بدأ رئيس نادي سدوس محمد المعمر إعادة أسطوانة نسمعها كثيرًا .. وكانت هذه الأسطوانة تصدر فيما مضى في الدوري الممتاز ، وسمعنا كثيراً عن الأفلام الهندية وغير الهندية ، والكرم الحاتمي في حائل ، والكثير من التهم . كذلك بالأمس القريب أعلنت إدارة النصر مطالبتها بأن يسدد اتحاد كرة القدم باقي مبالغ مدربي فريق كرة القدم لأنهم لا يستطيعون التسديد .
لن أناقش هل هناك تلاعب ، وهل اللاعبون يبيعون المباريات ، وبعض إدارات الأندية تفعل هذا ؟
بل سأحاول تسليط الضوء على متى يحدث هذا .. أي متى يبدأ الفساد الأخلاقي ؟
إن الإنسان ، أي إنسان .. بغض النظر عن مبادئه وعقيدته ، يتمنى أن يعيش حياة سعيدة، وألا يتحول إلى إنسان سيئ وحقير ، وهذه الأماني لا تتحقق إلا حين يجد مناخاً مناسباً ليكون ما يتمنى .. وإن لم يجد سيتشوه وينحرف ويفعل ما يود ألا يفعله لولا تلك الظروف .
ثمة فئة قوية بإيمانها قادرة على تحمل كل هذه الضغوط لكن هذه الفئة تتقلص مع الزمن ليغيبها الموت أو الانحراف .
الإسلام وهو خلاصة العدل كمنهج ، ولا يضاهيه أي منهج سماوي كان أو مبتكر من الإنسان .. يضع شروطا قبل إقامة الحد ، فالسارق لا بد أن تنطبق عليه الشروط ليتم العقاب .
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، في سنة المجاعة (أوقف حد السرقة ، ولم يعطله كما يعتقد البعض) لأن الشروط لا تنطبق على السارق الذي سرق رغيفا من أجل أن يعيش ، بل حين ألقي القبض على (عبدين) سرقا في ذاك العام ، سألهما عن السبب ، فأكدا أن مولاهم لا يعطيهما طعاما ، فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مولاهما ، وهدده أنه سيقطع يده إن دفع هذين العبدين للسرقة .. وأن عليه أن يؤمن لهما الأكل والمشرب ، ولا يدفعهما للسرقة .
من هذا المنظور .. دعونا نسقط كل ما فات على اللاعب . هل اللاعب في الدوري الممتاز أو الأولى يحصل على راتبه بعد نهاية الشهر مباشرة أي (يعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ..) أم أننا نسمع أن هناك لاعبين لم يستلموا رواتبهم لمدة 16 شهراً ؟ وهذا اللاعب الذي لم يستلم راتبه منذ 16 شهراً .. كيف يمكن له أن يكون ما يحلم أي لا يتنازل عن أمانيه؟
كيف يُؤمن متطلبات منزله وأسرته وعلاج أبنائه ؟
وهل يستطيع تقديم مستوى جيد وهو يفكر بكل هذه الأمور .. أم هل يفكر برفع مستواه ليتم التعاقد معه من قبل أندية أخرى، طالما كل الأندية تعاني من عدم سداد المرتبات إلا ناديين فقط ؟
وهذه الإدارات التي تشتكي من العجز بسبب تأخر المعونات ، وتعطل ضخ دخل المباريات أول بأول .. هل يمكن لها أن تحل أزماتها دون التلاعب ؟
يرى المعمر أن حل أزمة ناديه بوجود مربع للهابطين ، وهذه نظرة ضيقة لا يهمها إلا نادي سدوس وليحترق العالم بعد ذلك.
ويرى البعض أن على الرعاية الضرب بيد من حديد لكل من يتلاعب في النتائج ، ولم ينتبه هؤلاء البعض ، أن الإسلام لا يمكن له أن يضرب يد السارق قبل أن يوجد له مناخاً يساعده على أن يكون إنساناً كريماً ونبيلاً .
وكاتب المقال يرى من وجهة نظر شخصية جداً .. أن علينا إعادة النظر في منظومة الاحتراف وكيف يتم تسليم الرواتب بشكل منتظم ، وبلا تسويف .
علينا إيجاد منظومة جديدة لتوزيع الإعانات على الأندية ، كذلك التفكير بآلية جديدة لتوزيع دخل المباريات الذي كان يحل بعض الأزمات قبل أن يغلق بهذا الشكل .
قبل أن تضرب الرعاية على يد من تسول له نفسه أن يتلاعب .
فليس من العدل أن تضع الإنسان/اللاعب وسط ظروف قاسية ثم تطالبه بألا يتلاعب وأن يكون صاحب مبادئ .
لأنه والحق يقال .. إن الإنسان يعرف تماماً أنه بلا مبادئ لا قيمة له ، لكنه أيضا لا يمكن له أن يرى طفله يحتاج إلى عملية وليس لديه مخرج سوى أن يضحي في مبادئه .
أعرف ما الذي سيقوله لي البعض ، وأعلم أن الله رحيم بعباده .. ولكن هل يعرف الكثير كيف انطلقت شعلة حضارة الإسلام ، بعد أن انطلقت شعلته من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إلى خليفته أبو بكر رضي الله عنه ، ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي أعلن بصريح العبارة : (متى استعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) .
فبدأ العالم يدخل منظومة الإسلام وإن لم يغير دينه ، لأن هذه المنظومة أعادت للإنسان كرامته وحريته ، والإنسان بلا كرامة ولا حرية .. يصبح كائناً قابلاً للغدر والخيانة والهزيمة والنفاق .. يصبح كائناً جاهزاً لأن يهزم ويستعمر في أي وقت .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يبدو أن العالم الوهمي المسمى (الأنترنت) .. يمكنه أن يمنحنا مساحة لنتنفس ، وإن كان تنفسا وهميا ، الطب يرى أن الجانب النفسي نصف العلاج ، والجانب النفسي نصفه وهم .. وهذا كل ما في الأمر .