مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 11/08/2002, 07:03 PM
صالح ابراهيم الطريقي صالح ابراهيم الطريقي غير متواجد حالياً
كاتب رياضي
تاريخ التسجيل: 09/08/2002
مشاركات: 240
حكاية أبي والشيخ .. والسؤال المهم (متى يسكن التخلف في المجتمع؟)

هناك فجوة كبيرة بيننا وبين الآباء .. ولكن لماذا هذه الفجوة ؟
أظن أننا نتكلم عن أشخاص تم تكوين فكرهم قبل 60 و 80 عاما .. أي أن نسبة الأمية في ذاك الوقت تتجاوز 95% .
لهذا لا ألومهم .. بل أجد أنهم حاولوا جاهدين ولكن المعرفة لم تتم لهم لذلك لم يغلقوا هذه الفجوة .
سأخبركما عن حوار دار بين والدي (رحمة الله عليه) وبيني أظن أن والدي وضع حكمته به وأراد أن يورثني إياها .
( قلت له ذات مساء .. وكنت مرافقا له في المستشفى .. يا أبي كيف ترى العلاقة بينك وبيني ؟
ضحك .. وقال لي : الآن بدأنا نرى بشكل أوضح .. ولكن صعب أن نتغير ، فلم يبق من العمر شيئا .
ولكن أسمع يا ولدي .
أنا كنت أعيش في قرية كنا 6 أولاد وبنتين .. هذا ما بقي بعد أن مات من مات .. كانت الحياة قاسية ، الدهن في الرز لا نجده يوميا كذلك الرز .. أحيانا كنا نأكل خبزا يابسا نغطسه بالماء ثم نأكله ، اللحم نراه بالعيد فقط .
الثياب كنا نتوارثها .. يهترء ثوب أبي من الأسفل .. فيقصر وأرثه ، يهترء فيقصر ويرثه أخي الأصغر ، وهكذا .. أخواتي كن يرثن ثوب أمي .
لم يكن هناك مدارس .. لم نتعلم كان العالم بالنسبة لنا قريتنا والقرية المجاورة والتي تليها .. وكان الجهل في القرى .
كانت أسرتنا أكبر من هذا لكن وباء الكوليرا زار القصيم وحصد الكثير .. ولجهلنا سميناها (سنة الرحمة) .
هذه حياتنا .. فقر وجهل ، كبرنا والله وسعها علينا ، أصبح همي أني ما ألقاك أنت وأخوتك محتاجين شيء .. أفرح كثيرا حين تجدون الأكل الذي كنت أحلم به ، كنت أصر على أن تنوع والدتك في الأكل وأطالبها أن تضع أكثر من نوع على السفرة ، في العيد كنت حريصا أنكم تلبسون الملابس الجديدة .
يا ولدي .. ما جربت أنك تلبس ثوب واحد طول السنة ، في الليل يغسل وأرتديه في النهار .. لهذا لن أطالبك بأن تشعر بما أشعر به .
كنا نقول أننا أفضل منكم ، وحقيقي هذا كلام نقوله لنخفي جهلنا .. لأني لا أعرف كيف يكون واحد عايش في جهل وفقر ويكون أفضل .
الآن أقول لك كان الفقر والجهل عذرا لنا .. أنتم وش عذركم .
هل ستقولون للجيل القادم .. أنكم أفضل منه .. أو تساعدوهم على أن يكونوا أفضل منكم ).
وكان يريد أن يقول لي : إن كان الجيل القادم أسوء .. فثق أنك شاركت في صنع هذا السوء .
بصدق لم أتصالح مع الجيل السابق كما تصالحت مع أبي في هذا الحوار .
تصالحت معه ولكن متأخرا .. متأخرا جدا .
الآن أحاول أن أردم هذه الفجوة بيني وبين الجيل القادم .. وأتساءل كيف؟
الآن أرى أنه من الظلم أن أجعل أبني يجلس بجانب الأحذية ولا يعبر عن رأيه ، ويقف فوق رأسي ورأس أصدقائي ليقدم الماء وحين ننتهي من الأكل يجلس ليأكل فضلاتنا .. ثم أريده أن يعمل ولا يمد يده يطلب المساعدة ، أو أن يقف على الأبواب ينتظر فضلات الآخرين وهباتهم وأنا عودته على هذا .
أرى أيضا أنه من الظلم أن لا أعتذر لطفلي حين أخطئ عليه ، ثم أريد تعليمه أن يعتذر لمن أخطأ عليهم ، لأنه سيرد وإن لم يرفع صوته (لماذا علي أن أعتذر أنا فقط) .. ولن يقل لي (أف) ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أحيانا أحزن .. حين أرى شخصا ما له مكانة كبيرة يفتي والمعرفة تغيب عنه ، ونصمت عنه لأنهم علمونا أن الصغير عليه أن لا يعبر عن رأيه .. وهكذا نستمر فلا نحن نبهناه ولا هو يرى أنه مخطئ ، ولا هي المشكلة حلت .. يعجبني الشيخ حمد الجاسر (رحمة الله عليه) حين سؤل في حوار عن أمر ما ، فقال لم أقرأ عنه إن أمهلتموني شهرا سأقر في هذا المجال وأقول لكم رأي .. لم يفت ويقول أن اللعب في البداية أو النهاية أمر واحد ، فيما هو لم يقرأ في علم الرياضة .
وأغضب حين يأتي شخصا ليقول إن النظام واللوائح والقانون ، لا يجب أن نطبقها دائما لأن المبدع لا بد أن يعامل خارج النظام .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو سرقت فاطمة لقطعت يدها) .. هكذا هو القانون لا يستثني أحدا ، ولا يقبل بالحالة الخاصة ، لأن القانون الذي به روح .. سيحب ويتغاضى عن المحب ، ويكره وسيعاقب من يكره بقسوة .
وبين الحب والكراهية .. سيتوقف التطور ، لأن التطور قائم على وجود العدل ، والعدل مادة يرجع لها الجميع ، ويخضع لها الجميع .. أما أن أتكلم عن حالة خاصة ، فأنا أريد أن أحول نفسي إلى صاحب القانون أوقع العقوبة على من أشاء وأغض الطرف عمن أشاء ، ومن يرد علي ويناقشني ولا يستجيب لرأي سأوقع عليه القانون .. ومن يتزلف لي سأغض الطرف ، لأني أنا من يحدد العقوبات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أخيرا .. أتمنى أن تعيدوا قراءة المقدمة .. ثم تغمضوا أعينكم لتعيدوا قراءة الذاكرة ، وتروا ما الذي كان سيحدث لو دربنا منذ الصغر على أمور كثيرة كأن يسمح لنا بالتعبير عن الرأي ، أو الاختلاف في وجهات النظر ، أو نرى الكبار يعتذرون بسبب أخطاءهم دون تحرج ، كم منا أخطأ وكان يتحرج في الاعتذار لأنه نشئ على أن الكبار لا يعتذرون لكي لا تهدم هيبتهم .. فكبرنا وكبرت أخطاءنا معنا ، وأصبحنا نرى الرأي الآخر يشق الصفوف ، فيما الرأي الآخر يضيف لك ، إلا إن اختلفت الأهداف .. كأن يصبح الهدف ليس مصلحة الرياضة ، بل بقاء الشيخ يفتي كما يشاء دون أن ننبهه لخطأه ، أو استمرار المصيبيح تحت أي ظرف دون نقده ، هنا تختلف الأهداف وبالتأكيد ستتمزق الصفوف ، وسيغني كل على ليلاه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المقدمة ..

