المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 17/05/2003, 11:22 PM
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 12/09/2000
المكان: السعودية
مشاركات: 135
*** ((( الحريــــــــــــة ))) *** للشيخ سلمان العودة

الحريــــــــــــة
كلمة الحرية كلمة فاضلة جميلة ، تدل على معانٍ راقية تنتمي إلى الخلاص والنقاء والعتق ، كما يقال : حر وعبد و يقال : الحر هو الخيار من كل شيء ؛ فالفرس الحر هو الفرس الجيد المضمَّر العتيق ، ويقول الناس: هذا طين حر، أو رمل حر أي : أنه خالص جيد ، وكذلك السحابة الحرة كثيرة المطر والمرأة الحرة: هي الكريمة ، ومن أمثال العرب : تجوع الحرة ، ولا تأكل بثدييها . وكانت هند تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : أوَ تزني الحرة ؟! . ومن مأثور أشعارهم قول الشاعر المعروف عبد بني الحسحاس : إن كُنْتُ عبَدْاً فَنَفْسِـــي حُرَّةٌ كَرَماً *** أَو أَسْوَدَ اللونِ إِنِّي أَبْيَضُ الخُلُقِ
ولهذا يقول بعض أصحاب السلوك: الحر هو من خلع عن نفسه رق الشهوات ومزق سلطان الهوى بسيف المخالفة والعصيان ، حتى نقل عن الجنيد وهو سيد الطائفة -رحمه الله- أنه كان يقول: لو صحت الصلاة بشيء غير القرآن ؛ لصحت بقول الشاعر: أَتَمنَّى عَلَى الزَّمَانِ مُحَالاً **** أَنْ تَرَى مُقْلَتَايَ طَلْــعَةَ حُرِّ
إن كثيراً من الناس لا يفهمون الحرية إلا في مقابل العبودية ؛ فهذا قِنٌّ ، رقيق ، مستعبد ، وهذا حر أُعتق ، أو لم تجر عليه قوانين العبودية من قبل .
وهذا هو المعنى الحسي المباشر ، وهو موجود في جميع الأمم و الحضارات : اليونانية ، والصينية ، والرومانية كانوا يسترقُّون الأحرار ، ويتساءلون عن مدى وجود الروح في نفس الرقيق ، وربما استجازوا قتلهم ، وكان أحدهم لا يقبل أن يأكل مع رقيقه ، أو أن يأكل في إناء أكل فيه ، أو أن يجلس إلى جانبه ، أو أن يصافحه بيده ؛ لأنه رمز من رموز الرجس ، حتى لو لم يكن عبداً بالمعنى الصحيح كأن يتعلق الأمر بشكله وهيئته ، فإنه درج الكثير من الغربيين على النظر إلى السود ، على أنه أمارة على العبودية ؛ ولذلك كانوا ومازالوا يكنون للسود ، معاني من العنصرية لا تخفى .
نعم !جاءت الأنظمة الحديثة عندهم ، وقررت التساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين ؛ لكن تبقى معانٍ كثيرة في نفوسهم يتعاملون بها مع هؤلاء ؛ ولهذا تجد أن الحارات التي يوجد فيها السود - هي أكثر الحارات ازدحاماً بالجرائم ، وانتشاراً للمخدرات ، وشيوعاً للفقر ؛ نظراً لحالات الإهمال في الرعاية الاجتماعية.
إن كلمة الحرية من ا لكلمات الرنانة ؛ التي تتوق إليها النفوس ، وقد جُبل الإنسان على تطلبها ، والتطلع إليها ، بل وحتى الحيوان ، فحينما تغلق الباب في وجه القط تجده يموء ، ويتمسح ، ويحاول أن يبحث له عن مخرج ، وكذلك الطيور التي جربت أن تصفق بأجنحتها ، وتشق أجواز الفضاء ، إذا قُيدت فإنها تضيق بذلك ، وربما ماتت بهذا السبب ، ولذلك يقول القائل : إن الطيورَ وإن قصصتَ جناحَهَا *** تسـمو بفطرتِهَا إلى الطـــــيرانِ
ولهذا كان السجن قيداً للحرية ، وكان عقاباً ( وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف: من الآية32) وهو في الواقع قيد ، ولكنه من جانب آخر انطلاق للروح ، و للذهن ، و للعقل ، ولذلك يجد المسجون إذا وُفِّق وأُلهم من فراغ الوقت ، وطول النفس ، والفرص الكبيرة ليقرأ ، وليحفظ ، وليتعلم ، وليتدرب ، وليتأمل ، ما يجعل وقته كله رهناً لإرادته ، فهو يفعل في وقته ما يشاء .
