07/06/2011, 03:24 PM
|
| مشرف منتدى المجلس العام | | تاريخ التسجيل: 02/08/2005 المكان: بين الحلم والأسوار !
مشاركات: 13,589
| |
[ قهوة الثلاثاء - 24 ] .. ذكرياتي مع سوريـا ( الجزء الثالث والأخير ) ؟!
الحواري الدمشقية أو الشامية كما يحلو لسكان دمشق وصف مدينتهم .. ليست مثلما نشاهدها في المسلسلات الرمضانية ! .. فالفارق بين الحقيقة والتلفاز دوما تكمن في الروح ! .. فللأماكن دائما روح تميزها عن الأماكن الأخرى كما أن لديها رائحة ولديها ملمس وذائقة وشخصية لا يمكن استشعارها عبر قنوات التلفاز ! .. يروقني السير في أزقة دمشق القديمة فلديها ذات الروح التي تجذبني دوما نحو صنعاء القديمة برائحة البخور والفل والبن الذي أختلط مؤخرا مع رائحة الموت والبارود ! .. هنالك في أحدى تلك الأزقة أجد دوما ذلك الحكواتي الذي يحكي قصة سيف بن ذي يزن وعنترة العبسي .. أعرفه جيدا وأعتقد إنه يعرفني ونحن نتبادل سوية كلما التقينا الغمزات ! .. فقد لفت نظري عند زياراتي المتباعدة له ، إنه كلما أزداد حضور الحسنوات الى المكان الذي يحكي فيه قصصه العربية الخالدة ، كلما رفع الحكواتي التكلف في الوصف والخوض في تفاصيل الطعنة النجلاء التي ولجت بين السرة والركبة .. فلا أمنع نفسي من الإبتسامة فينظر نحوي ويغمزني بعينه كأنه يقول : ما رأيك ؟ .. فأجيبه بغمزة أخرى كأنني أقول له : بل قل : ما رأيهن ؟ كنت ذات يوم في رحلة تدريبية الى دمشق ضمت مختصين في القطاعات المالية والبنكية من دول عربية عدة وكنت واحد منهم .. هكذا دورات مع نخب مختصة عادت ما تتسم بالشفافية في طرح الموضوعات وبالتالي الموضوعات على شاكلة السياسات المالية للدولة وأثر القرار السياسي عليها والسياسات الضريبية واثرها على مستوى خدمة المواطن وعدالة الرسوم الحكومية المقررة وموازنات الوزارات وادوات الرقابة عليها ... الخ هكذا موضوعات اصبحت تعد ( أ ب ) إي شخص مختص في العلوم المالية والمحاسبية .. وبالرغم من ذلك لا زالت الكثير من الدول العربيه تقدم هكذا موضوعات في مناهجها الجامعية من باب رفع العتب العلمي دون السماح بالخوض في التفاصيل لأن المتحكم في القرار يرى هكذا موضوعات خطر يهدد أمن الدولة القومي !
كان من ضمن الحضور في تلك الدورة التدريبية إمرأة اربعينية عرفت نفسها بأنها مديرة لمكتب وكيل وزارة في أحدى الوزارات السورية .. كانت شخصيتها تبدو إنها نافذة ومسيطرة وتستطيع الوصول لما تريد خاصة مع المساحيق وتسريحة الشعر والميني جيب الذي رفض ان ينزل لمستوى ما تحت الركبة ! .. وللعلم فقد كان حضورها شرفيا حيث لم تحضر سوى نصف يوم في منتصف الدورة ويوم آخر عند حفلة الانتهاء من الدورة وأخذ الصور التذكارية .. وكان إيضا معنا فتاة سورية أخرى في نهاية العشرينات من عمرها وتحمل شهادة الماجستير في العلوم المالية من إحدى الجامعات الأوروبية وهي تعمل في قطاع مالي بإحدى الوزارات السورية .. وكانت هذه الفتاة ذات حضور ملموس وفعال من خلال الموضوعات التي تم طرحها ومناقشتها وتبادل الخبرات ووجهات النظر حيالها .. وصادف في اليوم التي حضرت فيه المرأة الاربعينية أن كان الحديث حول كيف تقرر كل وزارة موازنة السنة القادمة ( الموازنة : هي الدراسة التقديرية للإيرادات والمصاريف المتوقعة لسنة قادمة او عدة سنوات ) .. وكان حديث الفتاة السورية ان وزارتها تضطر كل سنة لرفع سقف أحتياجاتها المالية وذلك لأن وزارة المالية التي تعتمد هذه الموازنات تمارس عادة عملية تخفيض حجم هذه الأحتياجات دون دراسة حقيقية .. مما يضطر هذه الوزارة ان ترفع من حجم احتياجاتها حتى اذا ما حدث كما هو متوقع تخفيض لهذه الاحتياجات من قبل وزارة المالية كانت النتيجة النهائية مقاربة لما كان مخطط له فعليا ! ما تفضلت به الفتاه أعلاه لا يعد لدى ذوي الاختصاص حديثا سريا لا يتم البوح به .. فجميع وزارات دول العالم تمارس ذات الآلية من الولايات المتحدة حتى جيبوتي .. ولكن هذا الحديث الأكاديمي لم يعجب المرأة الاربعينية التي صادف حضورها الوحيد هكذا موضوع .. ويبدو بعد ذلك من تصرفها وتعابير سلوكها إنها عدت الحديث مشروع لقلب نظام الحكم في سوريا ! .. حيث التفت اليها غاضبة وهي تلوح لها بأصبع السبابة : ديري بالك على حالك .. بعدك لا زلت صبية .. وبلا تحكي في كلام أكبر منك ! .. وانتهى ذلك اليوم والجميع في ذهول وصمت مطبق .
فقط في العالم العربي لاغير : اذا تحدث الجهل فعلى العلم ان يصمت ! ودمتـم في خيـر |