(أعلم أني أخترق المحظور في وعي الجماعة ، حين يأتي شخص أصغر سنا لينتقد من هو أكبر سنا ، والسبب فهمنا الخاطئ لمسألة الاحترام ، وهذا الفهم الخاطئ يجعلنا نغض الطرف حتى عن أخطائهم ، بل وذاد الأمر سوءا أنه يطلب من (الأصغر سنا أن يذهب ليعتذر للأكبر سنا) وإن قال لهم ولكن هو من أخطأ ، أجابوه (ولو هو الكبير) ، فينتظر الأصغر سنا متى يكبر ليسقط انتقامه على الجيل القادم ، وهكذا تمضي بنا الحياة ، لا يستطيع الأصغر التعبير عن ذاته ، ولا هو الوعي الجماعي يتطور .. فتتكرر الشخصيات ، كبير يجلس في صدر المجلس يسمح له أن يفتي بكل شيء ، وصغير أمام الأحذية ينتظر دوره ليكبر ويجلس في مكان ذاك الشيخ ليعيد التجربة ، فتتكرر الشخصيات ويستمر شيخ الرياضيين يتكلم ويصدق ويؤمن الكثير بكلامه وإن كان تنقصه المعلومة .. ورغم معرفتي أني أخترق المحظور في الوعي ، وأن أقل ردة فعل ستأتي هي تلك الجملة المكرورة ، والتي تدل على ما ذهبت إليه .. أعني جملة (من أنت؟) ، إلا أني أجدها أرحم من أن أصبح (شيطانا أخرس).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

بقي أن أقول : وافقت الإدارة متمثلة بالأمير بندر بن ثامر على أن نؤجل الحوار الذي كان قد أعلن عنه بسبب ظروف خارج عن الإرادة .. وظروف الأجواء التي تركها المقال ..
فهناك غضب من البعض .. لحقه اتهامات من البعض بأني متسلق وصاحب مصلحة خاصة .
لهذا أرى أن تأجيل الحوار قرار صائب ، فربما تهدأ النفوس فيما بعد ، ويخبو الغضب ، فنتحاور لتضيف لي أسئلتكم .. وربما تضيف إجاباتي ..
فأخوكم يرى أن السؤال أهم من الجواب ، لأن الشعور بمشكلة ما ، يجعلك تطرح السؤال الباحث عن حل لهذه المشكلة ، وبدون الأسئلة لن نتطور .
وإلى ذاك الحين تقبلوا تحياتي واحترامي لكل ما كتب حول المقال ، نقدا كان أو (.....) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة :
إن كان هناك من يرى أنني قسوت على (شيخ الرياضيين) .. فأعتذر عن قسوتي ، لكني لن أعتذر لاختلافي معه فأنا مازلت أرى أن الصواب جانب (الشيخ) في هذا الأمر .
ولم أتسلق على الشيخ ، بل جئت لأبدأ من حيث انتهى ، وسأصلح أخطاءه ، وسيأتي الجيل القادم ليكمل من حيث انتهيت ويصلح أخطائي ، وهكذا هو التطور ، فكر يتراكم من جيل إلى جيل ، ليصنع المجتمع حضارته.. وحين يقف المجتمع عند جيل وتمر الأجيال الأخرى دون أن تضيف أو تصحح الأخطاء ، يسكن التخلف في هذا المجتمع .