مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 29/06/2002, 09:14 AM
د . عبد الله قادري د . عبد الله قادري غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر إسلامي
تاريخ التسجيل: 06/12/2001
مشاركات: 485
أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الحلقة (11)

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي(11)

المبحث الثاني: العلم بالله تعالى

العلم بالله سبحانه وتعالى هو أساس العلم النافع، وكل علم لم يُبْنَ على هذا الأساس فليس بنافع في الحقيقة، وإن اغترّ به أهله، لأنه لا يحقق لصاحبه سعادة في الدنيا ولا هداية، ولا ينجيه من شقاء الآخرة وعذابها، بله أن يوصله إلى رضا الله ودار نعيمه.

والعلم به سبحانه يعني التعرف على أسمائه وصفاته وأفعاله عن طريق كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أنه يستحيل على المخلوق مهما بلغ من الاجتهاد في معرفة الله أن يحيط به.

كما قال تعالى (ولا يحيطون به علماً) [سورة طه: 110].

وفي هذا المبحث أربعة مطالب:

المطلب الأول: العلم بألوهية الله

العلم بألوهيته تعالى التي لا يشاركه فيها أحد، وهي الأساس الأول من أسس الإسلام، وإليها دعا جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام من لدن نوح إلى خاتمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.

قال ابن تيمية رحمه الله:
"وهذا حقيقة قول (لا إله إلا الله) وبذلك بعث جميع الرسل، قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء: 25]، وقال: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون) [الزخرف: 45]

وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل: 36].

"وجميع الرسل افتتحوا دعوتهم بهذا الأصل" [مجموع الفتاوى (10/51)].

والإله معناه المعبود بحق، وألوهيته سبحانه مطلقة كربوبيته، فكما أنه تعالى الربّ الخالق الذي لا ربّ ولا خالق سواه، فهو سبحانه الإله المعبود الذي لا إله سواه، وهي تتضمن أن يكون المخلوق عبداً له لا لسواه، والعبودية هي كمال الحب وكمال الخضوع للإله سبحانه، وذلك يقتضي طاعته المطلقة والبعد عن معاصيه، فإن العبادة شاملة لكل حياة الإنسان.

كما قال ابن تيمية رحمه الله:
"العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمساكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة ..." [الفتاوى (10/149-150)].

وقال ابن القيم رحمه الله في هذا المطلب:
"فمشهد الألوهية هو مشهد الحنفاء، وهو مشهد جامع للأسماء والصفات، وحظ العباد منه حسب حظهم من معرفة الأسماء والصفات، وحظ العباد منه حسب حظهم من معرفة الأسماء والصفات، لذلك كان الاسم الدال على هذا المعنى هو اسم الله جلّ جلاله، فإن هذا الاسم هو الجامع، ولهذا تضاف الأسماء الحسنى كلها إليه، فيقال: الرحمن الرحيم العزيز الغفار القهار من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن. قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى) [سورة الأعراف: 179].

فهذا المشهد تجتمع فيه المشاهد كلها، وكل مشهد سواه، فإنما هم مشهد لصفة من صفاته، فمن اتسع قلبه لمشهد الإلهية، وقام بحقه من التعبد الذي هو كمال الحب بكمال الذل والتعظيم والقيام بوظائف العبودية، فقد تم له غناه بالإله الحق، وصار من أغنى العباد، ولسان حال مثل هذا يقول: غنيت بلا مال عن الناس كلهم وإن الغنى العالي عن الشيء لا به" [طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص: 78-79 طبع قطر].

قلت:
وإنما يكون الغنى بالله بالتربية الإسلامية التي تحمل الفرد على إيصال الخير إلى الناس وكف الأذى عنهم، والاستغناء بالله تعالى عن المخلوقين.

وقال سيد قطب رحمه الله:
"يقوم التصور الإسلامي على أساس أن هناك ألوهية وعبودية، ألوهية يتفرد بها الله سبحانه، وعبودية يشترك فيها كل من عداه، وكما يتفرد الله سبحانه بالألوهية، كذلك يتفرد تبعاً لهذا بكل خصائص الألوهية، وكما يشترك كل حي، وكل شيء بعد ذلك في العبودية، كذلك بتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الألوهية، فهناك إذاً وجودان متميزان: وجود الله ووجود ما عداه من عبيد الله، والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق والإله بالعبيد" [خصائص التصور الإسلامي ص:229-230، 263 الطبعة الثانية].

وقال في موضع آخر:
"إن توحد الألوهية وتفردها بخصائص الألوهية، واشتراك ما عدا الله ومن عداه في العبودية، وتجردهم من خصائص الألوهية، إن هذا معناه ومقتضاه أن لا يتلقى الناس الشرائع في أمور حياتهم إلا من الله، كما أنهم لا يتوجهون بالشعائر إلا لله، توحيداً للسلطان الذي هو أخص خصائص الألوهية، والذي لا ينازع الله فيه مؤمن ولا يجترئ عليه إلا كافر ..." [خصائص التصور الإسلامي ص:229-230، 263 الطبعة الثانية].

فالعبد مأمور أن يحقق العبودية لله فيطيعه في أمره ويجتنب معصيته، وإذا قام هذا المعنى في نفسه على الحقيقة لم يعمل في الدنيا إلا خيراً ولا يرتكب شراً يضره أو يضر غيره، فإن فعل شيئا من ذلك أسرع إلى التوبة النصوح. وبذلك يتحقق أمنه وأمن غيره معه.
اضافة رد مع اقتباس