والله رمى حظي معاه
صديقي أيهم يكبرني سناً ويصغرني عقلاً .. له من البنات خمس من يدرسن منهن متفوقات دراسيا ً وهو لم يتجاوز الصف الخامس إلا بعد أن مكث فيه بضع سنين وبعد أن ملّته مقاعد الفصل خامس ج , توسط له بعض المدرسين عند وكيل المدرسة ليجتاز هذا الصف ويرحل لمدرسة ليلية بعد أن حاول مراراً وتكراراً فصله , ولكنه يتراجع بعد أن تحضر والدته الطاعنة في السن لتستعطفه فيعدل عن قراره !
لم تبقى وظيفة لم يعمل بها على الرغم من أنه لم يمكث في أي ٍ منها طويلاً ولكنّه لم يخرج من إحداها مفصولاً أو مطرودا ً , بل على العكس تماماً يخرج والجميع يتمنى بقائه ويتوسل إليه بالبقاء ! تزوج وهو في بداية العشرين من عمره وكان يعمل حينها سيكيورتي في إحدى الشركات المتخصصة في ذلك , من بنت عمته اليتيمة التي تسكن في بيت شقيقها الأكبر الذي يحتضن أيضا ً والدتها .
وجدت فيهِ حينما تقدم لخطبتها فارس أحلامها بعد أن قاربت من الثلاثين ولم يتقدم إليها أحد ! رغم دخله المتواضع وأسنانه المتكسرة التي تحتاج إلى مقاول لتعديلها وليس فقط لطبيب أسنان ! لكنها فرحت به وفرح بها , أقيم الاحتفال في قاعة صغيرة حضره المقربون من الأسرتين وبعض الأصدقاء .
منحرف جدا ً وطيب جداً وكريم جداً ومهايطي جداً , تخيلوا معي فقط بأن علبتين من السجائر لا تكفيه في يومه ونصف درزن من البيبسي البارد لا يشبع نهمه !
لا يملك من الوسامة أدنى درجاتها , ولا من الذكاء أبسطه , يجيد لعب كرة القدم منذ نعومة أظفاره ويعشق الملوخية كعشقه للهلال .
عرفته صغيراً حينما كنا نسكن في نفس الحي , تجمعنا كرة القدم عصراً ولا نتفرق إلا حينما نتعارك أنا وشقيقه عند المغرب فيقف موقف الحياد مني ومنه حتى نخلي سبيل بعض .
حينما يصرخ على أحدهم - من يبعد عنه مترين لا يسمعه - حتى أذكر أنّا في إحدى المرات ذهبنا لمشاهدة مباراة للزّعيم في ملعب الملز فأضاع حسين العلي هجمة محققة فوقف صاحبنا ليزبد ويرعد فرد عليه من كان يجلس أمامنا ( من جدّك إنت تبيه يسمعك ؟! أنا يالله سمعتك ) ! فلم يحرك ساكناً حتى انقضت المباراة .
قلبه أبيض كبياض أسناني وروحه جميلة كجمال محمد حسني مبارك , يعشق السفر ليلاً ودائما ً أنا الضحية , في إحدى المرات كان يتوجب عليه أن يخرج في مهمة عمل ولم تتوافر حجوزات لمدينة حائل فأصر أن أرافقه على سيارة الشركة وبعد إلحاحٍ وافقت وأنا قد زهدت حينها في سماع الأغاني وكان يصر على أن نطرب بصوت مزعل فرحان وأنا أنهره , لأني أعتبر صوته مصدر شؤم لمواقف سابقه حدثت لي , وبعد إصرار منه وافقت ولكن بشرط أن يبحث عن غيره من المطربين فاضطر لشراء شريط أصالة من إحدى المحطات التي بجانب الطريق .
وصلنا بسلام وفي طريق العودة وبعد أن انتصفنا في الطريق بين القصيم والرياض أصر على أن تشاؤمي مجرد خزعبلات وأن الدور حان ليستمتع بصوت مزعل الشجي ! فبين شدٍ وجذب بدأ صوت مزعل بتعكير الأجواء وما هي إلا لحظات حتى تعطل ناقل الحركة في السيارة ولم تتبقى سوى نمرة واحدة فيه ! ( يعني القير خرب وما يعشّق إلا الرابع ) .
وبدأت الشمس بالغياب والجو قارس البرودة والحلول قليلة إن لم تكن معدومة , فبدأت بالصياح وتقريعه وهو لا يكترث وأن المسافة تقلّ عن الـ 200 كم ونستطيع المواصلة !
مستمر في التفريخ بحثاً عن ولد ولكن الحلم يتبدد مع صرخة كل واحدة من بناته تخرج إلى الدنيا , أصبّره دائما ً ً بأن البنات أبرّ بأبائهن من الأولاد ولكنه يرد عليّ دائما ً برد يخجلني : ماودك بسمي ؟!
يهدد دائما ً بأنه سيتزوج بأخرى وأذكره بأن تلك اليتيمة التي وافقت عليه وهو في ظروفٍ مادية سيئة وصبرت عليه حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن أحق به من أن تشاركها فيه أخرى فيقتنع , على الرغم من أنه يعيش في سعادة لا يعكر صفوها سوى بحثه عن ابن .
ودمتم في رعاية الله وحفظه 