يجب إذن أن نقف إلى جانب المظلومين في مجتمعاتنا وأُسرنا وجيراننا وأهل بلدنا، وفي المسلمين عامة، وأن نسعى في إيصال الحقوق لأهلها، وأن نقف إلى جانب الفئات المظلومة المضطهدة، وهذا جزء من هدف الجهاد، الذي هو حماية المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ،كما نص الله سبحانه وتعالى عليه في محكم القرآن .
لقد سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه المستورد بن شداد، وهو يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تقوم الساعة، والروم أكثر الناس )، فقال له عمرو بن العاص رضي الله عنه : أبصر ما تقول، قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما لئن قلت ذاك، إن فيهم لخصالاً أربعاً :
(1) إنهم لأحلم الناس عند فتنة . (2) وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة . (3) وأوشكهم كرّة بعد فرّة .
(4) وخيرهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيف . (5) ثم قال : وخامسة حسنةٌ جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك .
إن هذا من بقايا الفطرة السليمة، أو لَعَله من بقايا هدي الأنبياء عند هؤلاء الأقوام، وإنك لا تدري أتعجب من هذه الخصال، ووجودها في الروم منذ آنذاك، أم تعجب من عقلية عمرو بن العاص الفذة التي سبرت أحوالهم، وعرفت جوانب القوة والضعف فيهم، واكتشفت هذا ا لجانب، وما لم يستطع الإنسان معرفة عدوه، فلن يستطيع أن يتغلب عليه، أم تعجب من العدل والإنصاف والتجرد الإسلامي حتى مع الخصوم التاريخيين ؟!!
إن كثيراً من الدوائر الإسلامية اليوم تعجز عن دراسة الغرب، وعن معرفة تياراته واتجاهاته، وكيفية اتخاذ القرار فيه.
إننا حين نتحدث عن حقوق الإنسان أو الحرية أو حقوق المرأة، يجب ألا نتصور أن مشكلتنا مع الغرب، هي في الحقوق كمبدأ، أو أن نجعل موقفنا هو سرد المخالفات العملية لديهم لهذه التصورات، بل ينبغي أن نسابق نحن إلى تقرير هذه المبادئ، من رؤية إسلامية قرآنية صحيحة، فحقوق الإنسان قيمة شرعية ثابتة . وقد قال عمر رضي الله عنه لابن عمرو بن العاص أمير مصر في القرن الأول: [متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا !] وعوَّد الأقباط كيف يستطيعون أن يطالبوا بحقوقهم التي ظلوا سنين طويلة جداً لم يطالبوا بها، حينما كان يحكمهم الرومان وهم أهل دينهم، فلما حكمهم الإسلام علمهم كيف يأخذون حقوقهم، وكيف يرفضون الظلم، حتى لو جاء من خليفة أمير المؤمنين عندهم ؟!
وهذه الكلمة لم تعرفها أوربا إلا سنة (1790) تقريباً، أيام الثورة الفرنسية، لما أصبحت شعاراً للثورة (الإنسان يولد حراً )، بعد أكثر من (1000 سنة) تعلموا هذا المبدأ وقرروه، واعتبروه فتحاً جديداً !
إن حقـوق الإنسان في الغرب تقوم على مبدأ واحد، وهو كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة، وتحدثت عنه المعاهد التي قدمت شروحاً لهذه الحقوق، وهو: [كرامة الإنسان] وكرامة الإنسان عندهم تتفرع إلى أمرين أساسيين :

الأول: الحرية وهي تتعلق بإعطاء الإنسان حقه، في التعبير، والتملك، والزواج، والبيع, والشراء، والسفر... الخ . الثاني :المساواة أي: أن تكون الحقوق متساوية بين الأفراد ؛ لأن من غير المعقول، أن يعطى فرد حرية كاملة، ويحرم منها الآخرون، فهذا هو أساس حقوق الإنسان، فإذا نظرنا إلى نص القرآن الكريم وجدنا التعبير القرآني هو لفظ الكرامة ذاته :"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"[الإسراء:70
إنه في الوقت الذي كان الغرب يبحث، هل للمرأة روح، أو هل للعبد الرقيق روح ؟ كان العلماء المسلمون يبحثون : أيهما أفضل الإنسان أم الملَك !، وقال المحققون منهم : إن الإنسان إذا التزم بأمر الله سبحانه وتعالى، وأطاع الله واتّبع الأنبياء، فهو أفضل في النهاية؛ لأن نهاية المؤمن الجنة ورضوان الله سبحانه وتعالى، بينما الملائكة يظلون كما هم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وإن كانت بدايتهم أفضل لأنهم خلقوا من نور, والعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.
