ليخرجن الأعز ُ منها الأذل !
ليلة ظلماء خالطها الهجير وغمرها الضجر , لا يبدد سكونها سوى حفيف الأشجار حينما يداعبها هزيز الرياح , يكاد يعصف بها إعصار قادم من الشرق أتى في حين غرة ٍ من الأمر , حينما كان السكون جاث ٍ بركبتيه على صدر ليلتنا حتى أصابها في مقتل ..
لا داعي للاسترسال فالموقف عصيب , والحال كئيب , فما كان بالأمس لا ينبأ بأي حال من الأحوال بما نحن عليه لا من بعيد ولا حتى من قريب ..
الوجوه هلعة والأعين وجلة خائفة فرت من قسورة , لا تدري إن كانت عمياء أم مبصرة , فما حل ليس من المعتاد بل ابتلاء من رب العباد !!
نفض الجميع غبار الركون إلى المستحيل , هبّوا بصيحاتهم , وقطرات العرق تنساب بين تجاعيد وجوههم , كانت الجموع في ازدياد , معن ّ حسن وزياد , ومن خلفهم أولوف مؤلفة , لا تدري تلك الجموع إن كانت مخيرة ً في الأمر أم مكلفة !!
كانت الصيحات تعلو في الأرجاء , وكأنها تستثير الأحياء , بل من كانوا أحياء , وبفعل فاعل أصبحوا موتى على استحياء !!
يرفلون في ثوب الحياة بلا حياة , يأكلون ويشربون لا لشيء إنما ينتظرون الممات !!
كانت تلك العاصفة بالنسبة لهم حياة أخرى , بعدما ظنوا في بادئ الأمر أنها هبّت لتقتلعهم من جذورهم كما يقتلع السيل الشجر , رأوا فيها بعد ذلك حياة سرمدية , بعدما كان يخالطهم خوف على أنها نهاية أبدية ..
لم تتضح الصورة في البدء هل هي بداية النهاية ؟ أم نهاية النهاية ؟ لعمري إنها بداية البداية , لماض ٍ لم تكن له بداية .
الفرصة لا تتكرر دائما ً لذلك كان من الأولى استغلالها أفضل استغلال , ( لا ) بل أبشع استغلال , فالنهايات العظيمة لا بد أن تكون لها بدايات عظيمة .
كذب المتشدقون حينما قالوا : جوّع كلبك يتبعك !!
فمن ولد حرا ً سيموت حرا ً ولن يُستعّبد مادام دمُ العروبة يجد له مجرى ً في أوردته .
أرادوهم أذلة بدون جنايات ٍ أو أدلة , فأصبحوا في ظل الكرامة أعزة ٌ أعزه .
سالت دماء ُ تفوح منها رائحة المسك ثمنا ً للكرامة , فمرّغت أنوفا ً في الوحل ودست رؤوس ٌ في القمامة , بعد أن كانت تحيى في نرجسية متضخمة ( وأنا ) نكره ..
هناك من يصنع الحدث ليكتب التاريخ , ليأتي بعد زمن من يزوره .
ربي لا تجعلني من الأولين , خشية أن ينكل بي أو يُمثل بجسدي .
وأبعد عنّي أفك الآخرين , إنك سميع ٌ مجيب .
ودمتم في رعاية الله