مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 19/06/2002, 12:27 AM
طالب العلم طالب العلم غير متواجد حالياً
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 11/10/2001
المكان: الامارات - دبي - ديره
مشاركات: 277
ساعة الحساب لن تستطيع الجواب (الوقت)

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن من جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه، ولكن بعد فوات الأوان، وفي هذا يذكر الله عز وجل في القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:

الموقف الأول:

ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو منح مهلة من الزمن، وأخر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فات.

الموقف الثاني:

في الآخرة، حيث تُوفى كل نفس ما عملت وتُجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدأوا من جديد عملاً صالحاً.

هيهات هيهات لما يبطلون فقد انتهى زمن العمل وجاء زمن الجزاء.

أخي المسلم

الزمن كالمال كلاهما يجب الحرص عليهما والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره، وإن كان المال يمكن جمعه وإدخاره، بل تنميته فإن الزمن عكس ذلك، فكل دقيقة ولحظة ذهبت لن تعود إليك أبداً ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع.

وإذا كان الزمن مقدراً بأجل وعمر محدد لا يمكن أن يُقدم أو يُؤخر، وكانت قيمته في حُسن إنفاقه - وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن أستعمال ولا يفرط في شيء منه قل أو كثر.

ولكي يحافظ الإنسان على وقته يجب أن يعرف أين يصرفه؟ وكيف يصرفه؟ وأعظم المصارف وأجلها: طاعة الله عز وجل، فكل زمن أنفقته في تلك الطاعة لن تندم عليه أبداً.

قال الحسن: " من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعينه خذلاناً من الله عز وجل ".

وقال أبو حازم: " إن بضاعة الآخرة كاسدة يوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير، ومتى حيل بين الإنسان والعمل، لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه ".

وينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه، فإن الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويشيبان الصغار، ويفنيان الكبار.


سأل الفضيل بن عياض رجلاًً فقال له: كم أتت عليك؟ قال: ستون! قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، توشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون!.

فقال الفضيل: أتعرف تفسيره تقول - إنا لله وإنا إليه راجعون - ! فمن عرف أنه لله عبد، إليه راجع، فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، ومن علم أنه مسئول فليُعد للسؤال جواباً. فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة! قال: ما هي؟ قال: تُحسن فيما بقى يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي.

وإذا كان هذا القول لمن قاربت سنه الستين، فللشباب قول الحسن رحمه الله لأصحابه: يا معشر الشيوخ، ماذا ينتظر بالرزع إذا بلغ؟ قالوا: الحصاد. قال: يا معشر الشباب، إن الزرع قد تدركه العاهة قبل أن يبلغ.

أخي المسلم

إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله هو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإلا عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته.

قال بلال بن سعد: يُقال لأحدنا: تريد أن تموت؟ فيقول: لا، فيقال له: لِمَ؟ حتى أتوب وأعمل صالحاً، فيقال له: اعمل، فيقول: سوف أعمل، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل، فيؤخر عمل الله تعالى ولا يؤخر عمل الدنيا.

اللهم وفقنا لعمل الخيرات واغتنام الساعات يا أرحم الراحمين.