والإسلام حينما يقرر حقوق الإنسان من الجانب النظري , أو التطبيق النموذجي الأول، لا يقررها بناء على مطالبات أو مغالبات أو ثورات، وإنما ابتداء بتشريع من رب العالمين . ويُعَلِّم الإنسان كيف يأخذ هذه الحقوق، وكيف يطالب بها، وكيف يحافظ عليها، بدلاً من أن تكون أُخِذت بالقوة والقهر .
نحن ليس عندنا مشكلة مع حقوق الإنسان، ولا مع الحرية باعتبارها مبادئ تنطلق من تاريخنا ومن شريعتنا ومن ديننا، لكن مشكلتنا مع الغرب، ومآخذنا على برامجهم المتعلقة بحقوق الإنسان، هي في جوانب محددة مثل توسعهم في الحرية الشخصية، إلى القدر الذي يضر بالإنسان، ويهدد الفضيلة، أو توسعهم في حرية التعبير إلى القدر الذي يضر بقيم التدين، ويمس المقدسات، ويزعزع عقائد الأمة، ويمس استقرارها.
أما صيانة حقوق الفرد، وتحقيق العدل والتساوي في الفرص المتاحة للجميع، فهذا من الحقوق التي أقرها الإسلام .
إن الغرب حينما يطرح حقوق الإنسان، ربما يطرح برنامجاً خاصاً ذاتياً، ولهذا ترى الممارسات الاستعمارية خارج حدود الدول الغربية مختلفة تماماً عما يتحدثون عنه، ولقد كتب المؤرخ الأسترالي الإنجليزي (كليرتورنبل) كتاباً اسماه (الحرب القذرة)، وتحدث عن تسلط الإنجليز على استراليا، وعدوانهم في إحدى الجزر حتى إنهم أبادوا أهلها بالكلية، وحتى أكلوا لحوم بعض أفرادها وهم أحياء ؛ أي : يقطعونهم ويأكلون لحومهم , كان هذا يحدث بينما الدعاية الاستعمارية خارج تلك المنطقة تتحدث عن أن أولئك الناس هم أكلة لحوم البشر، وأن المستعمرين جاءوا لتحريرهم، مع أنه في الواقع كما يقول المؤلف نفسه: لم تسجل ولا حالة واحدة قام بها أحد من هؤلاء بأكل لحوم المستعمرين الإنجليز .
يجب أن نحدد ما معنى كلمة (إنسان )، هل المقصود به الإنسان من حيث خلقه الله، كما هو في التعريف الإسلامي، أَياً كان لونه أو جنسه أو بلده أو مقامه، أم الإنسان الأبيض أشقر الشعر أزرق العينين، أما الملون أو الأسود في أفريقيا أو آسيا أو غيرها، فإنه ربما يكون من الصعب وصفه بالإنسانية أصلاً ؟!
ليأتنا الغرب إن شاء في تاريخه كله أو في واقعه المشهود بنظيرٍ لكلمة عمر المشهورة رضي الله عنه:[إني لم أبعث عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن ليعلموكم دينكم، ويقسموا فيكم فَيْئَكم]أو قوله رضي الله عنه : [أيما عامل ظلم لي أحداً، وبلغتني مظلمته، فلم أغيرها، فأنا ظلمته] أو قوله:[أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي ؟ قالوا: نعم. قال: كلا، حتى أنظر أَعَمِلَ بما أمرته به أم لا ] فهو يعلم رعيته كيف يسائلونه ويحاسبونه!
وقد ظلم أحد الولاة رجلاً من الرعية، فجاء إلى عمر، وشكاه إليه، فبعث إليه عمر يقول: أنصف فلاناً من نفسك، و إلا فأقبل والسلام . فرد الرجل إلى صاحبه مظلمته .
ولما بلغه أن سعد بن أبي وقاص بالكوفة ؛ قد بنى لنفسه قصراً، وجعل عليه حاجباً من غير ما حاجة؛ فأرسل مفتشَه محمد بن مسلمة، وأمره أن يأخذ زيتاً وحطباً، ويحرق باب هذا القصر، وبعث معه بكتاب إلى سعد قال فيه: [بلغني أنك بنيت قصراً، واتخذت حصناً يسمى بيت سعد، وجعلت بينك وبين الناس باباً، فليس بقصرك، ولكنه قصر الخبال، لا تجعل على منزلك باباً ؛ يمتنع الناس من دخولهم، وتنفيهم به عن حقوقهم]، وكتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر يقول: [بلغني أنك تتكئ في مجلسك، فإذا جلست فكن كسائر الناس] .
