المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 04/05/2003, 12:24 PM
كاتب رياضي
تاريخ التسجيل: 09/08/2002
مشاركات: 240
سقط منتخبنا في الملعب .. فهل يسقط في قراءة المدن ؟

حين لا نكتب اسم المدينة ولا ننطقه بشكل صحيح هذا يعني أننا غرباء عن المدينة وإن مررنا بها ، هذا ما أكده لي صديقي وهو يحدثني عن أمارة (لِختنشتاين)، وكنا نتجاذب أطراف الحديث عن ذهاب المنتخب السعودي لإجراء مباراة ودية مع منتخب كل لاعبيه هواة ، وليس لديه دوري ، فيما لديها فرق تشارك في دوري الدرجة الثالثة والرابعة مع أندية سويسرا .
تركنا مشاركة منتخبنا لأنها لن تضيف له شيئا على المستوى الفني ، وبدأنا نتحدث عن هذه المدينة ولماذا لم ننطق اسمها بشكل صحيح .
بدء صديقي حديثه عن مربيته تلك العجوز السيدة (كولر) زوجة عامل السكة الحديدية بقرية (رورشاخ) والبالغة من العمر 84 عاما والتي تقوم على شأنه وشأن أسرته منذ 25 عاما ، وعن اتصالها المفاجئ فهو تعود على أن يهاتفها هو كل شهر ليطمئن عليها بعد أن تركها زوجها ورحل للعالم الآخر .
روى لي عن دهشة تلك العجوز حين رأت حافلة المنتخب السعودي وهي تحط في ذاك الملعب القريب من بيتها والذي كان صديقي يمارس أحلامه بأن يكون النجم الأول في العالم ، وراحت تسرد له ذكريات طفولته في السبعينات حين كان يشاركهم البيت واللعب بذاك الملعب ، وحين كان يجلس في المساء أمام النافذة ليلتقط من مذياعها القديم موجة إذاعة المملكة العربية السعودية بالرياض التي تأتي لمدة 10 دقائق ثم تختفي .
وأكدت له أنها ستحاول أن تصطحب أحفادها إلى فندق (فالداو بارك) حيث يقيم المنتخب لتلقط لأحفادها صورا مع منتخب بلاده ، وستخبرهم بأنها هي أيضا كان لديها طفل من نفس بلدهم ومازال يهاتفها .
هذه القصة الاتصال جعلني اسأله .. ما رأيك لو تحدثني عن هذه الإمارة والتي سكنت بها 17 عاما عليّ لا أخطأ في نطق اسمها ، أحيانا نحب المدن من سكانها ، هل يمكن ليّ أن أتعرف على هذه المدينة؟


لِختنشتاين أو لشتنشتاين (Liechtenstein)

لِختنشتاين هكذا ينطق اسمها أهلها باللغة الألمانية والسويسرية ، لشتنشتاين بالألماني الفصيح ، وتعني الكلمة (حجر النور) ، لكل مدينة أسطورتها التي تلقب بها ، ويبدأ أهلها يتناقلون أسطورتها لكنهم فيما بعد ينسون سبب الاسم ويبقى الاسم يدل عليها .. وهذا ما حدث لـ (لِختنشتاين) .
علمها : يتقاسمه اللون الأزرق والأحمر بشكل أفقي في الزاوية اليسرى العلوية تاج ذهبي .
عاصمتها : (فادوتس ـ Vaduz) .. ومدنها أو قراها لا تتجاوز الخمسة .. مساحتها يمكن أن نقول أصغر من أي منطقة في العالم ، وعملتها الفرنك السويسري .
يحدها من الشرق والشمال النمسا ومن الغرب والجنوب سويسرا وتشتهر بجبالها الشاهقة والسهول والأنهار .
علماء الطقس يقولون : إن مناخها مناخ وسط أوربا شديدة البرودة في الشتاء ، يتساقط الثلج عليها لمدة 4 أشهر في السنة ، وفي الربيع تأتيها أمطار غزيرة ، لتمتلئ بحيرة (البودن سيه ـ بحيرة الأرض) وينابيعها الكثيرة .

