
10/07/2003, 10:15 AM
|
زعيــم متواصــل | | تاريخ التسجيل: 09/06/2003 المكان: الغربية
مشاركات: 96
| |
تبيّن مما مضى : خطأ ما يفعله عوامّ الخطباء ، من إطالتهم الخطبة ، وتقصيرهم الصّلاة ، ويا ليتهم يطيلون الخطبة في أمور تناسب هذا المقام العظيم ، والارتقاء الكريم ، فيأمرون فيه بالمعروف ، وينهون فيه عن المنكر ويحذّرون من أحوال الموت ، ويوم المحشر ، فإن هذا المقام جدير أن يزهّد فيه الناس بالدنيا ، ويرغّب في الآخرة ، ويكثر فيه المواعظ المتظاهرة ، فهو أولى المقامات ، باجتناب البدع وأحراها بإظهار السنن لمتّبعيها (9) . قال العزّ بن عبد السلام : ((ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما يوافق مقاصدها في الثّناء والدّعاء ، والترغيب والترهيب ، بذكر الوعد والوعيد ، وكل ما يحث على طاعة ، أو يزجر عن معصية ، وكذلك تلاوة القرآن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بسورة (ق) في كثير من الأوقات (10) ، لاشتمالها على ذكر الله ، والثّناء عليه ، ثم على علمه بما توسوس به النفوس ، وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان ، ثم تذكر الموت وسكراته ثم تذكر القيامة وأهوالها ، والشهادة على الخلائق بأعمالها ، ثم تذكر الجنة والنار، ثم تذكر النّشور والخروج من القبور ، ثم بالوصيّة في الصلوات . فما خرج عن هذه المقاصد فهو مُبتَدَع ، ولا ينبغي أن يذكر فيها الخلفاء ولا الملوك ولا الأمراء (11) ، لأن هذا موطن مختصّ بالله ورسوله ، بما يحث على طاعته ، ويزجر عن معصيته وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (12) ، ولو حدث بالمسلمين حادثٌ ، فلا بأس بالتحدّث فيما يتعلّق بذلك الحادث ، مما حثّ الشّرع عليه ، وندب إليه ، كعدو يحضر ، ويحثّ الخطيب على جهاده ، والتأهّب للقائه . كذلك ما يحدث من الجدب ، الذي يستسقى لمثله ، فيدعوا الخطيب بكشفه ، وعلى الخطيب : اجتناب الألفاظ ، التي لا يعرفها إلا الخواص ، فإن المقصود نفع الحاضرين بالتّرغيب والترهيب ، وهذا من البدع القبيحة ، ونظير ذلك : أن يخطب للعرب بألفاظٍ أعجميّة ، لا يفهمونها ، والله أعلم)) (13) . قال ابن القيم في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : ((كان يعلّم أصحابه في خُطبته قواعد الإِسلام ، وشرائعه ، ويأمرهم ، وينهاهم في خطبته ، إذا عرض له أمر أو نهي)) (14) . والحاصل : أن روح الخطبة : هو الموعظة الحسنة ، من قرآن أو غيره ، بأسلوب فيه بسط وإيضاح ، بعيد عن الإِشارات والرُّموز ، والسّجع المتكلّف . والظّاهر من محافظته صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة على الأمر بتقوى الله ، والتحذير من غضبه ، والترغيب في موجبات رضاه ، وقراءة القرآن ، وجوب ذلك ، لأن فعله صلى الله عليه وسلم بيان لما أجمل في آية الجمعة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((صلوا كما رأيتموني أُصلي)) وقد ذهب إلى هذا الشافعي . وقال بعضهم : مواظبته صلى الله عليه وسلم دليل الوجوب ، قال في ((البدر التّمام)) : وهو الأظهر ، والله أعلم (15) ، ووصف جابر بن سمرة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان موضوعها ومحتواها ، وأوجز ، قال رضي الله عنه : ((كانت لنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان ، يجلس بينهما ، يقرأ القرآن ، ويُذَكّرُ الناس)) (16) . من كتاب القول المبين في أخطاء المصلين للشيخ / مشهور حسن بتصرف وإضافة .
المراجع :
(1) مئنّة : علامة . وكل شيء دلّ على شيء ، فهو مئنّة له .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الجمعة : باب تخفيف الصّلاة و الخطبة : (2/594) رقم (869) وأبو داود في ((السنن)) رقم (1106) وأحمد في ((المسند)) : (4/263) وابن خزيمة في ((صحيحه)) : رقم (1782) وأبو يعلى في ((المسند)) : رقم (1618) و (1621) و (1642) .
(3) أخرجه مسلم : كتاب الجمعة : باب تخفيف الصّلاة والخطبة : (2/591) رقم (866) .
(4) شرح النووي على صحيح مسلم : (6/158ـ 159) .
(5) الموعظة الحسنة : (ص30 ـ31) .
(6) أخرجه مسلم : كتاب الجمعة : باب ما يقرأ في صلاة الجمعة : (2/597 ـ 598) رقم (877) .
(7) أخرجه مسلم : كتاب الجمعة : باب ما يقرأ في صلاة الجمعة : (2/598) رقم (878) .
(8) زاد المعاد : (1/381) .
(9) الباعث على إنكار البدع والحوادث : (ص85) .
(10) و العجب من مواظبة أكثر أئمة المساجد على قراءة السّجدة في فجر في كل يوم جمعة ، ولا تكاد ترى أحداً من الخطباء في بلادنا ، يقرأ سورة (ق) في خطبة يوم الجمعة ، مع أن في ((صحيح مسلم)) : (2/595) رقم (873) و ((سنن أبي داود)) : (1/288) رقم (1100و1102) و ((المجتبى)) للنسائي : (2/157) عن أم هشام بنت حارثة قالت : ((ما أخذتُ ق والقرآن المجيد إلاَّ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر ، إذا خطب الناس)) .نعم ، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرأ ((السجدة)) و ((الدهر)) فجر الجمعة ، ونص عليه الأئمة ، ولكن لا يستحب المدوامة عليها ، لئلا يظن الناس أنها مفضّلة بسجدة ، قاله الإمام أحمد وانظر : ((المغني)) : (2/222 ـ مع الشرح الكبير) و ((الباعث)) : (ص51) و((فتح الباري)) : (2/379) و ((سفر السّعادة)) : (ص41) . ونص الحافظ أنه لم ير في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة ((السجدة)) إلاَّ في حديثين ، قال في أحدهما : ((وفي إسناده مَنْ ينظر في حاله)) وقال في الآخر : ((في إسناده ضعف)) . وذكر القرافي في ((الفروق)) : (2/191) أنه شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان ، إلا في يوم الجمعة ، فإنه ثلاث ركعات ، لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد ، ويعتقدون أن تلك ركعة أُخرى واجبة ، وقال : ((وسد هذه الذّرائع متعيّن في الدّين ، وكان مالك شديد البالغة فيها)) وانظر : ((إيضاع المسالك إلى قواعد الإِمام مالك)) : (ص221 ـ 222) و ((ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين)) : (ص 97 ـ 98) .قلت يعتقد كثير من الناس في زماننا هذا أن من خصائص يوم الجمعة اختصاص فجره بسجدة التلاوة ، فتراهم يقرءون من (السجدة) آيتين قبل موضع السجدة ثم بسجدون ، ثم يقومون فيقرءون آيتين ثم يركعون ، فإذا قاموا في الثانية قرؤوا آيتين من (الإنسان) ثم ركعوا ، وإن لم يفعلوا هذا قرؤوا بسورةٍ فيها سجدة حتى يسجدوا ، لظنّهم أن سجود التلاوة من لوازم فجر الجمعة ولذا استحب العلماء ـ كما قدمنا آنفاً ـ أن لا يداوم أئمة المساجد على قراءة السورتين كلَّ جمعة ، وإذا قرؤوهما سجدوا أحياناً . وانظر : ((بدائع الفوائد)) : (4/63) .
(11) نقل القرطبي في ((تفسيره)) : (18/107) عن الزّمخشري قوله : ((فإن قلتَ : كيف يفسّر ذكر الله بالخطبة ، وفيها غير ذلك . قلتُ : ما كان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثناء عليه ، وعلى خلفائه الرّاشدين ، وأتقياء المؤمنين ، والموعظة والتذكير ، فهو في حكم ذكر الله . فأما ما عدا ذلك من ذكر الظّلمة ، وألقابهم ، والثناء عليهم والدّعاء لهم ، وهم أحقّاء بعكس ذلك ، فهو مِنْ ذكر الشّيطان ، وهو مِنْ ذكر الله على مراحل)) انتهى .
(12) سورة الجن : آية رقم (18) .
(13) فتاوى العز بن عبد السلام : (ص77 ـ 78) .
(14) زاد المعاد : (1/427) .
(15) انظر : ((الموعظة الحسنة)) : (ص31) و ((الأجوبة النافعة)) : (ص56 ـ 57) .
(16) أخرجه مسلم : كتاب الجمعة : باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة : (2/589) رقم (862) . |