إن هذه الأمثلة، وهي نموذج صغير جداً تؤكد أن قيم الإسلام في حقوق الإنسان هي شيء آخر لا نظير لـه فيما يعرفه الناس أو يسمعونه، نعم عمر كان يأخذ الناس بالعزيمة، لكن الواقع الذي صنعه الإسلام آنذاك كان ملائماً لمثل هذه النماذج الراقية.
إن من الخطأ أن ننظر بعين التوجس والريبة إلى حقوق الإنسان، أو حقوق المرأة، أو الحرية، بل ينبغي أن نتحدث عنها نحن ابتداءً , ونقررها تقريراً شرعياً , ونبين ما شرع الله - تعالى- في شأنها , ونصحح الأوضاع المنحرفة في واقعنا الإسلامي حول هذه القضايا، حتى نستطيع بذلك أن نواجه الهجمة الغربية، التي تحاول أن تستهدف العالم الإسلامي بقيمها ونظرياتها الخاصة، وأن نجد هذه المصطلحات في قواميسنا وفق رؤيتنا الخاصة الذاتية، وليست وفق رؤية الآخرين .
إن ثمة حاجة ماسة وملحة إلى أن يقوم علماء المسلمين وفقهاؤهم بإعداد الدراسات، وتقديم النماذج التي تنفي أن يكون النموذج الغربي هو الخيار الوحيد الذي يجب تعميمه.
إننا حين نتحدث عن المساواة والحرية نجد أن الغرب بنظامه الليبرالي الرأسمالي يقدم الحرية على المساواة، وبهذا صنع البون الشاسع بين الأفراد في الثروات و الممتلكات، والتفاوت الكبير في الطبقات، وهذا جزء من طبيعة النظام الرأسمالي، الذي يقدم الحرية للفرد على المساواة للمجموع، بينما النظام الشمولي الشيوعي، كان يقدم ما يسميه المساواة على الحرية .ولهذا قام بمصادرة حريات الأفراد، وحرية التملك، وحرية الكلمة والتعبير، وحقوق الناس بشكل عام، وصار الناس يعيشون في دكتاتورية، قد يسمونها دكتاتورية الطبقة الكادحة، لكنها تظل تسلطاً وظلماً وعدواناً، بينما في النظام الإسلامي، لا يتم تقديم هذا على ذاك، وإنما تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، كما يقول الفقهاء والأصوليون: يقدم ما هو نفع متعدٍ على ما هو نفع خاص أو لازم.
ومن هذا المنطلق قد تكون الحرية – أحياناً - مصلحةً عامة فتقدم، أو تكون المساواة مصلحةً عامة فتقدم، فضلاً عن التحديد الواضح لمعنى الحرية وحدودها , ومعنى المساواة وأنها العدالة، وليست التساوي المطلق الذي قد تكون حقيقته الظلم ببخس حقوق العاملين أو المبرزين، فمثل هذه المعاني مما ينبغي لفقهاء المسلمين أن يدرسوه، وأن يقدموه، وأن تتعلم الأمم الإسلامية ما هي حقوقها ؟ وكيف تستطيع أن تحصل عليها ؟ وكيف تستطيع أن تمارسها بشكل جيد ؟
وهناك من يفهم من الحقوق والحريات معنى مطلقاً، وهذا وهم فلا أحد يقول بحق للإنسان مطلق أو حرية مطلقة، لا بدمن تقييدها على الأقل برعاية حقوق وحريات الآخرين، وإسلامياً لا بد من تقييدها بضوابط الشريعة المحكمة الربانية , التي يذعن لها العباد ؛ لأنها من رب العباد "أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"[الملك:14] .
وهناك من يرى أن ممارسة الإنسان لحقوقه يترتب عليها ضياع المجتمع، أو انحراف الناس، وهذا معنى ليس بمطرد، بل إن الإنسان إذا أعطي ثقة معتدلة تربى على استعمالها , وتولد لديه الإحساس بالمسؤولية عنها.
لو نظرت على مستوى العائلة – مثلاً - هل النموذج التربوي الفاضل الذي ينبغي يقوم على القسر والكبت وحرمان الطفل من حقوقه , أم يقوم على الإهمال والحرية المطلقة والغفلة عن الطفل ؟
والوسط العدل أن يكون ثمت نوع من الحرية للطفل، وتعويده كيف يمارس هذه الحرية , وكيف يستخدمها، مع تربيته على الخوف من الله سبحانه وتعالى، ومعرفة الخطأ ومعرفة الصواب، ومعرفة الخير ومعرفة الشر، هنا توسط واعتدال، لا يهمل الطفل ويترك باسم الحرية، ولا تفرض عليه القيود، والقهر والقسر باسم الرقابة أو باسم التربية .
