من نِعم الله تعالى على عباده أن فتح لهم أبواب الخيرات و الطاعات , و يعطي على القليل الثواب الكثير , و لا يزال المسلم ينقضي من عبادة إلا و تحل عليه عبادات , فهاهي عشر ذي الحجة ليال وأيام مباركات تحمل كثيرًا من العبادات الجليلة ولهذا عظمها الله وأقسم بها تشريفًا و تعظيمًا لها , قال تعالى : ( وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ) 1 , 2 ,الفجر , و قال صلى الله عليه وسلم : ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: ولا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )رواه البخاري. , و كما ذكِرت ليلة القَدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ,فعشرة أيام ذي الحجة من أفضل أيام العام،وعشر ذي الحجة استهلال لشهر الله المحرّم ذي الحجة ، وفيها قصْد الحجيج بيت الله الحرام تعظيمًا لله وتعبدًا, وفيها يوم عرفة الذي يغفر الله لعباده فيه مغفرة واسعة ، قال صلى الله عليه و سلم : ( ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدني، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ) رواه مسلم . وفي العشر يوم الحج الأكبر، يوم العيد عيد الأضحى الذي فيه أكثر أعمال الحج ومناسكه، وفيه يهريق الموحدون دماء هداياهم وأضاحيهم لله عز وجل نسكًا وذبحًا ونحرًا لله سبحانه و تعالى وحده دُون سِواه , فتتجلى أعظم معاني التوحيد و العبودية و التقرب لله . وفي العشر الأولى من ذي الحجة يشرَع التكبير المطلَق منذ رؤية هلال ذي الحجة إلى فجر يوم عرفة، و ذلك في جميع الأوقات ولا يخص بمكان معين , و صفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، أو التكبير المقيد فيكون بعد الصلوات المكتوبات وأرجح أقوال أهل العلم أنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق .وفي هذه العشر يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ،قال صلى الله عليه وسلم: ( صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) رواه مسلم . فعلى المسلم اغتنام مواسم الخيرات التي تمر به في الأعوام و اللحظات , و ومنها عشر ذي الحجة , فهي خاتمة العام , و عسى ان تكفر الذنوب بإذن الله تعالى . و الأعمال بخواتيمها .
يُعتبر العيد شعيرة إسلامية جليلة تتجلى فيها أجمل المعاني الدينية و الإنسانية و الاجتماعية و النفسية فيه يفرح الصغار قبل الكبار,و تمتزج فرحة الصغار بالكبار , و هو مظهر من مظاهر العبودية لله تعالى , حيث تتجلّى فيه كثير من العبادات الدينية كالصلاة و الذكْر و الدعاء, أو المبادئ السامية الأخرى كالترابط الأسري و الاجتماعي و الأخلاقي ,و يزداد التواصل بين الأسر و ذوي الأرحام ويعُمّ التصافح و التالف و التآخي, و تسعد النفوس و تفرح القلوب. فيزيد ذلك في تماسك المجتمع و صفائه. فالعيد ـ أخي المسلم ـ واحة سرور وبهجة و صفاء و حبور في خضَمّ هذه الحياة المتقلبة في أوضاعها و أطوارها ما بين ترقب الآمال و الأفراح أو فجْأة الهموم و الآلام و الأتراح و العيد يعود على المسلمين مرتين في العام , فيرسم الفرحة على الشفاه و القلوب و تبدو آثارها على المشاعر و النفوس , و إن كانت تعيش آلامًا . والعيد مناسبة سعيدة يستقبله المسلم بالفرح والعطاء والابتسامة و حسن اللقاء فتزول فيه الأحقاد والضغائن , و تشرِق مع فجْر العيد تباشير المحبة و تعلو هتافات التهاني و التبريكات في البيوت والمجالس رغم تباين المشاعر و الأحاسيس , وشدة الضجيج . فما أجمل العيد و ما أحلى أيامه و لياليه إذ هو يجسد الفرح بنعمة الله تعالى بإكمال الطاعة وإتمامها وإظهار هذا الفرح و السرور على الأسرة وفق الضوابط الشرعية . فعلَى المسلم أن يحرص على استقبال الأعياد بما يرضي الله تعالى , و يودِّعه بما يرضيه سبحانه و تعالى من عزم على التوبة و الإنابة إلى الله , و مراقبة الله , و المداومة على فعل الخير و الطاعات , و المبادرة إلى البر و الخيرات , و المحافظة على الدين و مبادئه القويمة , فالدِّين القيّم فيه صلاح الدنيا و الآخرة , وسعادة الدارين .و أن يبتعد عن الذنوب و المعاصي و دروب المنكرات , والتي والله ما زادت المقصرين إلا حسرة وذلاًّ و خسرانًا .