تاريخ إمارة

أول من سكن إمارة لِختنشتاين في العهد الحديث هم الفالسرز ( Walsers) عام 1200م وقاموا آنذاك بإنشاء أول مدينة باسم تريزنبيرج (Triesenberg) ، يعود اسم (لِختِنشتاين) إلى عائلة نمساوية ثرية قامت بشراء سهول وأراضي منطقة (فادوتس و شِلنبيرج) في أعوام 1699م و1713م .
أصبحت لِختنشتاين إمارة تحت مظلة الحكم الروماني عام 1719م ، ومن ثم تحت مظلة الإتحاد الألماني عام 1815م وحصلت على استقلالها الكامل بعد اندثار الإتحاد الألماني عام 1868م .
في عام 1921م أصبحت لِختنشتاين مملكة دستورية ينتخب أعضاء حكومتها من الشعب ، وحكمها الملك فرانس جوزيف الثاني (Franz Joseph II ) خمسين عاما ، وفي عام 1989م حكمها ابنه هانز أدم الثاني (Hans Adam II) ، وكان هانز يذهب كثيرا للنمسا ويبرر ذهابه أن النمسا بها موسيقى موزارت والثقافة والمسرح ، فيما لِختنشتاين صغيرة لا يوجد بها كل هذا .

السياسة الخارجية

أوكلت أمارة لِختنشتاين تسيير الأمور الخارجية لها للكونفدرالية السويسرية عام 1919م وبذلك أصبحت سويسرا ممثلة للشئون الخارجية الدولية لأمارة لِختِنشتاين من ذلك التاريخ . وتعتمد إمارة لِختِنشتاين في وقودها وطاقتها الكهربائية اعتماد كلي على النمسا ومندمجة ماليا وتجاريا وخدماتياً مع سويسرا .
كان لديها جيش في الحرب العالمية الأولى قوامه 80 (ثمانين) جندي فقط ، سرحتهم قبل أن تعلن أنها من دول عدم الانحياز ولا يعنيها الحرب بشيء وليس لديها أطماع توسعية وظلت منذ ذاك اليوم بلا جنود ولا جيش وبالتأكيد بلا حروب .

سكان هذه الإمارة

يرجع أصول سكان إمارة لِختنشتاين إلى سويسرا والنمسا ، عددهم 30 ألف ، يعمل جل سكان الإمارة بالصناعة الحديثة ، و(02%) يعملون بالزراعة ، ويعتبر سكان هذه الإمارة الأعلى في الدخل بأوروبا .. 40% من عمالة لِختنشتاين أجانب .
المدهش في هذه المدينة أنها تختلف عن باقي دول العالم في مسألة البطالة ، فكل دول العالم إما لديهم نسبة للبطالة أو ليس لديهم إحصائية ، في إمارة لِختنشتاين لديهم حسبة غريبة في البطالة ، فالأرقام لديهم تسجل حالة البطالة هكذا : (300 شخص عاطل عن العمل ، وهم فلان وفلان وفلان ... الخ) .. وإلى الآن لم يتوفى أي شخص من 300 لهذا الرقم لم يتغير .

كرة القدم في إمارة لِختنشتاين

لا يوجد دوري محلي لكرة القدم في إمارة لِختنشتاين وتتنافس أنديتها في الدرجات السفلى من الدوري السويسري .. وإلى الآن لم يصعد أي فريق لمصاف الدوري الأول .
لديهم مسابقة واحدة مستقلة وهي كأس إمارة لِختنشتاين ، تقام سنويا ، أشهر أنديتها .. نادي فادوتس (Vaduz) ، نادي بالتسرز (Balzers) ، نادي شان (Schaan) .
آخر مباراة دولية لعبتها إمارة لِختنشتاين كانت أمام منتخب انجلترا على ارض الأول في تصفيات أوروبا وخسرتها 0-2 بأقدام آوين وبيكهام ، ويقع منتخب إمارة لِختنشتاين في المجموعة السابعة من تصفيات البطولة الأوروبية بجانب كل من منتخبات انجلترا وتركيا وسلوفاكيا ومقدونيا ، وتقبع بالمركز الأخير برصيد نقطة واحدة من أربع مباريات خاضتها بالتصفيات إلى الآن .