وهكذا إذا ارتقيت مرحلة - مثلاً- إلى المدرسة , هل المدرسة هي عبارة عن مؤسسة فقط لتلقين الطلاب وحقن المعلومات، وفرض النظام الصارم على الطالب دون أن يكون هناك مجهود آخر ؟! أم إنها على النقيض من ذلك، تهمل الطالب وتدعه وشأنه يمارس ما يشاء، وقد تتحول إلى بؤرة لعلاقات السوء، أو تبادل المحرمات، هذا خطأ آخر أيضاً، و القسط والعدل أن يتخذ المجتمع بين ذلك سبيلا، فتقوم المدرسة بتربية الطالب على قوة الشخصية وبناء النفس، والثقة بذاته دون غرور، وعلى معرفة واجباته تجاه نفسه والآخرين , والقيام بها والمحاسبة على تركها، ويكون الأمر في ذلك على سنن الاعتدال، وهكذا الحال فيما يتعلق بالمؤسسات الدعوية , سواء كانت حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو مجموعة للدعوة، أو مكتبة، أو درساً في مسجد .
فرق بين أن يقوم النظام على فرض هذه الأشياء، وإلزام الآخرين بها، ومصادرة رأيهم ومنعهم من الاعتراض أو السؤال أو المناقشة، فهذا إهدار لشخصية الإنسان، يقضي على كيانه ويجعله ظلاً لغيره، ولا يعني الأمر أن تتحول الأمور إلى فوضى، بل لابد أن يكون هناك قدر من التوفيق بين حق الفرد وحق الجماعة، بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، بين ما سميناه بالمساواة أو العدل، وما سميناه بالحرية، وهكذا إذا انتقل الأمر إلى إطار المجتمع العام .
نعم ! ينبغي أن يتدرب الإنسان على الحرية المنضبطة، ويتدرب على كيفيه استخدامها بحيث لا يستخدمها استخداماً سيئاً أو منحرفاً بالسب أو الشتم أو عبارات التكفير والتجهيل أو الكلام في الأشخاص والأعيان بغير وجه حق، ينبغي أن يكون لدى الإنسان إحساس بالمسؤولية، وبالتالي ينبغي أن يكون هناك محاسبة لأي شخص يخل بهذه المسؤولية، ويتجاوز حدودها .
إن الإنسان العاقل الحريص على مصلحة أمته ومجتمعه يدري أنه قد يكون الخطر على هذه المجتمعات الإسلامية من سوء استخدامها لحقوقها , بقدر ما يكون الخطر من حرمان هؤلاء الناس من حقوقهم، مما يترتب عليه شعورهم بالانفصال عن هذه الأمة، وبالتالي تعبيرهم عن أشخاصهم، وأنفسهم، وأفكارهم بأساليب مدمرة قاتلة، ربما تسبب كثيراً من المشاكل في هذا المجتمع .
وحين نتحدث عن الحرية، فليس من الضروري أن نفترض أنها كلمة تعني : " نظرية غربية " أو كأنها تستدعي رفض العبودية مطلقاً .
إن الإملاء الإسلامي يستوعب كلمة الحرية , وكلمة العبودية، ولهذا كان أساس الإسلام العبودية لله وحدة، فالحرية في مفهوم الإسلام تعني : إلغاء السلطة المطلقة على الفرد , التي تحاول أن تنوب عنه في الملكات التي أعطاها الله إياه .
إن عبودية الله تحقيق للحرية الفردية، ولهذا رغب الإسلام في عتق الرقيق , وأسقط عمن يعاني ظروف الرق بعض التكاليف , وطوق مساحة الرق إلى سبب واحد , منتج لـه من حيث الأصل , وهو الرفض لعبودية الله , وكأن هذا تعبير عن قيمة الحرية التي تحدث عنها القرآن في سياق "فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً"[النساء:90] يمكن هنا أن نتداول مفهوماً للحرية في نظر الإسلام أنها المسؤولية الذاتية .
ومن هنا !تأتي كلمة الأديب الشهير (علال الفاسي) في كتاب (من عبودية البدن إلى عبودية العقل) حيث يقول :إن تاريخ الإنسان هو تاريخ البحث عن الحرية .
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سلمان بن فهد العودة
12/9/1423
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17/05/2003, 11:58 PM
زعيــم متألــق
تاريخ التسجيل: 15/09/2002
المكان: الرياض
مشاركات: 1,458
جزاك الله الف خير اخوي النشمي

والله يعطيك العافية
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 02:10 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube