06/05/2001, 12:16 AM
|
زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 31/01/2001
مشاركات: 522
| |
(أحبتي أعتذر عن طول الموضوع لكنه جد مهم)
أحبتي في الله رواد هذا المنتدى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله الذي صرف الأمور بتدبيره ، وزين صورة الإنسان بحسن تقويمه وتقديره ، وفوّض تحسين الأخلاق إلى اجتهاده وتشميره ، واستحثّه على تهذيبها بتخويفه وتحذيره .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، سهّل على من شاء من عباده تهذيب الأخلاق بتوفيقه وتيسيره ، وامتنّ عليهم بتسهيل صعبه وعسيره ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كانت آثار النبوة تلوح من بين أساريره ، وتستشرق من مخايله وتباشيره . صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه الذين طهروا وجه الإسلام من ظلمة الكفر ودياجيره ، وحسموا مادة الباطل فلم يتدنّسوا بقليله ولا بكثيره .
أحبتي في الله رواد هذا المنتدى الآسلام دين الله كاملٌ شاملٌ؛ تضمَّن حقائق العقيدة والشريعة، والتوحيد والعبادة، والمعاملة والعادة، يخاطب العقل والقلب، والحس والنفس، في مبادئ التشريع والأخلاق، والتربية والسلوك. دينٌ من عند ربنا، يرسم الأحكام والنظام لمسلم كريم طاهر الظاهر والباطن، سليم القلب، نقي المشاعر، عف اللسان وعف السريرة. متأدب مع ربه ونفسه، ومتأدب مع الناس أجمعين.
بل إنه لمتأدب مع هواجس الضمير وخلجات النفس:
(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) [الحجرات:12].
دين ينشئ مجتمعاً متديناً، محفوظ الحرمات، مصون الغيبة والحضور، لا يؤخذ فيه أحدٌ بالظنة، ولا تتبع فيه العورات.
أيها الإحبه: وهذه صورة من الصور التي وقف منها ديننا موقفاً حازماً حاسماً. صورة يمثل فشوُّها في المجتمع مظهراً من مظاهر الخلل، وقلة الورع، وضعف الديانة. صورة تشوش على حفظ الحرمات وسلامة القلوب وصيانة الأعراض وتحري الحق. إنها كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من موبقات الآثام، وحالقة من حالقات الدين يشترك في ذلك فاعلها والراضي بسماعها.
إنها الغيبة يا عباد الله. إنها ذكر العيب بظهر الغيب، ذكرك أخاك بما يكره، سواء أكان فيه ما تقول أم لم يكن، هكذا بينها رسولنا محمد .
أيها الأحبة في الله: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم. الغيبة – أيها الإخوة – ذات أسماء ثلاثة، كلها في كتاب الله عز وجل – الغيبة والإفك والبهتان. فإذا كان في أخيك ما تقول فهي الغيبة، وإذا قلت فيه ما بلغك عنه فهو الإفك، وإذا قلت فيه ما ليس فيه فهو البهتان. هكذا بين أهل العلم رحمهم الله.
الغيبة تشمل كل ما يفهم منه مقصود الذم سواء أكان بكلام، أم بغمزٍ، أم إشارة، أم كتابة؛ وإن القلم لأحد اللسانين.
والغيبة تكون في انتقاص الرجل في دينه وخَلْقه وخُلُقه، وفي حسبه ونسبه، ومن عاب صنعةً فإنما عاب صانعها.
وهذا هو نبيكم محمد ينادي هؤلاء المبتلين بهذا الداء المهلك: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته))
يقول ربكم عز وجل في محكم تنزيله:
( ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً . . .) [الحجرات:12].
والحسن رحمه الله يقول: (والله للغيبة أسرع في دين الرجل من الأكلة في الجسد).
هذا المبتلى غيظه وغمه أن يصيبك خيرٌ أو يحالفك توفيق، أو يتيسر لك رزقٌ، أو يجري على يديك نفع.
قلب مؤتفك مريض يحسد في السراء ويشمت في الضراء، على الهم مقيم، وللحقد ملازم، تسوءه المسرة، وتسره المساءة، غل وحقد وضغينة، أسماء مترادفة في عداوة متمكنة، يمتلئ بها صدر صاحبها، ويتربص بها الفرص لينفث سمومه ويرمي سهامه.
هل من شأن المؤمن أن ينطوي على كل هذه الضغينة لأخيه؟؟ وكأنه يأنس بخذلانه ووصول النقمة إليه، ولا تخطر له أخوة الإيمان ببال؟؟
ذو الغيبة ذلق اللسان، صفيق الوجه، لا يحجزه عن الاغتياب إيمانٌ، ولا تحفظه للمكارم مروءة. إذا وجد متنفساً أشبع طبيعته النزقة الجهول. ينطلق على وجهه في المجالس لا ينتهي له حديث، ولا يتوقف له كلام. يسكب من لفظه ما تشمئز منه آذان أهل الإيمان، وأفئدة أهل التقى.
إنه في مقاعد المجالس يقطع وقته في تسقط الأخبار، وتتبع العيوب، وتلمس الزلات، ليس له لذة ولا مسلاة إلا في أحوال الناس. همزة لمزة، مشاء بنميم، ويل له ثم ويل له، يتكلم بالكلمة يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.
أيها الأحبه في الله المغتابون يتهمون الثقات، ويقعون في الصالحين. يبعثون الفتن، ويزرعون الإحن، ويبلبلون على العامة، يقطعون الصلات، ويفرقون الجماعات، غربان بين، ونُذُر شؤم، حمالو الحطب، ومشعلو اللهب، يوزعون الاتهامات، ويتتبعون المعايب؛ هذا طويل وهذا قصير، وهذا جاهل، وهذا فاسق، وهذا عميل، وهذا مشبوه، العين غمازة، واللسان همازة، والكلمات لمازة، مجالسهم شر، وصحبتهم ضر، وفعلهم عدوان، وحديثهم بذاء.
الله أكبر – يا عباد الله – هل من شأن المؤمن أن يحمل كل هذا الضغن لأخيه؟؟.
يا هذا – كل بشرٍ يحب ويكره، ويرضى ويغضب، ويوالي ويعادي، ولكن العاقل لا يوالي أحداً بالجملة، ولا يعادي أحداً بالكلية، ولكنه يحب منه شيئاً ويكره شيئاً، يرضى منه خلقاً ويسخط آخر، يحبذ فعلاً وينقم آخر، والعاقل من يحب حبيبه هوناً ما فعسى أن يكون بغيضه يوماً ما، ويبغض بغيضه هوناً ما فعسى أن يكون حبيبه يوماً ما.
قال تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
الله أكبر – أيها الأخوة – يقول بعض السلف: أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس.
يا هذا – رحمنا الله وإياك وعافاك وعفا عنك – ظُنَّ الخير بإخوانك وأقربائك، ولا تسمع أخبار من قل عند الله نصيبه. اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، وأعفه مما تحب أن يعفيك منه. اعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإجرام.
قيل لبعض الصالحين: لقد وقع فيك فلان حتى أشفقنا عليك ورحمناك، قال: عليه فأشفقوا وإياه فارحموا.
وقال رجل للحسن: بلغني أنك تغتابني، فقال: لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، فطوبى لمن أمسك الفضل من قوله، ثم طوبى لمن ملك لسانه، ثم طوبى لمن حجزه عن الناس ما يعلم من نفسه، وطوبى لمن استمسك بتوجيهات كتاب ربه فتوجه إلى مولاه بقلب ضارع ولسان صادق وحب لإخوانه خالص:
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) [الحشر:10].
يا عبد الله إن لكل الناس عورات ومعايب، وزلات ومثالب فلا تظن أنك علمت ما لم يعلم غيرك، أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك. هلا شغلك عيبك عن عيوب الناس، وهلا سلكت مسلك النصيحة وعدلت عن الفضيحة؟؟ وهل علمت أن من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق؟؟.
احفظ حق أخيك وصن عرضه، ففي الحديث: ((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار))، وفي خبر آخر: ((من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال)).
((ومن كانت عنده لأخيه مظلمة من عرضٍ أو مالٍ فليتحلله منها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم؛ تؤخذ من حسناته، فإن لم يكن أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته ثم طرح في النار)).
فاتقوا الله رحمكم الله وسارعوا إلى التوبة واستحلال إخوانكم، وجانبوا الغل والحقد والضغينة والشحناء.أسائل الله لي ولكم أن يحفظنا من الغيبه وأن ينير بصائرنا الى الحق وأن يكفينا شر إلسنتنا وسؤ أعمالناومقاصدنا وأن يعفو عنا واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع:
1-توجيهات وذكرى.
2-موقع المنبر. |