سكن المنتخب

يقيم المنتخب السعودي في قرية (رورشاخ) السويسرية ، بالتحديد في فندق (فالداو بارك) القابع على الأطراف الجنوبية الشرقية من القرية وسط غايات مليئة بالغزلان ، والتي عادة ما تستقبل زوار الإمارة قبل سكانها .
وتقع قرية رورشاخ (170 كلم شرق مدينة زيورخ) على ضفاف بحيرة (البودن سيه) أي بحيرة الأرض .. وذلك في مقاطعة (كانتون سان جالن) .


زوارها أكثر من سكانها

يمر على إمارة لِختنشتاين سنويا 130 ألف سائح أغلبهم من سويسرا وألمانيا والنمسا وإيطاليا ، لأنها مدينة حجر النور والثلج أيضا ، فيأتي السائحون من أجل التزلج في الشتاء ، وفي الصيف من أجل الينابيع وبحيرة الأرض والغزلان .
مدينة (فادوتس) العاصمة ذات الشارعين فقط (شتادل و اوليس) والأقرب لأن تكون قرية بها متحف للطوابع ومتحف للتزلح ويطل عليها القصر الملكي الشهير .. تزدحم كثيرا في الشتاء ، وتمتلئ فنادقها بالمتزلجين ، هذه المدينة ليس بها أي فندق (خمس نجوم أو أربعة) ، ومع هذا يمر السائح عليها ليتأمل هذه المدينة حين تصبح كتلة بيضاء كقلب طفل .

المباراة وأشياء أخرى

ربما لن تضيف هذه الرحلة للمنتخب السعودي على المستوى الفني شيئا ، بل أن مدرب المنتخب السعودي لو بقي في المدينة المنورة ليعيد الكرة مع منتخب المدينة المنورة فيعرف أسباب هزيمة المنتخب من أهل طيبة ، لصحح أخطائه .
لكنني أؤمن أن هذه الرحلة لهذه المدينة قد تضيف أشياء أخرى ليس للمستوى الفني أي علاقة .
فبعض المدن لا يمكن لنا نطق اسمها لأننا لم نتعرف عليها ، وبعض المدن ترسخ في ذاكرتنا لأسباب جيدة أو أسباب سيئة ، وكل المدن يمكن لنا أن نحبها من خلال أهلها .. كما فعلت العجوز (كولر) والتي ستذهب لتلتقط صورا لأحفادها مع لاعبي منتخبنا .
أذكر في التسعينات كنت في طوكيو دخلت مطعم للعشاء ، حين هممت بالخروج أردت دفع الحساب ، انتبهت أنني لا أملك إلا دولارات ، فاعتذر صاحب المطعم أنه لا يستطيع صرف الدولارات لأن هذا مخالف للقانون .
وقلت له بلغة إنجليزية (ركيكة) .. أبحث لنا إذن عن حل بعد أن جعلته يتأمل المحفظة .
كان حله غريبا .. أعطاني (الشيك) به قيمة العشاء ، وقال لي : تعال في الغد لتدفع الحساب .
أغضبني أنها لا يرتاب ، كما أنا ، فحاولت أن أثير ريبته ، بأن قلت له : أنا غريب ويمكن ليّ أن لا أعود لأدفع الحساب .
أجابني : لا بأس .. فقط قل إن الشعب الياباني ..شعب طيب .
وهكذا هي حكاية المدن أهلها يصنعوا قصصها ، فنحبها أو نكرهها ، أو نبدو غرباء عنها حين لا نعرف حكايتها ، ولكن هل يعرف لاعبو المنتخب أنه يمكن لهم جعل من لم يأتي للسعودية يحبها من بعيد ؟
وهل يعرف البقية .. أنه حين يمضي للمدن يحمل مدينة على كتفه ، وأن عليه أن لا يجعل مدينته حدبة فوق ظهره .؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ربما مقال .. ربما سياحة بعيدا عن المرآة التي لا تجعلنا نرى الآخر ..
هذا المقال أهداء لصديقي عدو (ثمة) ..
ربما هذا المقال من أجل الإنسانية أيضا
   

 

أدوات الموضوع
طريقة عرض الموضوع

قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 12:36 PM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube