورة ، فمر برأسي المؤتمر الصحفي لوزير الصحة في الصين بعد تفشي مرض (سارس) .. حين أعلن عن تقديم استقالته لأنه لا يصلح لهذا المكان ، فتذكرت قبل 13 عاما حين كنت في (بكين) وشاهدت ساحة العاصمة بعد غضب طلاب الجامعة .. وآثار الدبابات والدماء .. ترى ما الذي تغير في الصين ليخرج الوزير معتذرا بأنه لا يليق بالمكان ؟
أذكر بعد هذه الرحلة كنت في (هورشيما) .. ذهبت لمصنع سيارات (مازدا) .. كانت اللوحة التي تحدد من أين جيء بقطع السيارة تقول : (إن اليابان أفقر بلد في العالم بالنسبة للموارد الطبيعية ، فكل شيء خام يستورد ، وليس لديهم إلا عقولهم فقط كمورد طبيعي) .
داخل المصنع كنت أشاهد من أعلى كيف يتم صنع السيارة .. ينزل هيكل السيارة في أول السير المتحرك والطويل ، بجانب هذا السير ، أفراد من كل جهة يقفون على سير لكنه قصير يتحرك مع نفس الهيكل 10 أمتار ثم يعود ليبدأ مع الهيكل الجديد الذي لن ينتظر لأنه متحرك .
كل شخص مسئول عن شيء ما يركبه في هذا الهيكل .. بعد (8) دقائق يصل الهيكل لنهاية السير .. فيجد شخصا يحرك المفتاح وينطلق بالسيارة .. إن حدث أي خلل في أي مكان ، لا تحتاج أن تسأل من المسئول ، لأنك تعلم من هو ، ويمكن لك تعديله أو تغيير هذا الترس الذي يعطل تحويل الحديد إلى سيارة تنطلق .
تساءلت أي التروس تعطل انطلاقتنا لنغيره ؟
عدت من الذاكرة للجريمة التي حدثت في السويدي .. قلت لنفسي : الزوجة يرحمها الله والأخ كذلك .. ولكن ماذا عن الـ (ستة أطفال) ، من ينقذهم مما حدث ؟
مستحيل أن يشاهد طفل هذه الجريمة ولا تترك على جدار الروح أثرها ؟
هززت رأسي هربا من الذاكرة ، انطلقت بسيارتي في آخر الليل ، الشوارع نظيفة وعريضة ، كذلك المباني .. كل شيء معد لننطلق ، ولكن أي التروس تعطل انطلاقتنا لنغيره .. أي التروس تعطل العقول ؟
الأسئلة كثيرة .. كذلك الأسئلة ملقاة في الطرقات .. لماذا تترك على قارعة الطريق ؟
يبدو أن الإرهاق أصاب الذاكرة ؛ لهذا اعتبروا ما فات تخاريف الذاكرة .


[ALIGN=CENTER][email protected][/ALIGN]